اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السادسة والأربعون09 فبراير 2018 - 2 أمشير 1734 ش     العدد كـــ PDFالعدد 5-6

اخر عدد

صُورة الله

مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث

09 فبراير 2018 - 2 أمشير 1734 ش

مَنْ هُو الإنسَان؟

لعل هذا السؤال يُوجَّه إلى كل إنسان:

منْ أنت؟ وما هو الإنسان؟

+ وقد يجيب البعض بأن الإنسان هو جسد وروح ونفس، حسبما قال القديس بولس الرسول «ولتُحفَظ روحكم وجسدكم ونفسكم كاملة بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح» (1تس5: 23).

+ أو يجيب البعض بلون من الاتضاع: الإنسان هو تراب ورماد، حسبما قال أبو الآباء والأنبياء إبراهيم «شرعتُ أن أكلم المولى، وأنا تراب ورماد» (تك18: 27).

+ أو يجيب البعض بأن الإنسان مخلوق حيّ عاقل ناطق حرّ مريد...

+ على أن أحسن إجابة تحمل المعنى الروحي والمعنى اللاهوتي هي أن الإنسان صورة الله، شبهه ومثاله. فهكذا قال الرب الإله في قصة خلق الإنسان «نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا... فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه» (تك1: 26، 27) تواضع كبير من الله، أنه خلق الإنسان على صورته. لقد خلقه على صورته، وأراد له أن يحتفظ بهذه الصورة الإلهية.

إن كنت صورة الله، فأنت إنسان بالحقيقة. وإن لم تكن كذلك، فلا تكون إنسانًا حسب قصد الله وحكمته في خلقه.

ولعل الإنسان بصورته الإلهية، هو ما كان يبحث عنه ديوجين الفيلسوف. أو هو الصورة المثالية للإنسان في ما يقصده المفكرون بعبارة سوبرمان Super Man. على أن الإنسان عندما خلقه الله كان أرقى بكثير مما يجول بذهن المفكرين والفلاسفة.

وطبعًا ليس المقصود بالصورة الإلهية للإنسان، أنه يشابه الله في صفاته الإلهية الذاتية: مثل الأزلية، والوجود في كل مكان، والقدرة على كل شيء، ومعرفة الغيب، وما إلى ذلك مما يخص الله وحده.

وسنبحث هذا الموضوع في النقاط التالية:

+ كيف كان الإنسان على صورة الله حينما خُلق، قبل سقوطه طبعًا.

+ كيف فَقَد الصورة الإلهية؟

+ محاولات للرجوع إلى الصورة الإلهية جزئيًا.

+ في الأبدية يكون الاتساع على صورة الله بطريقة أفضل.

فما هي الصفات التي كان فيها الإنسان على صورة الله؟

وعندما نتحدث عن هذا الأمر، فبلا شك نقصد روح الإنسان.

+       +        +

1- لقد خُلق على صورة الله في الطهارة والبر والقداسة.

فقبل السقوط كان الإنسان في منتهى البراءة وفي منتهى الطهارة والشفافية. آدم وحواء كانا عريانين، وهما لا يشعران بهذا في حالة من الطهارة القصوى، كالأطفال..

كذلك فإن الحية (أي الشيطان) خدعت أمنا حواء وكذبت عليها. بينما أمنا حواء ما كانت تعرف ما هو الكذب ولا الخديعة، ولا تعرف الشك فيما يقوله الغير. مثل هذه الأمور ما كانت تُعرَف أن أحدًا يمكن أن يكذب أو يخدع، إذ كانت بسيطة جدًا وطاهرة.

+       +        +

2- كان الإنسان أيضًا على صورة الله في الكمال.

ونقصد طبعًا الكمال النسبي. فالله هو الوحيد الذي له الكمال المطلق. ولكن الإنسان يمكن أن يكون كاملاً بالنسبة إلى مستواه ومقدرته، وحسب مقدار النعمة المُعطاة له، وعمل الروح القدس فيه، ومدى تجاوبه مع عمل الروح القدس. وهكذا كان الإنسان بلا لوم.

وإن كان قد كُتِب في سفر التكوين أن الله نظر إلى كل ما خلقه فإذا هو حسن جدًا (تك1: 31). فبلا شك أن هذا كان ينطبق أيضًا على آدم وحواء.

وحتى بعد سقطة الإنسان، نقرأ في الكتاب المقدس عن بعض أشخاص أنهم كانوا كاملين، كما قيل عن أبينا نوح الذي بنى الفلك أنه كان كاملاً (تك6: 9). كذلك قيل عن أيوب أنه كان رجلاً كاملاً (أي1:1).

+       +        +

3- الإنسان خُلِق أيضًا على صورة الله في السلطة.

لقد قال له الله «أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض وأخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وطير السماء وعلى كل كائن حى يدب على الأرض» (تك1: 20). ونفس هذه البركة والسُلطة أُعطِيت لأبينا نوح بعد رسو الفلك، وكما كُتِب في سفر التكوين، الأصحاح التاسع.

+       +       +

4- الإنسان أيضًا خُلِق على صورة الله كسيد وملك على كل الخليقة.

وعندما فقد صورته الإلهية بدأت الخليقة تتمرد عليه. الحية تسحق رأسه (تك3: 15). وبعض الحيوانات أصبحت وحوشًا يمكن أن تقتله. والأرض نفسها ما عادت تعطيه قوتها (تك4: 12).. وهكذا فقد سلطته.

+       +       +

5- هو أيضًا كان على صورة الله في القوة.

فالإنسان الروحي يكون دائمًا قويًا. ولا أقصد قوة الجسد، كما كان شمشون. وإنما يكون قويًا في شخصيته، وفي تفكيره وإرادته واحتماله، وفي نصرته على حروب الشيطان.. إلخ.

والنفس القوية لا تهتز ولا تخاف ولا تتردد ولا تيأس. والذي على صورة الله حتى الآن لا يخاف على الإطلاق.

وكمثال لذلك داود النبي والملك الذي قال في (مز27: 3) «إن يحاربني جيش، فلن يخاف قلبي. وإن قام علىّ قتال، ففي هذا أنا مطمئن». ولذلك فإن الخائفين لا يدخلون ملكوت الله (رؤ21: 8).

إن الأنبياء والقديسين قدموا صورة عميقة لعدم الخوف، كما كان القديس أنطونيوس في البرية، أو القديس أثناسيوس الذي قيل له: "العالم كله ضدك" فأجاب: "وأنا ضد العالم"، لذلك دُعِي "أثناسيوس الذي هو ضد العالم" Athanasius Contra Mondum.

وأيضًا الشهداء إذ كانوا في صورة الله، ما كانوا يخافون. دانيال النبي ما كان يخاف جب الأسود (دا6: 16). والثلاثة فتية ما كانوا يخافون أتون النار (دا3: 17).

+       +       +

6- أيضًا الذين في صورة الله، يكونون دائمًا ناجحين:

كما نقرأ في المزمور الأول لداود أن الأشخاص الأبرار يكونون كشجرة مغروسة على مجاري المياه تعطي ثمرها كاملاً في حينه، وورقها لا ينتثر، وكل ما يعملونه ينجحون فيه (مز1: 3).

كذلك قيل عن يوسف الصديق إنه كان رجلاً ناجحًا (تك39: 2). لذلك فإن الإنسان الفاشل لا يكون في صورة الله.

+       +       +

7- الإنسان أيضًا خُلق على صورة الله في التواضع.

حقًا إن الله هو المتواضع الوحيد. لأنه وهو العالي جدًا، ينزل إلى مستوانا ويتعامل معنا. يتكلم معنا، ويستمع إلى صلواتنا. ولكن الإنسان يمكن حسب مستواه أن يكون متواضعًا. على الأقل إذ يعرف أنه تراب ورماد، لا يميل إلى أفكار الكبرياء والمجد الباطل، ظانًا في نفسه أنه أعلى ما ينبغي. ولذلك فالشخص المتكبر لا يكون في صورة الله.

+       +       +

8- الإنسان على صورة الله في أمور كثيرة، كالمحبة مثلاً.

كما قال القديس يوحنا الإنجيلي «الله محبة.. من يثبت في المحبة، يثبت في الله، والله فيه» (1يو4: 16).

+       +       +

9- الإنسان أيضًا على صورة الله في الجمال.

الله جميل، وكذلك الملائكة. وعندما خُلق الإنسان الأول على صورة الله، كان جميلاً. كان آدم جميلاً جدًا، وكانت حواء جميلة جدًا، وأيضًا قيل نفس الأمر عن بعض أشخاص. كما قيل عن موسى النبي (خر2:2) وعن داود النبي، كل منهما كان جميلاً جدًا (1صم17: 42).

ولكن الخطية تغير ملامح الإنسان، فيفقد جمال وجهه وجمال جسده وجمال روحه.

+       +       +

10- الإنسان أيضًا هو صورة الله من جهة النور.

الله هو نور العالم كما ذُكر في (يو8: 21). هو أيضًا النور الحقيقي (يو1: 9). والإنسان كصورة الله، قيل عنه «أنتم نور العالم» (مت5: 14).

بهذا الوضع، فإن رسالة أولاد الله أن ينقلوا صورة الله إلى العالم. إن الله يريدنا أن نكون مثله حتى في العمل. أن نسلك في طرقه، وتكون لن نفس مشيئته على الأرض كما في السماء. وأن نتحدث كما لو كان الله ينطق من أفواهنا. فننطق بكلامه، كما قيل «لستم أنتم المتكلمين، بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم» (مت10: 20).

أيضًا كصورة الله، نقوم بعمله في حياتنا، حتى أن كل من يرانا، يقول: "حقًا هؤلاء هم أولاد الله. إنهم مثل أبيهم السماوي لأن لهم نفس صورته". كل من يرى أولاد الله في محبتهم وهدوئهم ورقتهم، وفي مثالهم الحي في قداستهم، فإنه يمجد أباهم الذي في السموات. إن ربنا يسوع المسيح قد صعد إلى السماء، ولكنه ترك صورته في تلاميذه لينقلوها من جيل إلى جيل.

ولكن لعل البعض يقول: "كيف يمكن أن يكون الإنسان صورة الله بينما الله غير محدود؟! فهل الإنسان غير محدود؟!" طبعًا لا. فالإنسان بلاشك محدود، ولا يمكن أن يكون مثل الله الذي هو غير محدود.

على أيّة الحالات، الله خلقه على صورته، ووضع فيه الاشتياق إلى غير المحدود. وكنتيجة لذلك فإن الإنسان في طبعه الطموح وعدم الاكتفاء، والجهاد لأجل النمو.

وكمثال لذلك بولس الرسول الذي تعب أكثر من جميع الرسل (1كو15: 10) واُختُطِف إلى الفردوس (2كو12: 1) إلى السماء الثالثة. على الرغم من كل ذلك فإنه يقول «لست أحسب نفسي أني أدركت. بل أنسى ما هو وراء، وامتد إلى قدام» (في3: 13).




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx