اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السادسة والأربعون23 مارس 2018 - 14 برمهات 1734 ش     العدد كـــ PDFالعدد 11-12

اخر عدد

علاقة البابا شنوده بالكتاب المقدس

قداسة البابا تواضروس الثانى

23 مارس 2018 - 14 برمهات 1734 ش

في هذا الصبــــــاح المبــــــارك أيها الأحباء، نتذكر رحيل مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث، الذي عاش وخدم هذه الكنيسة، الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، على مدار عشرات الأعوام، خادمًا وراهبًا وأسقفًا وبطريركًا. خدم زمانًا طويلًا، وترك آثارًا عريضة.

ونحتفل بذكراه هذا الصباح مع تذكارات أبرار أحباء عاشوا وخدموا أيضًا بكل أمانة، واختارهم الله في هذا الشهر شهر مارس. فقد احتفلنا منذ أيام بتذكار البابا كيرلس السادس. وأيضًا نحتفل مع نياحة مثلث الرحمات البابا شنوده بتذكار نياحة أبونا فلتاؤس السرياني، الذي عاش في هذا الدير، ونما فيه وترهّب فيه. ونحتفل أيضا بتذكار نياحة أبونا ميخائيل إبراهيم من القاهرة، والتي خدم أيضًا خدمة كهنوت مباركة، وله ذكر حسن. وأيضًا نحتفل بتذكار نياحة أبونا بيشوي كامل من الإسكندرية، والذي خدم أيضًا خدمة أمينة عبر سنوات كثير، في كل مصر وخارج مصر.

نحن في الحقيقة عندما يمنحنا الله هذه التذكارات المباركة، وهؤلاء الذين يشفعون فينا ومن أجلنا، نحتفل بتذكار البابا شنوده في الدير الذي ترهّب فيه، دير السريان، وهو الدير الذي ترهّب فيه، وبدأ حياته الأسقفية من هنا ثم البطريركية، وفي زمن كبير من خدمته. وبعد أن أتمّ خدمته بسلام، ارتاح في دير الأنبا بيشوي، وهناك صار مزاره، والديران متلازمان ومتحابّان معًا.

والحديث عن البابا شنوده له جوانب كثيرة فهو كان شخصية جامعة، وشخصية لها حضور، قاد الكنيسة بطريركًا أكثر من أربعين سنة، وقبلها حوالي عشر سنوات أسقفًا للتعليم في حبرية قداسة البابا كيرلس السادس. كان راهبًا وصار متوحدًا، وقبلها كان دارسًا ومدرّسًا في الكلية الإكليريكية. أنها حياة غنية وممتلئة بالثمار.

ولكن أريد أن أقف عند نقطة واحدة وهي علاقة البابا شنوده بالكتاب المقدس. بلا شك كان بارعًا في الكتاب المقدس، وكان محبًا ودارسًا للكتاب المقدس. وكثيرًا ما رأيناه في الصور أمامه الكتاب المقدس مفتوحًا يقرأ فيه أو يدرس أو يبحث عن شيء. اهتم بالكتاب المقدس أعظم اهتمام، فالكتاب هو حياتنا كما يقول بعض القديسين: إن الكتاب المقدس هو فم المسيح. وجهلنا بالكتاب المقدس هو أساس كل خطية وكل شر. وهذا الموضوع متسع وكبير، أعني علاقة البابا شنوده بالكتاب المقدس عبر سنوات عمره.

أولًا: كــــــــان كتابــيـــــًــــــا وإنجيليـــــًـــــا فـــــــــي الحوارت التعليمية

الكتاب هـــو القاعـــــــدة الرئيسيـــــــــة التــــــــي نعيش بها. والكتاب وُضِع وكتبه أناس الله القديسون لكل الناس. مكتوب للمتعلم وغير المتعلم، لكل لسان ولغة... كُتِب لكل الناس. وهو رسالة الخلاص. وكُتِب ليعرّفنا أنه ليس لأحد بغيره (أي المسيــــــح) خلاص. وعندمـــــــا أقول عن البابا شنوده إنه كان فلاحًا في الكتاب المقدس، أعني أنه كان يحرص ويبحث ويزرع ويتعلم ويقطف ثمارًا من كلمة الله المقدسة. وكانت العظات الروحية التي ألقاها في مناسبات عديدة كعبارة «الكلامُ الّذي أُكلِّمُكُمْ بهِ هو روحٌ وحياةٌ» (يوحنا6: 63). والكتاب في حياة الإنسان كعبارة «ليس بالخُبزِ وحدَهُ يَحيا الإنسانُ، بل بكُلِّ كلِمَةٍ تخرُجُ مِنْ فمِ اللهِ» (متى4:4). وإن كنّا نغذّي الجســـــــــد بالخبز، فنحــــــن نغـــــــــذّي الروح بالكتاب المقدس، وهذا ليس مقصورًا على الدارسين لكنه لكل الناس.

استطاع البابا شنـــــــــــوده أن يقدم كلمة الله صافية، ولكل أحد. كان كتابيًا وإنجيليا عي عظاته التعليمية التي صارت فيما بعد كتبًا. علّم الكثير في جميع المناسبات، وكان الكتاب هو الفيصل والأساس. وعندما نتذكر رحيله في هذه الأيام، نتذكر أيضًا تعليه، وإبحاره في كلمة الله المقدسة. وهذه هي الأمانة، أن نعيش في الكلمة المقدسة.

أيها الحبيب انتبه لئلا تكون كلمة الله مهملة في حياتك، بل عش بها واقرأها وادرسها وتأمل فيها باستمرار، وادخل إلى الأعماق في كل أسفار الكتاب المقدس كما علمنا البابا شنوده الثالث.

ثانيًا: كـــــــــان كتابيًا وإنجيليًا فـــــــي الرهبنة والحياة الديرية

الرهبنـــــــة في أصلهــــــــا وفي جذورهـــا نابعة من الكتاب المقدس، فعندما نقرأ في سيرة إيليا النبي أو سيرة يوحنا المعمدان أو سيرة أمنا العذراء، نرى ملامح لهذه الحياة الروحية. والأنبا أنطونيوس انطلق من الإنجيل وبدأ هذه الحياة الديرية، وبعده التحق بــــــــه عشــــــــــــرات بل مئــــــــات وألــــــــــوف فـــــــــي الحياة الرهبانية.

البابا شنوده دخـــــــــل إلى الدير سنة 1954، قرابة سبعين سنه. الحياة كانت غير ممهدة، ودخل الدير ودخل مع آخرين، وكان التقليد الرهباني محفوظًا في هذا الدير. ومع مرور السنين التحق به آباء أحباء يريدون الحياة الإنجيلية. والحياة الرهبانية تقوم كل يوم على أن كل راهب له وقت للصلاة وقت للعمل ووقت للقراءة من الكتاب المقدس والكتب الآبائية.

كان البابا شنوده يهتم جدًا بالرهبنة، بل أنه باعث تجديدات في الحياة الرهبانية. وفي زمنه تجدّدت عدة أديرة من الناحية الرهبانية والمعمارية، والتحق آباء أحباء بأديرتنا القبطية، وعاشوا فيها ورفعوا الصلوات، وصارت أديرتنا عامرة روحيًا بواسطة الآباء الذين يحيون فيها. وتكلم كثيرًا عن السلوكيات الرهبانية المستقاة من الإنجيل. كان محبًا للرهبنة، وكثيرًا ما كان يتواجد في الدير، وكتب كلمات كثيرة عن الحياة الرهبانية، نافعه لنا وللأجيال القادمة. كان كتابيا وإنجيليا في الحياة الرهبانية والديرية.

ثالثًا: كـــــــــــــــــان كتابيًا وإنجيليًا فـــــــــــــي الحـيـــــــاة اللاهوتية

البابــــــــا شنـــــــــــوده كان كتابيًا وإنجيليًا فـــــــــــي الحوارات اللاهوتية، وهي العملية التي نتواصل بها مع كل كنائس العالم الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية. أثناء حبرية البابا شنوده، بدأنا ننشئ حوارات مع جميع الكنائس الأرثوذكسية البيزنطية، وصارت لنا حوارات مع إخوتنا في العائلة الأرثوذكسية القديمة (Oriental)، ولقاءات مستمرة وحوارات ونحن على نفس الإيمان. ثم امتدت الحوارات إلى الكنيسة الكاثوليكية، وكانت زيارته الأولى للقاتيكان عام 3791م هي أول مقابلة بين كرسي الإسكندرية وكرسي روما، وبدأت عبــــــر هذه السنوات الطويلــــــــة سلسلـــــــة مــــــــــــن الحـــــــــــوارات المتعـــــــــــــــــــــــددة والمتشعبــــــــــــــــة، وصــــــــــــــــــارت هـــــــــــــــذه المشاركــــــــــــة مشاركة للمحبة والتفاهم والوحدة التي لم نصل إليها بعد، ولكن أن نصل إلى المحبة فنستطيع أن نصل إلى الوحدة. ثم امتدت الحوارات إلى الكنائس البروتستانتية في العالم، وزار كثيرًا من هذه الكنائس، وكانت هذه الحوارات توضع لها أجندة ونشترك فيها رسميًا. والحوارات تحتاج إلى عشرات السنين لكي ما نصل إلى سهم واحد مشترك. وأيضًا الحوارات مع الكنيسة الأنجليكانية، وحوارت مستمرة بهدف التواصل. والحوار ينطلق من الكتاب المقدس، وهو القاعدة الرئيسية للحوارات اللاهوتية.

والبابا شنوده هو صاحب التعبير خطورة الآية الواحدة الغير مسنودة بآيات أخرى. وعندما ندخل إلى عمق الآيات في الكتاب المقدس الذي هو رسالة لكل أحد بما فينا الذين يدرسون اللاهوت والعقيدة وكتابات الآباء كما فهموها.

كان البابا شنوده يهتم بهذه الحوارات جدًا، وكانت شكلًا من أشكال الجسور والتواصل مع كل كنائس العالم.

ونحن ككنيســـــــــــة قويـــــــــــة ولها تاريخ يعـــــــــــود إلى القديـــــــــــــــس مار مرقس، الذي أسس مدرســـــــــــة الإسكندرية اللاهوتية، لذلك ندخل هذه الحوارت اللاهوتية ونحن نحمل خبرة طويلة في المعرفة. والحوارات تقوم على معرفة كلمة الله كما علمنا البابا شنوده، وكلمة الله «حَيَّةٌ وفَعّالَةٌ وأمضَى مِنْ كُلِّ سيفٍ ذي حَدَّينِ، وخارِقَةٌ إلَى مَفرَقِ النَّفسِ والرّوحِ والمَفاصِلِ والمِخاخِ، ومُمَيِّزَةٌ أفكارَ القَلبِ ونيّاتِهِ» (عبرانيين 4: 12).

حضورنـــــــــــا في هذا اليوم ليس على سبيـــــــــــل التذكار التاريخــــــــــي، ولكن على سبيل أننا نتذكر مرشدينـــــــــــــا الذين علمونـــــــــا كلمة الحق، نتذكرهم ونتعلم منهم ونمضي على آثارهم. هذه التذكارات يا إخوتي ليست تذكـــــــــارات في التاريخ، وليست تذكارات زمنية فقط، كما نؤمن في كنيستنا أن هناك تواصلًا بين السماء والأرض، فاليوم يفرح البابا شنوده بوفاء أبنائه، هذا الوفاء الذي نقدمه لمن خدم ومن تعب كل هذه السنوات الطويلة، والأكثر من ذلك أننا نمضي ونتعلم ونعيش ونستلم الأمانة ونسلمها بأمانة.

الكتاب المقدس هو الأساس والأصل، لذلك رسالة هذا اليوم أن يكون كتابك المقدس مفتوحًا أمامك دائمًا، تتعلم منه، وتقرأ فيه، وتنتظر رسالة الله لك. هكذا كان البابا شنوده دارسًا وشارحًا للكتاب، وعاش الإنجيل طولًا وعرضًا، وهي صفة رائعة لرجل الله. الإنجيل ليس للسماع فقط، الإنجيل للحياة.

نتذكر مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث، ونتذكر رحمته الشديدة، وتعلُّقه الشديد بالكتاب المقدس، وكيف كان يحفظه ويتعلم منه؛ فلنكن مثله، ولنعش في هذا التدبير الروحي في كنيستنا وفي أديرتنا. يعطينا مسيحنا القدوس كل بركة روحية، ونرفع طلباتنا إلى السماء لكي ما يشفع فينا كل آبائنا الأحباء الذين نحتفل بهم، وليكمّل المسيح أيام غربتنا بسلام. لإلهنا كل المجد والكرامة من الآن والى الأبد آمين.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx