اسم المستخدم

 

كلمة المرور

 

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون29 ديسمبر 2017 - 20 كيهك 1734 ش     العدد كـــ PDFالعدد 51-52

اخر عدد

كيف أعَدّ الله قصّة التجسّد والميلاد

مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث

29 ديسمبر 2017 - 20 كيهك 1734 ش

فيما كان الله يحاكم آدم وحواء على خطيئتهما، أعلن قصة الخلاص بأن نسل المرأة يسحق رأس الحية (تك3: 15)، أي أن النسل الذي سوف تنجبه المرأة فيما بعد، هو الذي سوف يسحق رأس الحية التي هي الشيطان (رؤ20: 2).

وكان هذا النسل المقصود هو السيد المسيح الذي يسحق الشيطان على الصليب. ولكن هذا النسل لم يولد إلا بعد أكثر من خمسة آلاف عام، ثم قام بعملية الفداء لخلاص البشرية. فلماذا كان ذلك التأخير؟

+       +        +

إنه لم يكن تأخيرًا، وإنما كان إعدادًا لهذا الحدث العظيم.

كان إعدادًا لفهم البشرية، لكي يدركوا خطة الله في الفداء، ومن هذا الذي يفديهم.. وكان إعدادًا أيضًا للجو الذي يتم فيه الفداء، وللأشخاص.. لأنه لو كان المسيح قد وُلد ومات عنا، دون أن يفهم البشر ما هذا الذي يحدث، ما كان يدخل فيهم معنى ما يحدث، ومحبة الله الباذلة...

كان لابد أن يعرفوا أنهم مستحقون للموت، وهناك من سيموت بدلًا منهم، ليوفي الحكم الصادر ضد الإنسان «يوم تأكل منها، موتًا تموت» (تك2: 17).

وهنا يتضح مبدأ الفداء، الذي هو بريء يموت بدلًا من مذنب.

ولتحقيق هذا الأمر، بدأ الله – في تطور طويل – يُدخل إلى عقل الإنسان فكرة الذبائح والمحرقات.. كانت أولاها تلك الذبيحة التي من جلدها صنع لآدم وحواء قمصانًا من جلد (تك3: 21). وهكذا عرفا أن الخطيئة تقودهما إلى الإحساس بالعري. بينما بواسطة الذبيحة يمكن أن يتغطيا ويستر الله عريهما...

+       +        +

ثم تدرج الأمر إلى أن تكون الذبيحة من أفضل نوع، كما قدّم هابيل البار للرب «من أبكار غنمه ومن سمانها» (تك4:4).

وقبل الله منه هذه الذبيحة قربانًا. بل أن رضى الله ظهر بالأكثر في تقبله للمحرقات التي قدّمها أبونا نوح البار بعد الطوفان. وقيل في ذلك «وبنى نوح مذبحًا للرب. وأخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة، وأصعد محرقات على المذبح. فتنسم الرب رائحة الرضا. وقال الرب في قلبه: لا أعود ألعن الأرض أيضًا بسبب الإنسان» (تك8: 20، 21).

نلاحظ هنا في ذبائح نوح، وصفها بكلمة "الطاهرة".

بالإضافة إلى ذبيحة هابيل "من أبكار غنمه ومن سمانها".

ونتائج ذلك من "الرضا"، وأن الله "لا يعود يلعن". وما حدث بعد ذلك من أن الله "بارك نوحًا وبنيه" بنفس البركة التي كان قد منحها للإنسان الأول من قبل (تك9: 1، 2؛ 1: 28).

وتطور الأمر أكثر في أمر الله لأبينا إبراهيم بتقديم إسحق.

أي تقديم «الابن الوحيد الذي تحبه» (تك22: 2).

ومع أن إسحق كان مجرد رمز للمسيح، فلم يمت.. إلا أن الله أعقب ذلك ببركة عظيمة لإبراهيم. فقال له «أباركك مباركة».. وقال له أيضًا« "ويتبارك في نسلك جميع أمم الأرض» (تك22: 17، 18). والمقصود بنسله هنا، السيد المسيح الذي سوف يأتي من نسله، وبه تكون البركة لجميع الأمم.

على أن الأمر تطور إلى أنواع كثيرة من الذبائح وردت في شريعة موسى، كل منها ترمز إلى المسيح في ناحية معينة:

لعل أولها ذبيحة الفصح، التي كانت بها النجاة من الموت.

هذا الذي عن دمه قال الرب «ولما أرى الدم، أعبر عنكم» (خر12: 13). فكان الملاك المهلك يميت كل أبكار الشعب، ولكنه عندما يرى دم خروف الفصح على بيوت المفديين بدمه، يعبر عنهم، فيخلصون من الموت. وإذ كان دم خروف الفصح رمزًا للمسيح، قال بولس الرسول «لأن فصحنا أيضًا المسيح قد ذُبِح لأجلنا..» (1كو5: 7).

ويعوزنا الوقت أن نتكلم عن كل الذبائح ورموزها. ولكننا نقول إن الخاطئ كان يضع يده على الذبيحة، ويقرّ بخطاياه، لكي ينال المغفرة (لا5:5). وهكذا تحمل الذبيحة خطيته عنه، رمزًا إلى السيد المسيح الذي تنبأ عنه إشعياء النبي قائلًا: «وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا.. كلنا كغنم ضللنا. مِلنا كل واحد إلى طريقه، والرب وضع عليه إثم جميعنا» (إش53: 5، 6).

إذًأ الذبيحة التي يريدها الله عنا لتحمل خطايانا، ليست من الذبائح الحيوانية. لكنها إنسان، لأن حكم الموت صدر ضد إنسان.

وهكذا بدأ الفهم يتطور إلى انتظار المخلص الذي هو المسيح الرب.

+       +        +

وكما كانت الرموز تمهيدًا لفهم الناس عن عمل المسيح الفدائي، هكذا كانت نبوءات الأنبياء إعدادًا آخر لفهمهم.

إنه مسيح الرب. وهكذا ورد عنه في سفر إشعياء النبي «روح السيد الرب علىّ، لأن الرب مسحني، لأبشر المساكين. أرسلني لأعصب منكسري القلوب. لأنادي للمسبيين بالعتق، وللمأسورين بالإطلاق» (إش61: 1).

تمهيد آخر وهو ولادته من عذراء، في قول النبي «يعطيكم السيد نفسه آية: ها العذراء تحبل وتلد ابنًا، وتدعو اسمه عمانوئيل» (إش7: 14).

وعن لاهوته قيل «لأنه يُولد لنا ولد، ونُعطي ابنًا. وتكون الرياسة على كتفه. ويُدعى اسمه عجيبًا مشيرًا، إلهًا قديرًا، أبًا أبديًا، رئيس السلام» (إش9: 6).

وأخذت النبوءات تشرح التفاصيل عن هذا المسيح (المسيا) المنتظر.

فقالت إنه يولد في بيت لحم، لأنه يخرج منها مدبرًا لشعب إسرائيل (ميخا5: 2) وأنه سيذهب إلى مصر (إش19). وأنه سيكون كاهنًا على طقس ملكي صادق (مز110: 4). وأنه سيكون متواضعًا وديعًا «لا يخاصم ولا يصيح، ولا يسمع أحد في الشوارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفئ» (إش42: 1-4). وأنه يدخل أورشليم كملك، وديعًا على أتان وجحش ابن أتان (زك9:9).

لهذا كان الكل ينتظرونه، ليس القادة ورجال الدين، بل حتى السامرية التي قالت «أنا أعلم أن مسيا الذي يُقال له المسيح يأتي. فمتى جاء ذاك، يخبرنا بكل شيء» (يو4: 25). وأهل السامرة أيضًا قالوا عنه «إن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم» (يو4: 42). كانوا يعتقدون أنه سيأتي مخلص للعالم هو المسيح.

إذًا كانت الذبائح والرموز تشير إليه. وكانت النبوات تشرح تفاصيل كثيرة عنه، وأنه سيكون ابن داود (مت22: 42).

+       +        +

كان الرب في مجيئه إلى العالم، ينتظر ولادة العذراء التي يولد منها.

تلك الطاهرة القديسة التي تستحق ذلك المجد، أن الرب يولد منها، وتحتمل ذلك أيضًا أن جميع الأجيال تطوبها (لو1: 48)، دون أن يرتفع قلبها من الداخل. فلما وُلِدت العذراء، اقترب ملء الزمان الذي يُولد فيه تحت الناموس، ليفتدي الذين تحت الناموس (غل4:4).

وكان ملء الزمان ينتظر أيضًا ميلاد ذلك الملاك الذي يهيّئ الطريق قدامه (ملا3: 1)، أعني يوحنا المعمدان الذي يهيّئ للرب شعبًا مستعدًا (لو1: 17). يعدّ الناس بالتوبة، ويشهد للرب هو الآتي من فوق، لذا فهو فوق الجميع (يو3: 31).

فلما وُلِد يوحنا، وبدأ خدمته، كانت الساعة قد اقتربت.

كان الرب أيضًا ينتظر في مجيئه، جماعة التلاميذ الذين يتلقون العلم منه، يكونون له شهودًا في أورشليم، وفي كل اليهودية والسامرة، وإلى أقصى الأرض (أع1: 8).

على أن يجتمع كل هؤلاء في جيل واحد، مع العذراء والمعمدان، مع كل الرموز والنبوءات.. ثم يكون موعد التجسد، واقتراب ملكوت الله.

+       +        +

حقًا، إن لكل شيء تحت السموات وقتًا (جا3: 1).

لقد وعد الله بالخلاص. ولكن كان لابد لذلك أن يتم في وقته المناسب. الوقت الذي أطلق عليه الكتاب عبارة «ملء الزمان» (غل4:4). وفيه يكون الجميع مستعدين لقبول فكرة الخلاص، وفهمها.. الوقت الذي تتم وتكمل فيه كل ما قيل بالأنبياء. والوقت الذي تنضح فيه أذهان الناس، لتدرك الرموز كلها، وتعرف معنى الفداء، ومعنى الصلب، والكفارة، فتؤمن.. وتخلص.

لا ننسى أنه في القرن الثالث قبل ميلاد المسيح، كانت قد تمت ترجمة كل العهد القديم إلى اللغة اليونانية، وذلك باسم الترجمة السبعينية Septuagint في عهد بطليموس الثاني فيلادلفوس. فساعدت أيضًا على نقل النبوءات والرموز إلى المتكلمين باليونانية، اللغة العالمية وقتذاك. وكانت هذه النقطة إحدى التمهيدات إلى ملء الزمان، وإلى انتشار إنجيل المسيح في كل أرجاء العالم..

+       +        +

لا تقل إذًا: لماذا تأخرت يا رب علينا في تنفيذ وعدك لنا بالخلاص؟ فيقول الرب: أنا لم اتأخر عليكم. وإنما وعدي كان مصحوبًا بالتنفيذ منذ نقطة البدء.

وهنا أعطيكم مبدأ هامًا يمكن أن تحاكوه في كل أمور حياتكم:

ليس أسرع الحلول هو أفضلها. بل الأفضل هو أكثرها إتقانًا.

وهذا هو الذي حدث في قصة التجسد والفداء تفاصيل كانت تتعلق بالخطة الإلهية للميلاد.

وأخيرًا لما تجمعت كل هذه التفاصيل لتعمل معًا في تناسبق عجيب «ولما جاء ملء الزمان، أرسل الله مولودًا من امرأة، مولودًا تحت الناموس، ليفتدي الذين تحت الناموس، لننال التبني» (غل4:4، 5)... ها قد عرفتم حكمة الله في عمله ومواعيده.



  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق  
موضوع التعليق  

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx