اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السادسة والأربعون09 مارس 2018 - 30 أمشير 1734 ش     العدد كـــ PDFالعدد 9-10

اخر عدد

بين الخطية والمغفرة

نيافة الأنبا بنيامين أسقف المنوفية

09 مارس 2018 - 30 أمشير 1734 ش

الخطية هي التعدّي، وهذا ما فعلة الابن الضال إذ طلب الميراث من أبيه وهو حيّ، وكأنه يقول لأبيه: أنا أعتبرك ميتًا بالنسبة لي. وهذا مؤلم جدًا على نفس الأب، وكأن الميراث المادي أهم من الأبوة.. والخطية لا تسمح للابن بالبقاء في بيت الأب، لذلك تركه الابن الضال وذهب إلى كورة بعيدة ومعه ما أخذه من المال، فأنفقه في عيش مسرف مع أصدقاء أشرار حتى انتهى المال الذي أخذه فانفض الكل من حوله وتركوه. وحدثت مجاعة في هذه الكورة فبدأ يحتاج ولم يجد مَنْ يعطيه، وهذه نتيجة طبيعية للتعدي وترك بيت الأب. والاحتياج دفعه للعمل كراعي خنازير، بينما اليهود لا يذهبون إلى هذا المصير الشيطاني.. ومعروف أن الشيطان لا يصلح أن يكون ملجأ لأن قطيع الخنازير مرتبط بالشيطان، إذ سمح الرب يسوع بدخول الشياطين من لجئون إلى قطيع الخنازير. والأصعب أنه كان يعمل ولا يأخذ شيئًا يعيش به، إذ كان يشتهي أن يملأ بطنه من خرنوب الخنازير ولكن لم يُعطِه أحد.. وهكذا صار هذا الابن أجيرًا يتعامل مع قطيع من الخنازير دون مقابل ولا أي مصروف يناله ليعيش به.. وهنا كان لابد من المواجهة مع النفس، فرجع إلى نفسه وقال: «كمْ مِنْ أجيرٍ لأبي يَفضُلُ عنهُ الخُبزُ وأنا أهلِكُ جوعًا!»، وكان الحل هو قراره الصارم والمباشر بضرورة التوبة إذ قال: «أقومُ وأذهَبُ إلَى أبي وأقولُ لهُ: يا أبي، أخطأتُ إلَى السماءِ وقُدّامَكَ، ولَستُ مُستَحِقًّا بَعدُ أنْ أُدعَى لكَ ابنًا. اِجعَلني كأحَدِ أجراكَ».

وهنا النقطة الفارقة في موقف الابن الضال العائد إلى أبيه من الكورة البعيدة والغربة المخفية، وترك كل الأصدقاء الأشرار ليعود إلى حضن أبيه ينعم بالسلام بعد الاضطراب والراحة بعد التعب والحلة الأولى بعد العبودية.. لقد نال الخاتم الذهب دليل السيادة والإحساس بالرفعة بدلًا من المذلة التي عانى منها، وكانت كلمات الابن العائد قويه وتعكس هذا المعنى في حضن أبيه..

حقًا ما أحلاها ساعة التوبة التي تُعَبِّر عن النصرة على الخطية بتركها ورفضها والاعتراف بها أمام الكاهن لنوال المغفرة الكاملة منها..

ولم يسمح الأب للابن أن يقول: "اجعلني كأحد أجراك"، بل قال أبني هذا كان ميتًا فعاش وكان ضالًا فوجد إنه مشهد مفرح لعودة الابن البعيد إلى أبيه وأحضانه..

ولم ينتهِ المشهد عند هذا المنظر، بل جاء دور الأخ الأكبر حين عاد من الحقل وسمع أصوات الغناء والطرب، فغضب ولم يرد أن يدخل حين علم من أحد الغلمان أن هذا الفرح بسبب عودة الابن الضال إلى الأب الذي لا يشاء موت الخاطئ بل يرجع ويحيا.. وخرج الأب لمقابلة الابن الأكبر ليشرح له الأمر أن عودة أخيه من الغربة تستلزم فرحًا لأنه كان ضالًا فوُجِد وكان ميتًا فعاش.. بينما الابن الأكبر عاتب أباه قائلًا: كم من سنين أخدمك ولم تعطني جديًا لأفرح به مع أصدقائي..

وهنا يقدم الابن الأكبر تعييرًا لأبيه عن تعبه معه بدون مقابل.. حقًا كم يحتمل الأب تركًا من الصغير وضلالًا بعيدًا عنه، وكذلك تعييرًا من الكبير لأن له زمانًا كبيرًا يعمل ويساعد أباه، وفي كل الأحوال لا يليق بالأبناء أن يفعلوا ذلك مع أبيهم.. لقد كان الصغير الذي ترك بيت أبيه غير راضٍ عن ما حدث، والكبير أيضًا يعيّر أباه بمساعدته له..

وانتهى المشهد بعودة الضال إلى أبيه والفرح بالعودة بكل الوسائل الممكنة..


  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx