اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون17 نوفمبر 2017 - 8 هاتور 1734 ش     العدد كـــ PDFالعدد 45-46

اخر عدد

الحكمة السمائية

نيافة الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح وشمال أفريقيا

17 نوفمبر 2017 - 8 هاتور 1734 ش

يكتب معلمنا يعقوب الرسول للمؤمنين في الأصحاح الثالث من رسالته عن الحكمة، ويكتب مُميِّزًا بين نوعين منها، وهما الحكمة الأرضية في مقابل الحكمة السماوية، فيقول: «لَيسَتْ هذِهِ الحِكمَةُ نازِلَةً مِنْ فوقُ، بل هي أرضيَّةٌ نَفسانيَّةٌ شَيطانيَّةٌ. لأنَّهُ حَيثُ الغَيرَةُ والتَّحَزُّبُ، هناكَ التَّشويشُ وكُلُّ أمرٍ رَديءٍ. وأمّا الحِكمَةُ الّتي مِنْ فوقُ فهي أوَّلًا طاهِرَةٌ، ثُمَّ مُسالِمَةٌ، مُتَرَفِّقَةٌ، مُذعِنَةٌ، مَملوَّةٌ رَحمَةً وأثمارًا صالِحَةً، عَديمَةُ الرَّيبِ والرّياءِ. وثَمَرُ البِرِّ يُزرَعُ في السَّلامِ مِنَ الّذينَ يَفعَلونَ السَّلامَ» (يع3: 15-18).

والحكمة فضيلة هامة في حياة الإنسان المسيحي، اذ هي التي تظهر عمل الفضائل الأخرى، فقد يحمل الإنسان طاقة حب عظيمة لكل من حوله، وقد يكون خادمًا غيورًا على مجد الله في خدمته، وقد يكون إنسانًا أمينًا ومجتهدًا في عمله، ويسعي باجتهاد أن يصل إلى أقصى درجات النجاح؛ ولكن إن كانت تنقص أيًّا منهم الحكمة فلن يستطيع أن يصل إلى هدفه، ولا تنفعه فضيلته في شيء، بل يمكن أن يفقد كل بركة في حياته.

لهذا طلب سليمان الملك من الرب ان يعطيه حكمة «أعطِ عَبدَكَ قَلبًا فهيمًا لأحكُمَ علَى شَعبِكَ وأُمَيِّزَ بَينَ الخَيرِ والشَّرِّ» (1مل3: 9). وبالحكمة أيضًا اجاب الرب يسوع عندما سُئِل هل تُعطى الجزية لقيصر: «أعطوا إذًا ما لقَيصَرَ لقَيصَرَ وما للهِ للهِ» (مت22: 21)، فهو لم يحرّض الشعب على عدم دفع الجزية، ولم يرفض أن يدفع الجزية.

والحكمة تمنع الانسان من أن يسلك بتحزُّب، فالتحزُّب يؤدي إلى الانقسام، فعند اختلاف وجهات النظر مع الآخرين إيّاك أن تبقى وحدك، أو أن تستقطب آخرين إلى فكرك، فهذا يؤدي إلى التحزُّب ثم الانقسام في البيت أو في الخدمة أو في الكنيسة أو في المجتمع؛ بل اجلس إلى الآخرين، وبمحبة تناقش لكي تصلوا إلى رأي واحد يقبله الجميع. وهكذا فعل الآباء الرسل في مجمع أورشليم عند ظهور مشكلة التهوُّد، فلم يتحيز بطرس الرسول لرأيه ولا فعل بولس كذلك، بل بروح من الود طرحوا المشكلة وتوصلوا إلى رأي واحد، وقبل الجميع هذا الرأي، وسارت الكنيسة في سلام. فالبيت أو الكنيسة التي ترفض التحزُّب تعيش في سلام.

فما هي علامات الحكمة السمائية؟

1- طاهرة: أي أنه لا يكون للإنسان من وراء تصرفه شهوة خاصة، بل يكون كل هدفه هو السعي لمجد الرب وإرساء السلام في حياة كل من يتعامل معه. فالحكمة تجعلك تميّز دوافعك الداخلية في تعاملك مع أبنائك مثلًا: هل أوامرك لهم مدفعوة بشهوة التسلط أم يقودها إحساسك بالمسؤلية تجاههم؟

2- مسالمة: الحكمة النازلة من فوق تجعل الإنسان يسعى نحو السلام، فمقياس البيت الناجح والمجتمع الناجح والقائد الناجح أنه يسعى دائمًا لصنع السلام. فالاضطراب والخصومات تجعل كثيرين يفقدون رجاءهم ومحبتهم في عمل الله ويفقدون سلامهم.

3- مترفقة: والترفق ليس نوعًا من الضعف، بل الإنسان الحكيم يترفّق على كل من يخدمهم ويتعامل معهم في أخطائهم، لأن المحبة تتأنى وترفق.

4- مذعنة: فالإنسان الحكيم لا يتشدّد في رأيه، ولا يتمسك بوجهة نظرة حتى إن كانت غير مناسبة، بل في حكمة يستمع للجميع ويقبل الرأي الأكثر حكمة.

5- مملوءة رحمة وأثمارًا صالحة: فالذي يسلك بحكمة تمتلئ حياته بالثمر، ثمر البر، لأن الذي يسلك بحكمة تسير كل أموره في سلام، ويملأ الرب نفسه حياته بالثمار الروحية الكثيرة.

لذلك صلِّ دائمًا واطلب أن يعطيك الرب حكمة، وأن تكون حكمتك سماوية طاهرة مسالمة مترفقة مذعنة، وعندما تطلب الحكمة ستمتلئ حياتك بالثمار، وستجني أنت ثمار هذه الحكمة، لان ثمر البر يُزرع في السلام، كما يقول الكتاب.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx