اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السادسة والأربعون09 فبراير 2018 - 2 أمشير 1734 ش     العدد كـــ PDFالعدد 5-6

اخر عدد

اخرج من بيت أبيك

نيافة الأنبا ابيفانيوس أسقف ورئيس دير أبو مقار

09 فبراير 2018 - 2 أمشير 1734 ش

أوصى الله أبانا إبراهيم أن يخرج من أرضه ومن عشيرته ومن بيت أبيه (تك 12: 1)، فامتثل أبونا إبراهيم للأمر، ونال بركة الله له ولذريته. إن كان هناك صعوبة في الخروج من الأرض ومن وسط العشيرة، فالصعوبة الحقيقية تكمن في الخروج من بيت العائلة.

وكما خرج القديس أنطونيوس ليحيا حياة الكمال، حتى أنه ترك أخته الوحيدة في بيتٍ للعذارى قبل خروجه للرهبنة، هكذا سلَّم لأجيال الرهبنة من بعده أهمية الخروج الكامل من بيت الأسرة: [لا تَعُدْ تفتقدُ أهلَك الجسدانيين. ولا تُعطِ لهم وجهَك لينظروك... ولا تُبصرْ أبويك ولا أقرباءَك الجسدانيين، وإلا فأنت تقيمُ زمانَك كلَّه بغيرِ ثمرةٍ] (بستان الرهبان قول 4؛ 24).

لقد شدَّد آباء الرهبنة الأوائل على أهمية ذلك، خاصةً في بداية الحياة الرهبانية للإنسان، ليس كنوع من كراهية الأسرة، ولكن بحسب تعبير بعض آباء الرهبنة «لقطع الحبل السُّري» الذي يربط الراهب أو الراهبة بأمه وأبيه. والمقصود بالحبل السُّري الواسطة التي تُشبع الراهب أو الراهبة من العاطفة والحنان الأرضي والاجترار في ذكريات الماضي، ويتجدد الحنين إلى حرارة الجلسات الأسرية، فيفقد الراهب الاعتماد الكلي على الرب يسوع الذي صار لنا مصدر التعزية الوحيد. وكلما شرب الراهب عاطفيًا من حب الوالدين، كلما استغنى عن حب الله، أو كما أوصى يوحنا سابا المعروف بالشيخ الروحاني الرهبان المبتدئين: «وليحذر من الاختلاطِ بأقربائه وبني جنسِه، لئلا يبرد قلبُه من محبةِ الله» (بستان الرهبان قول 991). كما يوضِّح يوحنا الدرجي أهمية الابتعاد عن العاطفة الأسرية في كتابه سُلَّم السماء:

[إن شوق الله يمحي شوق الوالدين، والذي يدَّعي إنه يقتني الاثنين معًا فقد خدع نفسه، مادام قد سمع هذا القول: «لا يمكن لأحد أن يخدم ربَّيْن» (مت 6: 24)... إن التعلق بأحد الأقارب أو الغرباء يجرُّنا شيئًا فشيئًا إلى العالم، ويطفئ فينا نار التخشع بالكلية] (سلم السماء، الدرجة الثالثة).

لقد شرح القديس أنبا أرسانيوس الحكمة من وراء قطع الراهب للعلاقات الكثيرة التي تربطه بالناس، ليست العلاقات الأسرية فقط، والاختلاط بالزوار وضيوف الدير، بل وحتى تضييع الراهب وقته مع الرهبان داخل ديره نفسه:

[سأله مرقس أحدُ تلاميذهِ مرةً قائلًا: لماذا تهربُ منا يا أبتاه؟ فأجاب القديس أرسانيوس قائلًا: الله يعلمُ إني أحبُّكم، ولكني لا أستطيعُ أن أكونَ مع اللهِ ومع الناسِ. لأن ألوفَ الملائكةِ والربوات العُلوية (التي في حضرة الله) لهم إرادةٌ واحدةٌ (وهي مداومة تسبيح الله)، أما الناسُ فلهم إرادات كثيرة، وهكذا لا أستطيعُ أن أتركَ اللهَ وأصيرَ مع الناسِ] (بستان الرهبان قول 108).




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx