اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون20 أكتوبر 2017 - 10 بابة 1734 ش     العدد كـــ PDFالعدد 41-42

اخر عدد

مَاذا ينتفع الإنسَان لو رَبح العَالم كله وَخسَر نفسَه

مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث

20 أكتوبر 2017 - 10 بابة 1734 ش

هذه العبارة قالها السيد المسيح له المجد، وتسجّلت في الأناجيل الثلاثة: في (مت16: 26؛ مر8: 36؛ لو9: 5).

وكلمة (العالم) لها في الكتاب المقدس أكثر من معنى، أذكر منها:

أ- (العالم) بمعنى الناس، كما في (يو3: 16) «هكذا أحب الله العالم، حتى بذل ابنه الوحيدة، لكى لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية» ومعناها أحب الله الناس (أى الذين في العالم). ومثلما قيل عن السيد المسيح بعد معجزة إقامة لعازر من الموت «هوذا العالم قد ذهب وراءه» (يو12: 19). وهناك آيات أخرى عن المسيح كمخلص للعالم...

ب- وكلمة (العالم) أيضًا هذه الدنيا كما في «كان النور الحقيقي الذي يضيء لكل إنسان آتيًا إلى العالم. في العالم كان، والعالم به كُوِّن، والعالم لم يعرفه» (يو1: 9، 10). والجزء الأخير من هذه الآية (العالم لم يعرفه) يعني: سكان العالم لم يعرفوه.

ح- والمعنى الثالث لكلمة (العالم) هو المادة التي في العالم، أو الشهوات والعظمة. كما ورد في (1يو2: 15-17): «لا تحبوا العالم، ولا الأشياء التي في العالم. إن أحب العالم فليست فيه محبة الآب. لأن كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة.. والعالم يمضي وشهوته معه..».

ولعل السيد المسيح في قوله «ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟!» إنما يقصد المعنى الثالث أي ما في العالم من الشهوات والمادة..

وإلي جوار عبارة (لو ربح العالم كله) أحب أن أقول:

لا يوجد أحد في هذه الدنيا قد ربح العالم كله..

وكلمة (لو) هى حرف امتناع لامتناع، أي امتناع الجواب لامتناع الشرط.. فيقصد أنه لو قدر الإنسان أن يربح العالم كله – وهذا مستحيل – فماذا ينتفع لو أنه في سبيل ذلك قد خسر نفسه!!

ويكمل العبارة فيقول «أو ماذا يعطي الإنسان فداء عن نفسه؟!» (مت16: 26). ذلك لأن الإنسان ليس له سوى نفس واحدة، إن خسرهّا خسر كل شيء. ولا يستطيع أن يعطي شيئًا عوضًا عن نفسه أو فداءً عن نفسه. فماذا ينتفع إذن لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟! لا شيء.

غالبية الناس يحاولون أن يربحوا مجرد جزء من العالم، أو يضحون بأنفسهم من أجل شيء ما في العالم، وليس العالم كله.

كإنسان يحاول الحصول على جزء ما من العالم، كإحدى شهوات العالم، أو المال، أو المناصب، أو النساء، أو الكرامة.. وليس العالم كله..

أمنا حواء أخذت ثمرة من ثمرات هذا العالم، وخيّبت نفسها، وضيّعت نفس آدم معها لما أكل معها من نفس الثمرة. وتم الحكم عليهما بالموت، وبالطرد من الجنة وأن يعيشها في الألم والتعب، وتنبت لهما الأرض شوكًا وحسكًا. أي أن الأرض أصبحت تتمرد على هذا الإنسان الخاطئ. ولولا الخلاص الذي قدمه المسيح، لكان المصير هو الموت الأبدي أيضًا، أي الهلاك. ولكن الله أنقذ الإنسان وأولاده وإلّا كانوا قد خسروا الكل: أرضًا وسماءً..

وفي قصة آخاب الملك الشرير: اشتهى مجرد حقل كان يملكه نابوت اليزرعيلي. وفي تحقيق هذه الشهوة، ساعدته زوجته الشريرة إيزابل بتلفيق تهمة التجديف ضد نابوت، واستخدام شهود زور. وتم رجم نابوت، وأخذ آخاب الحقل. ولكن كان قد ضيّع نفسه وصار إليه قول الرب «في المكان الذي لحست فيه الكلاب دم نابوت اليزرعيلي، تلحس دمك أنت أيضًا» (1مل21: 19). وهكذا خسر الكل دنيا وآخرة، وكذلك كان مصير زوجته إيزابل إذ أكلت الكلاب لحمها..

حقًا ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟!

مثال آخر: في قصة حنانيا وسفيرا (أع5).

لقد اختلسا جزءًا من المال الذي أرادا التبرع به لكنيسة الرسل. وكذبا قائلين إن ما دفعاه هو المبلغ كله! فما الذي اتنفعا به من المبلغ الذي اختلساه؟! لقد حكم القديس بطرس الرسول عليهما بالموت لأنهما كذبا على الروح القدس. وهكذا ماتا بدون توبة، وخسرا نفسيهما، وخسرا الأرض والسماء!!

نوع آخر من الناس يربح المال ولو بالخيانة مثل الخائن الأعظم، يهوذا الأسخريوطي:

هذا الذي من أجل ثلاثين من الفضة باع سيده ومعلمه وربه!! وماذا انتفع؟! لا شيء.. لقد أزعجه الندم، فأرجع الفضة، ومضى وخنق نفسه (مت27: 5). وهكذا خسر الدنيا والآخرة. خسر المال وخسر نفسه. وأصبح على مدى التاريخ مثالاً للخيانة. وقال عنه السيد المسيح له المجد «كان خيرًا لهذا الإنسان لو لم يولد»..

عبارة "خسر نفسه" تعني أحيانًا الأمرين معًا، في الأبدية وعلى الأرض.

مثال ذلك: إنسان يتعاطى المخدرات. إنه يخسر الأمرين معًا، بكل ما يحملان من تفاصيل، يخسر صحته، وماله، ومصيره الأبدي أيضًا.. وكثير من الخطايا، تكون لها عقوبة أو عقوبات على الأرض، غير العقوبة الأبدية بعد الموت.. وعقوبات الأرض قد تشمل حكم المجتمع، وحكم الدولة كذلك.

هناك شخص لا نقول فقط عليه: "لو ربح العالم كله".. بل أكثر من هذا لو حاول أن يربح.."!

مثال ذلك أبشالوم ابن الملك داود (2صم15-18). لقد أراد أن يربح مملكة أبيه. حاول ولم ينجح، ومات وهو مخطئ. وهلك أبشالوم. خسر المُلك على الأرض، وخسر سمعته، ومات دون أن يتوب، وبالتالي خسر أبديته.. فماذا انتفع؟! لقد خسر نفسه أيضًا، وخسر ما أراد أن يربحه على الأرض..!

مثال آخر هو شاول الملك الذي اضطهد داود...

أراد أن يتخلص من داود معتبرًا إياه منافسًا له في الحكم، ومنافسًا في محبة وإعجاب الجماهير.. وبذل شاول محاولات كثيرة لقتل داود، ولم يفلح.. وأخيرًا مات شاول في الحرب، وما كسب أرضًا ولا سماء، ولكنه خسر نفسه، وخسر سمعته ونقاوة قلبه.. وهلك شاول.

مثال آخر هو سليمان الحكيم.

ربما لم يتمتع أحد بالعالم وما فيه مثلما تمتع سليمان، الذي قال في سفر الجامعة: «عظّمت على. بنيت لنفسي بيوتًا.. عملت لنفسي جنات وفراديس.. اتخذت لنفسي مغنين ومغنيات وتنعمات بني البشر سيدة وسيدات» إلى أن قال: «ومهما اشتهته عيناى، لم أمسكه عنهما» (جا2: 4-10). فماذا كانت النتيجة، وقد ظن سليمان أنه ربح العالم كله، يقول الكتاب: «وكان في زمان شيخوخة سليمان، أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى. ولم يكن قلبه كاملاً مع الرب إلهه كقلب داود أبيه. فذهب سليمان وراء عشتاروت آلهة العبيونيين، وملكوم رجس العمونيين. وعمل سليمان الشر في عينىّ الرب..».

وضيّع سليمان نفسه، لولا أن الرب تدخل في الموضوع بأمرين:

أحدهما كما قال الرب عنه لداود «إن تعوّج أؤدبه بقضيب من الناس وبضربات بني آدم. ولكن رحمتي لا تُنزع منه كما نزعتها من شاول» (2صم7: 12-14). وهكذا سمح الرب له بأعداء هددوا مُلكه. وقد انقسمت دولته في عهد رحبعام ابنه وأخذ منها عشرة أسباط.. وخسر سليمان على الأرض..

والأمر الثاني أن الرب قاد سليمان إلى التوبة، بسفر الجامعة وسفر النشيد. وعرف أن العالم كله باطل وقبض الريح ولا منفعة تحت الشمس.. وأخيرًا خلص سليمان كما بنار.. هذا الحكيم الذي كان أحكم أهل الأرض كلها في أيامه..

مادام الأمر هكذا، فليهتم كل إنسان بخلاص نفسه.

لأنه مهما ربح من العالم، لابد سيرتكه. ولن يأخذ معه شيئًا منه: لا مال ولا مناصب، ولا وظائف، ولا عظمة، ولا كرامة، ولا أية متعة جسدية. فليس شيء من كل هذا باقيًا إلى الأبد، لأن العالم يبيد وشهوته معه..




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx