عوامل القوة الروحية
نيافة الأنبا بنيامين أسقف المنوفية
17 نوفمبر 2017 - 8 هاتور 1734 ش
أخذنا فكرة في عدة مقالات عن مفاهيم القوة والضعف، وكيف نتحلى بقوة روحية من الله كمصدر قوة. ونوّد في هذا المقال أن نوضّح بعض العوامل المساعدة على نوال هذه القوة الروحية حتى نحقق نتائجها.
(1) إنكار الذات: وهذه فضيلة مهمة تعني رفض محبة الذات التي هي مصدر كل خطية وضعف، فإنكار الذات يقود إلى بذل الذات بعمل الروح القدس الذي يُقَوِّي الروح لتحب الله فتقوى على رفض تسلط الذات أو الأنا المدمرة على حياة وتصرفات الإنسان، بل وتبني صرحًا إيمانيًا قويًا يقود إلى البذل والتضحية لأجل نوال الفضائل والتحلي بكل نفيس روحي تتحلّى به النفس القوية روحيًا، وأهمه التواضع وقبول المتكأ الأخير الذي يرفع روحيًا كل مَنْ يتحلي به بقلبه. ومن الفكر الروحي للقديس بولس «أقمع جسدي وأستعبده حتي بعدما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضًا» (1كو9: 24). نعم فربما التعب والخدمة والأصوام والصلوات والعظات القوية وباقي أنواع الخدمة قد ترفع القلب وتجعله يتجه إلى الكبرياء الذي يُسقط النفس إلى انحدار الشيطان (بسبب كبريائه)، من رئيس ملائكة والكاروب المظلل على عرش الله إلى رئيس طغمة شياطين يحاربون الفضيلة وكل شيء صالح ليجُرّوا الناس إلى الهلاك والضياع. ومما يساعد على إنكار الذات عبارة «لسنا كُفاة من أنفسنا» (2كو3: 5، 6)، وهذا يعني أن كفاية النفس هي من عمل الله بروحه القدوس لتصل إلى الشبع الحقيقي بعمل النعمة المشبعة روحيًا والثبات فيها دائمًا. والنمو الطبيعي لإنكار الذات هو البذل الحقيقي، والبعد عن كل أنانية وحب المنفعة المادية، والبحث عن تمجيد الذات والبحث عن المناصب والرفعة المادية وحب المال وعبادة المال..
(2) الوحدانية الروحية: والبعد عن الانقسام الذي يتسبّب فيه حب الذات والتحوصل حول الذات والأنانية، فالذاتية هي مصدر كل انقسام كما حدث بسبب الهرطقات والخروج عن الإيمان الحقيقي المستقيم الرأي. والهراطقة أحبوا ذواتهم إلى درجة الانفصال عن الكنيسة، والخروج إلى آراء إيمانية منحرفة، مثل آريوس الذي نادى بعدم مساواة الابن للآب السماوي، وهكذا فعل نسطور الذي فصل اللاهوت عن الناسوت في التجسد واعتبر أن الرب يسوع مجرد إنسان أخذ كرامة فصنع معجزات. كل ذلك أوجد الانقسامات التي هي ضد الوحدانية، بينما ذوبان الذات في عمل روحي قوي، وموتها في المعمودية للعبور للحياة الأبدية، مما يجعلنا أعضاء في الجسد الذي رأسه السيد المسيح (الكنيسة المقدسة)، وخاصة أن ميلاد الكنيسة كان في حلول الروح القدس «ولما حضر يوم الخمسين كان الجميع بنفس واحدة» (أع2: 45)، وكذلك «وجميع الذين آمنوا كانوا معًا وكان عندهم كل شيء مشتركًا» (أع2: 45)، وأيضًا: «وكانوا كل يوم يواظبون علي الصلاة في الهيكل بنفس واحده... ولهم نعمة لدي جميع الشعب» (أع2: 46)، «فلما سمعوا رفعوا بنفس واحدة صوتًا إلي الله... ولما صلوا تزعزع المكان الذي فيه اجتمعوا» (أع4: 24، 31). لقد اقتنعت المسيحية منذ البداية بأهمية وحدانية الإيمان والكنيسة الواحدة المقدسة. والخلاصة في قول أن القوة في إنكار الذات المؤدي إلة الوحدانية في الإيمان والكنيسة...