اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون06 أكتوبر 2017 - 26 توت 1734 ش     العدد كـــ PDFالعدد 39-40

اخر عدد

ثقِّل أذنيه واطمس عينيه

نيافة الانبا يوسف أسقف جنوب الولايات المتحدة الأمريكية

06 أكتوبر 2017 - 26 توت 1734 ش

لما رأى إشعياء النبي الرب جالسًا على كرسيه وأذياله تملأ الهيكل شعر بنجاسته، فطار واحد من السارافيم وبيده جمرة أخذها بملقط من على المذبح، ومسّ بها فمه فانتُزِع إثمه وكُفِّر عن خطيته. ثم بعد ذلك سمع صوت الرب: «من أرسل؟ ومن يذهب من أجلنا؟»، فقال: «هأنذا أرسلني». والعجيب في إشعياء النبي أنه اندفع في غيرة الحب لقبول دعوة الرب دون أن يعرف مسبقًا موضوع إرساليته وطبيعة الخدمة المطلوبة منه. لكن يا للعجب!! فبعد قبوله التكليف بدأ الله يعلن له المطلوب منه في خدمته: «اذهب وقل لهذا الشعب: اسمعوا سمعًا ولا تفهموا، وأبصروا إبصارًا ولا تعرفوا. غلِّظ قلب هذا الشعب وثقِّل أذنيه واطمس عينيه، لئلا يبصر بعينيه ويسمع بأذنيه ويفهم بقلبه ويرجع فيُشفى» (إش6: 9-10). والأعجب من ذلك أن إشعياء النبي لم يناقش الرب في تلك الإرسالية العجيبة، بل سأله فقط: «إلى متى أيها السيد؟» (إش6: 11). أيّة إرسالية تلك التي يكلّف فيها الرب خادمه الأمين أن يقوم بتغليظ قلب الشعب، وتثقيل أذنيه، وطمس عينيه؟ وكيف لهذا الخادم أن يقوم بذلك ومن المفترض فيه أن تكون رسالته رسالة خلاص؟ كيف للطبيب الذي يشفي القلوب والعينين والأذنين أن يغلّظها ويطمسها ويثقلها؟!!

في الحقيقة عمل النبي أو الرسول أو الخادم هو أن يعلن عن الحق والنور. وتختلف استجابة كل واحد بحسب ميول قلبه. فصاحب القلب الشرير يصير نور الحق الإلهي حارقًا لعيني قلبه العليلة، فيزداد عمى فوق عمى: «من يوبّخ مستهزئًا يكسب لنفسه هوانًا، ومن ينذر شريرًا يكسب عيبًا. لا توبخ مستهزئًا لئلا يبغضك» (أم9: 7-8). أمّا صاحب القلب المتواضع، فإن عينيه تكونان مستعدتان للاستنارة بنعمة فوق نعمة: «أعطِ حكيمًا فيكون أوفر حكمة. علّم صدّيقًا فيزداد علمًا» (أم9:9). هذا بعينه ما أعلنه السيد المسيح في قوله: «وهذه هي الدينونة: أن النور قد جاء إلى العالم، وأحب الناس الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة. لأن كل من يعمل السيئات يبغض النور، ولا يأتي إلى النور لئلا تُوبَّخ أعماله. وأمّا من يفعل الحق، فيُقبِل إلى النور لكي تظهر أعماله أنها بالله معمولة» (يو3: 19-21).

يتضح من قول السيد المسيح هذا أن العلّة الحقيقية في غلاظة القلب وعمى العينين وطمس الأذنين ليست فيما يعمله الله بواسطة خادمه، بل هي تكمن في عبارة «لأن أعمالهم كانت شريرة». بالتالي، لا يُحبَطنّ أي خادم من خدام الله الأمناء؛ بل ليعلم أنه يوجد أناس كلما تواجهوا مع النور والحق كلما تقسّى عماهم وصممهم وغلاظة قلوبهم بسبب تمسكهم بالشر. ولا يكن هذا مدعاة للخادم للكلل، والملل، والكفّ عن الشهادة للنور والحق، والكفّ عن محبة المقاومين، بل ليكن متشبّهًا بسيده القائل: «بسطت يدي طول النهار إلى شعب متمرد سائر في طريق غير صالح وراء أفكاره» (إش65: 2).



  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx