اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السادسة والأربعون23 مارس 2018 - 14 برمهات 1734 ش     العدد كـــ PDFالعدد 11-12

اخر عدد

فقام يسوع وتبعه

نيافة الانبا يوسف أسقف جنوب الولايات المتحدة الأمريكية

23 مارس 2018 - 14 برمهات 1734 ش

وردت قصة إقامة ابنة يايرس من الموت في كل من إنجيل متى، ومرقس، ولوقا. لكن العجيب في سرد القديس متى لهذه المعجزة أنه استخدم عبارة فريدة جدًا - لم يستخدمها لا القديس مرقس ولا القديس لوقا - ليصف رد فعل السيد المسيح لتوسُّل يايرس، وهي: «فقام يسوع وتبعه» (مت9: 19). والحقيقة أن تلك العبارة لم ترد في الكتاب المقدس في أي موضع آخر. فلم يُذكَر قط عن السيد المسيح في حياته على الأرض أنه قام وتبع أحدًا سوى في تلك المعجزة!! وإن كانت توجد مرة وحيدة تحدث فيها بولس الرسول عن أن المسيح تبع شعب بني إسرائيل في البرية، إلّا أنها كانت بصورة رمزية في شكل الصخرة: «لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم، والصخرة كانت المسيح» (1كو10: 4). ليست عبارة: «فقام وتبعه» غريبة عن آذاننا فقد اعتدنا عليها في الكتاب المقدس، لكنها ارتبطت دائمًا بتلبية التلاميذ لدعوة السيد المسيح لهم، ومنهم متى الرسول نفسه الذي يصف دعوته الرسولية في موضع سابق من نفس الإصحاح قائلًا: «فقال له: اتبعني. فقام وتبعه» (مت9:9). كما اعتدنا أيضًا أن نجد الجموع تتبع السيد المسيح في مواضع عدة من الكتاب المقدس.

كيف إذًا لذاك القدوس الذي يذهب أمام خرافه فتتبعه لأنها تعرف صوته (يو10: 4)، أن يتحول من متبوع إلى تابع؟! كيف يتبدّل اتجاه مغناطيسية البوصلة فينجذب الخالق - الذي تسير الخليقة كلها وراءه متبعة خطواته - إلى المخلوق ليسير وراءه خاضعًا لإرادته؟! كيف يتنازل القائد كلي الحكمة عن دفّة القيادة لآخر يقوده؟!

حقًا ما أرهب تلك العبارة: «فقام يسوع وتبعه»!! فالعقل البشري يعجز - بل ويستحي - أن يتصور تبديل الأدوار، فيصير المُخاطَب في عبارة: "اتبعني. فقام وتبعه" هو السيد المسيح بدلًا من الإنسان!!

كم من كثيرين على مر العصور أرادوا من الله أن يتبعهم لا أن يتبعوه. لقد سعى العديد من المتغطرسين، والملحدين، والحكماء في أعين أنفسهم، بل والمهمومين اليائسين، أن يملوا عليه توجُّهاتهم، وانتظروا منه أن يسخّر قدرته لخدمة أهوائهم الذاتية. إلّا أن «مُنتَظَر الأثمة يبيد» (أم11: 7)، ويفنى مثل العث مشتاههم (مز39: 11).

أمّا أنت يا يايرس فطوباك ثم طوباك!! من علَّمك سر المسيح؟! كيف استطعت أن تُلزِمه أن يقوم فيتبعك؟! ألعل السر يكمن في اتضاعك العجيب الذي جعلك لا تستنكف من أن تسجد له وأنت الرئيس في إسرائيل؟! أم في إيمانك الصخري الذي لم يزعزعه واقع المشهد المروِّع للابنة الملقاة في فراش الموت؟! أم هل يا تُرى هو عظم محبتك لابنتك التي هي قوية قوة الموت ذاته؟! أم أنها الجسارة العجيبة التي لا تستحي أن تأمر بدالة البنين قائلة: «لكن تعالَ» (مت9: 18)؟!

ليتك يا روح الله القدوس تعلمنا سر كل يايرس عرف كيف يلزم إله كل السماء والأرض أن يقوم ويتبعه!!




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx