اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السادسة والأربعون23 فبراير 2018 - 16 أمشير 1734 ش     العدد كـــ PDFالعدد 7-8

اخر عدد

هل تحب من يحبك فقط؟

قداسة البابا تواضروس الثانى

23 فبراير 2018 - 16 أمشير 1734 ش

«لأَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ ذلِكَ؟ وَإِنْ سَلَّمْتُمْ عَلَى إِخْوَتِكُمْ فَقَطْ، فَأَيَّ فَضْل تَصْنَعُونَ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ هكَذَا؟» (متى5: 46، 47).

حين يطرح الله سؤالًا للإنسان يكون لديه أكثر من هدف: فقد يكون لتغيير فكره، أو يكون دعوة للاستيقاظ من غفلة، أو قد يكون لكشف ضعف معين، أو للتأكد من وجود فضيلة في حياة هذا الإنسان..

وسؤال الله لنا اليوم: هل تحب من يحبك فقط؟

سؤال هام ونحن في بدايه أيام الصوم الكبير. ففي العهد القديم في شريعه موسى قيل: عين بعين وسن بسن، أمّا في العهد الجديد - إذ جاء يسوع المسيح لا لينقض بل ليكمل - فيقول: هل تحب من يحبك فقط؟ فالمعاملة بالمثل ليست من المسيحية في شيء.

وقد يتساءل البعض كيف أحب من لا يحبني؟ والإجابة عند الله أنه يريدنا أن نعامل الناس كما يعاملهم هو، فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين، بدون تمييز؛ إجابه واضحة من الطبيعة التي تعامل الناس كما يعاملهم الله، فهو يعامل البشر من خلال الحب ومن خلال الرحمة. من خلال الحب كالشمس التي تشرق كل يوم، ومن خلال الرحمة مثل المطر، فالمطر يجعل الأرض تثمر معطية الخير للبشر.

الشرائع القانونية في العهد القديم كما في العهد الجديد، تناسب بين الجريمه والعقاب. فإن أصاب أحد عين إنسان في العهد القديم ينال عقابًا يتناسب مع الجريمة. لكن لما جاء السيد المسيح وضع أمامنا مبدئين للتعامل مع كل البشر بدون استثناء، فلا يوجد فرق بين البشر: لا لون لا جنس ولا عرق ولا اعتقاد ولا أي شيء.

المبدأ الأول: يجب ألا نلجأ إلى الانتقام لأن الانتقام يزيد الشر. فإن رددت على الشر بشر أصبح هناك شرَّان، ويتضاعف الشر، وندخل في دائرة لا تنتهي. فلابد أن نكسر حلقة الشر، ولا نلجأ إلى الانتقام لأن الله يقول: «لي النقمة أنا أجازي»  (رومية12: 19). هو يري وهو يدبّر.

المبدأ الثاني: أن يكون الإنسان محسنًا نافعًا للآخرين، وليس مجرد السكوت على الشر. فإن كنت لا تنتقم هذا نصف الطريق، والنصف الثاني أن تكون نافعًا للآخر. يقول لنا الرب: «مَنْ سخَّرَكَ ميلًا واحِدًا فاذهَبْ معهُ اثنَينِ. مَنْ سألكَ فأعطِهِ... ومَنْ أرادَ أنْ يُخاصِمَكَ ويأخُذَ ثَوْبَكَ فاترُكْ لهُ الرِّداءَ أيضًا (أي أن تكرمه)» (متى5: 40-42). هذه المحبة التي نقدمها للآخر هي التي تكسر فيه شوكه الشر، فليست هناك وسيلة لنزع الشر من الناس سوى أن تحبهم. فكيف يخرج الشر من إنسان إلّا إذا رأى آخر يحبه؟ لذا أضع أمامك هذا السؤال ثانيةً: «هل تحب من يحبك فقط؟». هذه ليست المسيحية، فالإنجيل يقول: «إنْ أحبَبتُمُ الّذينَ يُحِبّونَكُمْ، فأيُّ أجرٍ لكُمْ؟ أليس العَشّارونَ أيضًا يَفعَلونَ ذلكَ؟». المسيحية هي شريعه الكمال، وتفوق الإنسانية. هي تجعل من الإنسان أكثر رفعة من الإنسان الترابي. لكن الإنسان الروحي بالأكثر يسلك بشريعة الكمال واضعًا أمامه شخص السيد المسيح.

فمثلًا الوصية التي تطالبنا: «من لطمك على خدك الأيمن فحوّل له الآخر» نجد صعوبة في تنفيذها بحسب الطبيعة البشرية، التي تفترض أن أرد اللطمة بمثلها، فمن يلطمني يفعل شرًا، وإن رددت عليه بطريقته أكون فعلت شرًا مثله. حينها أجد أنني تساويت به ودخلت في دائرة لا تنتهي. فالله حين قال: «من لطمك على خدك الأيمن حوّل له الآخر أيضًا» قصد أن أصبر عليه، وأعطي له فرصه ليراجع نفسه، حتى ينتبه لنفسه ويدرك خطأه وهذا ليس ضعفًا، بل فيه كسب للآخر. لقد رأيت مرة موقف بهذه الصورة بنفس الفعل كما في آيات الإنجيل، لدرجة أن الشخص الذي ضَرَب بدأ يبكي ويصرخ ويركع على الأرض، وبدأ يحس بمقدار الخطأ الذي ارتكبه.

صوره أخرى هي «من أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك...»، هنا حالة خصام أو حالة ضرر لحق بما تمتلكه؛ كيف تعالج مثا هذا الموقف؟ كيف من أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك، تترك له الرداء؟! اترك له الرداء أي اصنع معه سلامًا، اِكسر شوك الشر التي فيه.

«مَنْ سخَّرَكَ ميلًا واحِدًا فاذهَبْ معهُ اثنَينِ»، من سخرك تعني من ظلمك وكبت حريتك، والكتاب يقول لنا عن مثل هؤلاء أن اذهب معه ميلين! حكيت لكم قبلًا عن شاب تخرج من كليه الآداب ولم يعثر على وظيفة، فعمل نقّاشًا في بلد شقيق، وطلب منه شخص أن يبيّض له منزله، وسأله عن المدة التي يحتاجها لإتمام العمل، فأجاب الشاب بأنه يحتاج 20 يومًا تقريبًا. وفي اليوم الـ18، أي قبل انتهاء العمل بيومين، افتعل صاحب البيت خلافًا مع الشاب وطرده حتى لا يعطيه أجره، وهذا ظلم. انصرف الشاب حزينًا لكنه عاد في اليوم التالي طالبًا من صاحب المنزل أن يسمح له بالانتهاء من العمل. تعجب صاحب المنزل، وأخذ يراقب الشاب الذي أكمل عمله بمنتهى الأمانة، وعندما أنهى عمله سأله عن كيف استطاع أن يفعل هذا؟ فأجابه الشاب: "أنا اتفقت معك أن أبيّض لك بيتك. أنت صرفتني وظلمتني وهذا شأنك، لكن أنا سأتمم ما اتفقت معك عليه". وانبهر الرجل بالشاب وأمانته، وجعله شريكًا له في كل أعماله، وانفتحت له أبواب الرزق الواسع جدًا... وقيسوا على هذا أمثلة كثيرة ممكن أن يعيش فيها الإنسان. مقاومة الشر بمثله ممكن تزيده، لكن الشر لا يمكن أن يُهزَم إلّا بالخير والصلاح.

شريعة المسيحية التي قدمها لنا السيد المسيح في العظه على الجبل هي لكل يوم، وهي آيات عملية صالحة للتطبيق في كل يوم.

السؤال الذي يطرحه الرب علينا: هل تحب الذي يحبك فقط؟

إذا أحببت من يحبك فقط، فأنت لا تحيا المسيحية الكاملة بعد، بل لا زلت في نصف الطريق، لكن عندما تمتد محبة الإنسان لكل أحد يكون قد وضع قدمه على طريق شريعة المسيح. تذكروا يوسف الصديق مع إخوته الذين أبغضوه، أمّا هو فلم يحمل لهم أيّة بغضة برغم كل ما فعلوه معه؛ فمواجهه الشر لا تكون إلا بالخير العملي. تذكروا أيضًا السيد المسيح وهو على الصليب مُحاطًا بمن أبغضوه، ولكننا وجدناه يطلب لأجلهم: «يا أبَتاهُ، اغفِرْ لهُمْ، لأنَّهُمْ لا يَعلَمونَ ماذا يَفعَلونَ» (لوقا23: 34).

أحيانًا في مجتمعاتنا لا يوجد عدو بالمعنى الحصري للكلمة، لكن قد يوجد من لا نقبله، فماذا تفعل مع مثل هذا؟ هل تخاصمه؟ تتجنبه؟ تشوه صورته؟ تشكوه؟ كل هذه العلاجات مرفوضة، أمامك علاج واحد: أن تزيد محبتك له! أظنكم تذكرون قصة المعلم إبراهيم الجوهري عندما شكا له أخوه أن هناك من يعايره ويشتمه، فأجابه المعلم إبراهيم الجوهري بأنه سيقطع لسان هذا الشخص، فسُرَّ أخوه بهذا. أمّا المعلم إبراهيم فقد أكثر العطايا لذلك الشخص، وهكذا قطع لسان الشر.

واجه البغضة بالإحسان، و«صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم». عجيبة المسيحية! تصور أنك لا تفعل مثل الذي يسيء إليك، بل تحوّل هذه الإساءة لمادة للصلاة. الإنسان الذي يسيء إليك بالكلام أو بإطلاق الإشاعات أو تشويه السمعة... الخ، يقول لنا السيد المسيح أن العلاج هو أن نصلي لاجلهم! لا تنسوا أن من يسيئون إليكم هم أيضًا لها قيمتها أمام الله مهما كانوا.

إن كان حبك لمن يحبك فقط، فأنت لم تعرف المسيح بعد، ولذلك في هذا الصوم ارفع قلبك واطلب من الله أن ينزع من من قلبك أيّة بغضة أو إساءة أو خاطر رديء تجاه أي إنسان.

عندما نتحرر من الكراهية والمشاعر السلبية نستطيع أن نقتني فضائل عظمى من الله، نستطيع أن نقتني الحب الكامل، حب الأعداء. نقتني حب الرحمة التي نقدمها لكل إنسان. من يقرأ في تاريخ العصور الحديثة يجد أن الجمعيات التي ظهرت في العالم لتخدم الناس في أي مكان، نشات بفكر إنجيلي، مثل جمعية الصليب الأحمر التي تخدم مصابي الحروب. المسيحية ترتقي بالإنسان العادي ليكون مسموحًا بنعمه الروح القدس، ليصير الإنسان روحيًا، ويستق أن يُطلَق عليه "مسيحي" بالحق وليس بالكلام، بالفعل وليس بالمهظر.

هل تحب من يحبك فقط؟ هذا هو سؤال السبت الأول في الصوم المقدس. وإجابة السؤال نجدها في العظة على الجبل (متى5: 38-48). يعطينا مسيحنا أن تكون حياتنا حياة نقية، ونمتلك طاقة الحب من أجل كل أحد. لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن إلى الأبد. آمين.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx