اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السادسة والأربعون23 مارس 2018 - 14 برمهات 1734 ش     العدد كـــ PDFالعدد 11-12

اخر عدد

الصليب... في فكر الله

نيافة الأنبا موسى

23 مارس 2018 - 14 برمهات 1734 ش

نتصور أحيانًا أن صليب السيد المسيح حدث طارئ في الزمن.. بمعنى: أن اليهود تآمروا عليه وسلموه للرومان، الذين سلموه ليُصلَب، وهنا نبكي مثل بنات صهيون على السيد المسيح، وهو حامل الصليب، ثم يُطرَح على الخشبة، وتُدَق المسامير في يديه ورجليه، وعندما يرفعون جسده على الصليب يتألم.. ثم يعطش، ويسلم الروح..

قد نتصور أن هذه الأحداث أتت فجأة وبدون إدراك سابق، ونقول: ألم تكن هناك طريقة أخرى غير الصليب؟.. لماذا..؟

والحقيقة المهمة التي لابد أن نعرفها هنا هي "تاريخ الصليب".. فالصليب كان منذ الأزل - إن جاز التعبير - في فكر الله.. فبسبق علم الله كان يعرف أن آدم سيخطئ، وسيحتاج إلى من يفديه ويخلصه من الموت وفساد طبيعته وأن ذلك يتم بالفداء. لذلك فقد ارتبط الله بالصليب.. ارتبط اللوغوس "الكلمة" بالصليب.

الصليب كان في ذهن الله منذ الأزل، وظل في ذهنه حينما تجسد في ملء الزمان، إلى أن تحول الصليب إلى حقيقة واقعة، حينما انطرح عليه الرب يسوع. ومازال الصليب ماثلًا أمام أعيننا في الزمن.. وسيظل كذلك حتى الأبدية.. فالمسيح مكتوب عنه في سفر الرؤيا: «رأيتُ في السماء.. حَمَلٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ» (رؤ5: 6)، وهذا يعني أننا حتى في الأبدية لن ننسى الصليب، ولا تدبير الله من جهة الصليب..

مرحلة التحقيق في تاريخ الصليب:

وتاريخ الصليب يمر في خمسة مراحل: 1- مرحلة الأزلية. 2- مرحلة الوعد. 3- مرحلة الإشارات. 4- مرحلة التحقيق. 5- مرحلة الاستمرار الأبدي.

وفي مرحلة التحقيق حيث تحققت النبوات، وتمت المواعيد، وطُرِح الرب على خشبة الصليب، ودُقَّت المسامير في يديه، والتهب ظهره بالسياط، وكَلَّلَ الشوك رأسه المقدسة، وضُرِب بالقصبة على رأسه، وطُعِن في جنبه بالحربة فجرى منه دم وماء، وكان جسد الرب كُله ملطخًا بالدم.. إذ كان الجلّادان اللذان يتبادلان على جَلده بالسياط، أحدهما طويل، والآخر قصير، وكان السوط ينتهي بثلاثة قطع معدنية مدببة حادة (ويراها البعض عظام ثيران).. في كل الأحوال هي مؤلمة جدًا، فمتى أمسك به الجندي القصير، وضرب على ظهر السيد المسيح الواقف منحنيًا على عامود، ألهب ظهره، ونهش لحمه، وتناثر، ونزف الدم مغطيًا ظهره كُله. أما الجندي الطويل فكان سوطه حين يرفعه ليجلد به ربنا يسوع، يلف ويصل إلى بطنه، فينهش لحم بطنه ويتناثر، وينزف الدم، مغطيًا بطنه. كان الدم يغطي رأسه من إكليل الشوك، ويغطي ذراعيه، وقدميه من المسامير، ويفيض من جنبه أثر الطعنة بالحربة.

ولم تكن آلام صليب المسيح هي الآلام البدنية فقط، بل كانت آلامًا نفسية أيضًا، إذ تركه التلاميذ.. وآلامًا روحية، إذ حمل خطايانا في جسده على الخشبة. أنها آلام متعددة الأنواع، احتملها الرب يسوع في صمت، دون أن يشكو.. «أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ» (إش53: 7).

بل يخبرنا الكتاب قائلًا: «الَّذِي مِنْ أَجْلِ السُّرُورِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ احْتَمَلَ الصَّلِيبَ مُسْتَهِينًا بِالْخِزْي» (عب12: 2).

ولا ننسى حين قال الرب: «نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدًّا حَتَّى الْمَوْتِ!» (مر14: 34).

تعالوا نحيا مع الرب، ونكرس كل ما عندنا من وزنات لشخصه..

وتعالوا نصلب شهواتنا مع الرب.. بحيث يكون السيد المسيح هو شهوتنا الوحيدة: النهائية والأبدية.. «إِلَى اسْمِكَ وَإِلَى ذِكْرِكَ شَهْوَةُ النَّفْسِ» (إش26: 8).

وتعالوا نصلب ذواتنا مع الرب يسوع.. فننسحق تحت أقدام الجميع ونتضع..

وتعالوا نصلب العالم مع الرب.. فلا نضع قلبنا على شيء منه، حيث «تَزُولُ السَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ الْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ الأَرْضُ وَالْمَصْنُوعَاتُ الَّتِي فِيهَا» (2بط3: 10).




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx