اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السادسة والأربعون09 مارس 2018 - 30 أمشير 1734 ش     العدد كـــ PDFالعدد 9-10

اخر عدد

لا يأتي بمراقبة

نيافة الانبا يوسف أسقف جنوب الولايات المتحدة الأمريكية

09 مارس 2018 - 30 أمشير 1734 ش

لما سأل الفريسيون السيد المسيح: متى يأتي ملكوت الله؟ أجابهم قائلًا: «لا يأتي ملكوتُ اللهِ بمُراقَبَةٍ، ولا يقولونَ: هوذا ههنا، أو: هوذا هناكَ!» (لو17: 20-21). وسؤال الفريسيين هذا الذي يحمل استعلامًا عن الزمن يلحّ على ذهن كل منتظري الملكوت. إنهم يصلّون كل يوم قائلين: «ليأتِ ملكوتك...»، ولكنهم لا يعلمون زمن إتيان هذا الملكوت الذي يترجّونه ويتوقون إليه. أمّا رد السيد المسيح على هذا السؤال فجاء قاطعًا مؤكِّدًا على حقيقة هامة من حقائق الملكوت، وهي انتفاء عنصر المراقبة من الملكوت. والمقصود بالمراقبة هنا هو ليس فقط مراقبة الزمان بل والمكان أيضًا.

الخضوع للزمن شيء والوعي بالزمن شيء آخر. الطفل الصغير يعيش في قلب الزمن ويخضع له ولكنه لا يعيه. كل الخليقة تخضع لشرائع الزمن ولكنها لا تعيه. الإنسان الراشد هو وحده الذي يعي الزمن ويدركه. وأحد آلام الزمان الحاضر التي تحدث عنها بولس الرسول في رسالة رومية هي ألم الخضوع للزمان ـــ وهو ألم مشترك بين كل الخليقة بما فيها الإنسان ـــــ وألم الوعي به وهو يخص الإنسان الراشد وحده: « لأنَّ انتِظارَ الخَليقَةِ (أي خضوعها للزمن) يتَوَقَّعُ استِعلانَ أبناءِ اللهِ. إذ أُخضِعَتِ الخَليقَةُ للبُطلِ -ليس طَوْعًا، بل مِنْ أجلِ الّذي أخضَعَها- علَى الرَّجاءِ... فإنَّنا نَعلَمُ أنَّ كُلَّ الخَليقَةِ تئنُّ وتَتَمَخَّضُ مَعًا إلَى الآنَ. وليس هكذا فقط، بل نَحنُ الّذينَ لنا باكورَةُ الرّوحِ، نَحنُ أنفُسُنا أيضًا نَئنُّ في أنفُسِنا، مُتَوَقِّعينَ التَّبَنّيَ فِداءَ أجسادِنا» (رو8: 19-23). تعني عبارة «متوقعين التبني فداء أجسادنا» أننا نخضع للزمن بأنين منتظرين قيامة أجسادنا. إن وعي الإنسان بالزمن هو الذي يوقعه في القلق، والضجر، والملل، وعدم الصبر، وفقدان الرجاء. والرغبة في استعجال الأمور هي أيضًا آفة مرتبطة بالوعي بالزمن، وبالتالي لا نجدها إلا لدى الإنسان وحده. أمّا باقي الخليقة التي لا تعي الزمن فهي تخضع لإيقاع الحياة دون محاولة استعجاله أو تبطيئه. فإيقاع الحياة وإيقاع النمو هما جزء لا يتجزّأ من نواميس الطبيعة. أمّا الإنسان المتمرّد على تلك النواميس فهو يرفض الخضوع لنواميس النمو وزمنه. الاستعجال صار سمة من سمات هذا الجيل الذي اعتاد على إيقاع نقرة زر الكمبيوتر.

وامتد قلق الإنسان وهرولته ليشمل أيضًا استعجال إتيان الملكوت!! أما السيد المسيح فيعلنها صراحة: «لا يأتي ملكوت الله بمراقبة»، أي لابد للإنسان أن يعود كالأطفال في عدم اكتراثهم بالزمن والمكان لكي يستطيع الانفتاح على بذرة الملكوت الموجودة في كيانه الداخلي. وإن لم يستطع ذلك فأضعف الإيمان أن ينتظر بصبر وهدوء خاضعًا للبطل من أجل الذي أخضعه على الرجاء. وما سكون النساك وهدوئيتهم إلا صمت كامل لكل قوى العقل - بما فيها الوعي بالزمن والمكان - لكي يعوا الملكوت في قلوبهم كنور مشرق يتزايد وينير إلى النهار الكامل.   


  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx