اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السادسة والأربعون12 يناير 2018 - 4 طوبه 1734 ش     العدد كـــ PDFالعدد 1-2

اخر عدد

الرسالة البابوية لعيد الميلاد المجيد لسنة 2018م

قداسة البابا تواضروس الثانى

12 يناير 2018 - 4 طوبه 1734 ش

باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد، آمين

أهنئكم بالعام الجديد 2018 وأهنئكم بعيد الميلاد المجيد، أول الأعياد السيدية التي نحتفل بها كل عام.

أقدم تهنئتي إلى الجميع، إلى كل الآباء المطارنة والآباء الأساقفة، الآباء الكهنة القمامصة والقسوس، إلى كل الشمامسة والخدام والخادمات، إلى أعضاء وأراخنة مجالس الكنائس، وأيضًا إلى كل الشعب القبطي المسيحي في كنائسنا المنتشرة عبر الأرض في كل مكان، في أوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية وأيضًا في أفريقيا وفي آسيا وفي أستراليا.

أهنئكم جميعًا بهذا العيد، عيد الميلاد المجيد. وعيد الميلاد هو بداية جديدة نحتفل بها في كل عام. نتذكر الخليقة الأولى عندما خلق الله آدم وحواء، وأوجدهما وبدأ بهما حياة طيبة. كانا يتمتعان بالحياة مع الله، وعاشا هذه الحياة النقية الجميلة. ولكن عندما دخلت الخطية إلى حياتهما، تفككت العلاقة القوية التي تربطهما بالله، وصار آدم خائفًا ومختبئًا وصارت حواء بالمثل، وطُرِدا من أمام الله. وعاش الإنسان وتكاثر في الأرض حسب الوصية. وامتدت الشعوب والأجناس والأمم في الأرض في أماكن كثيرة، في أفريقيا وفي آسيا وفي أوروبا، سام وحام ويافث. وانتشر الإنسان وانتشرت معه الخطية. وانتشر الصراع، وانتشرت الجريمة، وانتشر العنف. وصار الإنسان في حروب مستمرة، داخلية أو خارجية، ونسمع عن الصراعات الكثيرة جدًا في العالم. ونعود فنتساءل ما هو الحل أمام هذه الصراعات؟ كيف يواجهها الإنسان؟

الواقع أننا في قصة الميلاد يمكن أن نجد إجابة عن هذا السؤال. والإجابة عن هذا السؤال تتمثل في أن الإنسان يجب أن يعيش في فكر وروح مرحلة الطفولة. لقد جاء السيد المسيح مولودًا في بيت لحم اليهودية، رضيعًا صغيرًا وطفلًا وصبيًا. وفي كل مرة نحتفل بالميلاد، نحتفل بالطفولة. ويمكن أن نقول أن الطفولة هي مفتاح الحل، كيف؟ طبعًا لا أقصد بالطفولة الأعمار الأولى لسن الإنسان، ولكن أقصد روح الطفولة والبراءة التي نجدها في كل طفل.

في أيقونة الميلاد نجد أن أمنا العذراء مريم في ملابسها الزرقاء تعبر عن السماء الثانية. والنجوم الكبيرة الموجودة على هذه الملابس ترمز إلى بتوليتها قبل الميلاد وأثناء الميلاد وبعد الميلاد. هي تحتضن هذا الرضيع الطفل الصغير، مولود بيت لحم، وتجدون أنه مُقمَّط بأقماط تشبه الكفن، فهو جاء ليموت، وليقدم نفسه عن العالم كله. وتجدون بجوار المذود حيوانان يمثلان اليهود والأمم. وفي أسفل الصورة تجدون صورة للخروف الذي كان يُقدَّم كذبائح، رمزًا إلى الذبيحة الدائمة، ذبيحة وصلب ربنا يسوع المسيح من أجل فداء البشرية. ونجد الصورة تتمتع بظلال الليل حيث كان ميلاد ربنا يسوع المسيح.

الطفولة مفتاح للحل بصفاتها وبروحها. والكتاب المقدس في إنجيل معلمنا متى 18 يذكر أن ربنا يسوع المسيح يعلمنا: «إِنْ لَمْ تَرْجِعُوا وَتَصِيرُوا مِثْلَ الأَوْلاَدِ فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ» (مت18: 3). كيف نرجع؟ الرجوع يكون من خلال الصفات التي يتمتع بها الأطفال. وهذه الصفات تمثلها شخصيات كثيرة في قصة الميلاد.

أولًا دعونا أن ننظر إلى صفة البساطة التي يتحلى بها الأطفال. سنجدها واضحة جدًا في الرعاة البسطاء الذين كانوا في البرّية والبادية يرعون قطعانهم. وظهر لهم الملاك وأخبرهم بالبشرى السعيدة. والرعاة لا يعيشون في مكان واحد، يتنقلون من مكان إلى مكان. ولكن ما يغلف حياتهم هو البساطة في ترحالهم، في مأكلهم، في مشربهم، في سكناهم. البساطة هي كل شيء. يحتاج الإنسان أن يعود إلى البساطة.

الأمر الثاني الذي يتميز به الطفل الصغير هو صفة الثقة والإيمان واليقين. أنه يصدق كل شيء من خلال براءته. نجد ذلك في أحداث وقصص الميلاد مع القديس زكريا الكاهن وزوجته أليصابات. زكريا الكاهن عندما استمع إلى بشرى الملاك الذي بشره نجده صار صامتًا، مثلما كان رحم اليصابات صامتًا، ومثلما كانت تبدو السماء كأنها صامتة. ولكن في الوقت المناسب أعطاهم الله ابنهما أعظم مواليد النساء يوحنا المعمدان الذي تكلم عنه الكتاب كثيرًا. ونجد القديسة أليصابات تقول في عبارة قوية «الَّتِي فِيهَا نَظَرَ إِلَيَّ، لِيَنْزِعَ عَارِي بَيْنَ النَّاسِ» (لوقا1: 25)، هكذا كانت أليصابات لديها نعمة التصديق والثقة واليقين.

الصفة الثالثة التي نجدها في الأطفال، هي صفة النقاوة. الطفل صفحة بيضاء، يمتاز بالنقاوة الشديدة وبالطهارة. وهذه الصفة نجدها واضحة جدًا في أمنا العذراء مريم التي تلقت بشارة الملاك وكانت إجابتها على هذه البشارة تتميز بنقاوة بالغة: «كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟» (لوقا1: 34). وعندما يشرح لها الملاك «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ» (لوقا1: 38). هذه الصفة نجدها في الطفولة. العالم يحتاج إلى هذه الصفة الآن.

الصفة الرابعة التي نجدها في حياة الأطفال أيضًا، صفة الفرح والتسبيح. فنحن نعرف أن الأطفال يحبون الموسيقى، والأغاني، والترانيم. في قصة الميلاد نجد مشهد الملاكة الذين ظهروا بفرح مثل جوقة كبيرة بصوتهم السمائي وكلماتهم المضيئة التي تقول: «الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ» (لوقا2: 14). انها عبارات ممزوجة بالموسيقى تشع بالفرح العجيب. العالم يحتاج أن يتعلم سر الموسيقى لأنها فن رفيع يهذّب مشاعر الإنسان. فلا يقترب من الخطية لأنه مُرهَف الحس يعيش بفرح دائم متغلبًا على كل صراعات الحياة، حيث يجد أن الحياة أمامه جميلة جدًا.

الصفة الخامسة التي نجدها في الطفولة هي صفة الحكمة. تسألني كيف الحكمة؟ إن الحكمة من صفات الكبار. في كثير من الأحيان نجد الصغار تصدر في تصرفاتهم وفي اجاباتهم حكمة بالغة إلى الحد الذي يساعد في حل مشكلات الكبار. الحكمة نجدها في المجوس الحكماء الذي أتوا من المشرق لكي ما يقدموا هداياهم الذهب واللبان والمر.

هذه الصفات الخمس، هي صفات نراها في مرحلة الطفولة. تدعونا قصة الميلاد أن نعيش فيها. وبها نستطيع أن نواجه الصراعات التي تعم العالم وتنتشر في العالم.

أنا سعيد أن أرسل لكم هذه الرسالة وأهنئكم بهذا الفرح العظيم الذي يكون للجميع. ويزيد سعادتنا في هذا العيد أننا على أرض مصر مع سيادة الرئيس نفتتح كنيستنا الجديدة في العاصمة الإدارية الجديدة التي تبنيها مصر. هذه العاصمة التي تُبنى كمشروع ضخم جدًا يضارع في مساحته مساحة دولة مثل سنغافورة. وهو مشروع ممتد ومشروع طموح للغاية. وكان السيد الرئيس المصري في العام الماضي 2017 قد أعلن عن بدء إنشاء أكبر كنيسة وأكبر مسجد على أرض مصر في العاصمة الإدارية. وها نحن في هذا العيد نفتتح المرحلة الأولى من هذه الكاتدرائية التي نسميها كاتدرائية ميلاد المسيح مع سيادة الرئيس الذي أوفى بما وعد، وشكرًا لكل الأحباء في القوات المسلحة وفي الهيئة الهندسية التي تبنّت هذا المشروع، وأيضًا معهم شركات البناء والمهندسين والفنيين والعمال وهم بالمئات.

كل سنة وحضراتكم طيبون، تمنياتي وتهنئتي للجميع في كل كنائسنا عبر العالم كله. راجيًا الصلاة دائمًا من أجل السلام ومن أجل أن تعم الحياة الهادئة كل أرجاء الأرض. لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد، آمين.



  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx