اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون29 ديسمبر 2017 - 20 كيهك 1734 ش     العدد كـــ PDFالعدد 51-52

اخر عدد

امتنعوا عن كل شبه شر

قداسة البابا تواضروس الثانى

29 ديسمبر 2017 - 20 كيهك 1734 ش

أي مجتمع فيه فضائل، حتى الشعوب الوثنية عندها فضائل كثيرة مثل فضيلة احترام الآخر، لكن ما ذكره القديس بولس الرسول (1تس5: 12-23) هو فضائل مسيحية سامية. الفضيلة الإنسانية تقول: امتنعوا عن كل شر، لكن في المسيحية نقول: «امتنعوا عن كل شبه شر»، يا لهذا السمو! في العهد القديم كانت الوصية تقول: «لا تقتل»، لما جاء العهد الجديد قال ربنا يسوع المسيح: «لا تغضب»، لأن الغضب يؤدي إلى القتل. يسوع المسيح قال لنا أنه ما جاء لينقض بل ليكمل، أكمل فهم الإنسان للوصية، فالوصية لها أبعاد ومستويات يتقدم فيها الإنسان، في سمو ورقي، في مسيرة طويلة.

ما معنى امتنعوا عن كل شبه شر؟

شبه الشر هو الذي يؤدي إلى الشر، يؤدي إلى الخطية أو الجريمة أو الانحراف. «امتنعوا عن كل شبه شر» تعني أن تضع في بالك أن هناك أمور في حياتنا تؤدي إلى ما هو أخطر، قد تكون هذه الأمور ليست خطيرة في حد ذاتها، لكن عندما يسقط الإنسان فيها أو يدخل في بدايتها يقع في خطايا كثيرة. تعالوا لنأخذ أربعة أو خمسة نماذج تبيّن لنا ما هو شبه الشر.

1) التردد

يقول لنا الكتاب في رسالة يعقوب عن الإنسان المتردد: «رَجُلٌ ذو رأيَينِ هو مُتَقَلقِلٌ في جميعِ طُرُقِهِ» (يع1: 8). أتذكر حين كنت في الدير وكنت مسئولًا عن الزائرين، أن دخل شاب مع أمه ومعه ورقة في يده مغلق عليها، وقال لي: "اختر ورقة يا أبونا"، فاخترت ورقه كان مكتوبًا فيها "لا أبيعها" ففرح الشاب، ردت أمه قائلة أنهم كانوا ي دير آخر واختار أب راهب هناك ورقة أخرى مكتوب عليها "بعها" وتضح أن ذلك كان بخصوص قطعة أرض كانا يفكران في بيعها لكن الشاب كان مترددًا. مثل هذا الإنسان هو صعب جدًا، وخصوصًا لو كان في مسئولية.

التردد يوصّل إلى الشر، وعكسه الثبات. الإنسان الثابت حينما يواجه موضوعًا فإنه يدرسه ويصلي ويفكر ويأخذ مشورة ويقرر. مثال لذلك إبراهيم أبو الآباء، في سفر التكوين أصحاح 12، طلب منه الله أن يترك أرضه وعشيرته ويتغرّب، ولم يضيّع إبراهيم وقتًا، بل قام بكل نشاط وبدأ يأخذ طريق المسيرة وهذه الدعوة. مثال آخر إبراهيم أبو الآباء عندما طلب الله أن يقدم ابنه ذبيحة، فأطاع فورًا. في المقابل نرى مثالًل للتردد في الشاب الذي دعاه السيد المسيح وقال له: اتبعني، فأجاب: «يا سيِّدُ، ائذَنْ لي أنْ أمضيَ أوَّلًا وأدفِنَ أبي» (مت8: 19-22)، طبعًا دفن الأب شيء مهم، لكنها هنا شكل من أشكال التردد. أحيانًا الروح يحركك لعمل روحي مثل أن تصلي أو تقرأ الإنجيل، ولكنك تتلادد لثوانٍ تحت أي مُسمّى، وتكون النتيجة أن الإنسان يخسر عمله الروحي، وهذا شبه الشر الذي يقود للشر.

2) الإهدار

أكثر ما يهدره الإنسان في عمره هو الوقت. الوقت عطية إلهيه لا تتوالد ولا تتمدد، اليوم 24 ساعة لكل البشر، وهو لا يتوقف ولا يرجع إلى الوراء وهو محدود مهما طال. القديس أغسطينوس في نهاية حياته كان لا يستطيع الوقوف أو الجلوس، بل كان راقدًا أغلب الوقت، ولأنه كان يريد أن يصلي فطلب أن تُكتَب المزامير على الحائط ليستطيع قراءتها. زيارة صغيرة لأيّة محطة قطار أو أتوبيس في أيّة دولة غربية، تجد الناس تقرأ دون تضييع وقت في الثرثرة. اهتم بوقتك، قدِّر هذه العطية التي يقدمها الله لك، استخدم الوقت حتى تفيد نفسك وتفيد الآخرين. الوقت هو أغلى ما نملك.

ليس قثط إهدار الوقت، بل أيضًا إهدار المال. هناك قديسون كانوا أغنياء جدًا مثل إبراهيم أبي الآباء، والقديس الأنبا أنطونيوس أب جميع الرهبان والذي كان يمتلك 300 فدان، وغيرهما الكثيرون. المال نعمة وعطية من عند الله، ولكنها نعمة يُختبَر بيها معدن الإنسان. هناك من يستغل المال بشكل صحيح سواء في مشاريع أو خدمة... إلخ، وهناك آخر يسيء استخدام هذا المال بأي شكل من الأشكال. إهدار المال خطية، هو شبه شر، قمن يسيء استخدام ماله، يوقع نفسه في خطايا كثيرة. افرض وفرة المال لا تعني التبذير، بل تعني الحكمة للاستخدام الحسن.

هناك أشكال أخرى من الإهدار، مثل إهدار إهدار المياه والطعام. يوجد في العالم مليار من البشر لا يجدون مياه الشرب، بمعنى أن واحدًا من كل سبعة لا يجد كوب ماء ليشربه، وهناك بلاد فيها مجاعات والناس يبحثون عن الطعام في صناديق القمامة! لذلك فكر البشر في اختراع الثلاجات وأجهزة أخرى ووسائل طهو متعددة، وذلك لتقليل إهدار الطعام. حينما ترمي الطعام فأنت تحرم إنسانًا آخر من الطعام.

3) الإهمال

مثلما يهمل أب أو أم في تربيه أولادهما، وقد يأخذ الإهمال صورة التدليل. وهناك الإهمال في العمل، والإهمال في الإنتاج. لو لم يُربَط المسمار جيدًا في عجلة السيارة فمن الممكن أن يؤدي هذا إلى شر. أظنكم تتذكرون كيف أهمل عالي الكاهن في تربية أولاده وماذا كانت النتيجة. وهناك الإهمال في العلاقات الاجتماعية، بجيرانك وأصحابك وزملائك...

الإهمال شر، وأحيانًا نسمًيه "آفة الحياة الروحية": إهمال صلواتك، إهمال انجيلك، إهمال قراءاتك... إلخ. وهناك إهمال النظافة: في البيت، في الفصل الدراسي، في المدرسة، في الشارع... بل وقد نرى صنوف الإهمال هذه في الكنيسة! نظافة المكان تجعل الإنسان مرتاحًا، والعكس صحيح.

5) الانشغال الزائد

هناك من يعمل أكثر من اللازم، وهذا يؤدي إلى أخطاء كثيرة منها الإهمال. هناك من أناس "مدمنو شغل" workaholic. الانشغال الزائد يتعب الإنسان في كل علاقاته، بل قد ينقطع عن الممارسات الروحية من صلاة وقراءة وخدمة بسبب الانشعال. وهناك من يضيع بيته وأسرته بسبب انشغاله الدائم. الانشغال الزائد أحيانًا يكون مقدمة لشرور أخرى. لابد أن يكون هناك تنوع في حياة الإنسان، لذلك نجد في الحياة الديرية يقولون لنا إن قانون الراهب: ساعة عمل، ساعة قراءة، ساعة صلاة؛ أي أن اليوم مُقسَّم فترة للصلاة وفترة للقراءة والدراسة وفترة للعمل: عمل يدوي أو غير يدوي.

المشغولية الزائدة هي شبه شر، وتحرم الإنسان من بيته، ومن حياته، بل وربما من أبديته أيضًا، لذلك يجب أن يكون الإنسان منتبهًا للغاية من الانشغال الزائد، ويجب أن يكون له وقته الخاص بين فترة وأخرى، لكي يستطيع أن يكمل مسئولياته الأخرى.

6) العشوائية

هناك من يذاكر بدون نظام، ومن يجاوب بلا نظام، ومن يتكلم بلا نظام، وآخر يبني بدون نظام... والعجيب أن مثل هؤلاء يقولون عن حياتهم إنها "ماشية بالبركة"! بينما في الواقع، البركة في النظام. في معجزة إشباع الجموع، قال السيد المسيح للجموع أن يجلسوا فرقًا فرقًا، خمسين خمسين، وطبعًا بينهم ممرات، وجعل الرسل يوزعون الطعام عليهم، فأكلوا وشبعوا وفضل عنهم اثنتا عشرة قفة من الكسر التي جمعوها، مما يعني أنهم تركوا المكان نظيفًا؛ فالنظام يؤدي إلى البركة. ودائمًا نقول لأولادنا إن كلمه نجاح تبدأ بحرف "النون" الذي هو رمز واختصار لكلمة "نظام".

العشوائية لا تبني الإنسان، بل هي شكل من أشكال الإهمال. الذي يبدد طاقات الإنسان، ولا يجعل الحياة هادئة بل تصير مشوشة. حتى في المناطق العشوائية لا نستطيع أن نوصّل لها الكهرباء والمياه، بل في بعض المناطق العشوائية حينما يحصل حادث أو مشكلة قد لا تستطيع عربة الإسعاف الدخول، أو لا يستطيعون الوصول للمكان...

... ...     ...

هذه الصور كلها تندرج تحت هذه الفضيلة «امتنعوا عن كل شبه شر». وطبعًا هناك نماذج كثيرة وصور متعددة يمكن أن تبحث عنها في حياتك. وأحب أن أقدم لكم تدريبًا ونحن في نهاية السنة في الأيام الأخيرة من شهر ديسمبر، راجعوا الجزء الذي قرأناه في رسالة تسالونيكي الأولى الأصحاح الخامس 12-22، اكتبوا هذه العشر الآيات وراجعوا أنفسكم بحسب الوصايا التي في الآيات، وابحثوا عن كيفية تطبيقها. راجع نفسك في نهاية هذا العام، واعمل برنامج عمل لحياتك في السنة القادمة. ربنا يحافظ عليكم دائمًا.



  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx