اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السادسة والأربعون25 مايو 2018 - 17 بشنس 1734 ش     العدد كـــ PDFالعدد 19-20

اخر عدد

الروُح القُدس مع التلاميذ - مجلة الكرازة - 24 يونيو 2005 - العددان 19، 20

مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث

25 مايو 2018 - 17 بشنس 1734 ش

السيد المسيح – بعد القيامة – بعد أن قضى مع رسله القديسين أربعين يومًا يحدثهم عن الأمور المختصة بملكوت الله (أع1:­3).. قبل أن يفارقهم ويصعد إلى السماء، قال لهم «فَأَقِيمُوا فِي مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَنْ تُلْبَسُوا قُوَّةً مِنَ الأَعَالِي» (لو24: 49).

وماذا كانت تلك القوة التي كان لابد أن ينتظروها؟

قال لهم «لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ» (أع1: 8).

+   +   +

نعم، ما كان ممكنًا لهم أن يبدأوا الخدمة والعمل الروحي الكرازي، إلا بعد أن يلبسوا تلك القوة من الأعالي، بحلول الروح القدس عليهم..

لقد تتلمذوا على السيد المسيح نفسه أكثر من ثلاث سنوات. يسمعون تعاليم هذا المعلم العظيم، «الْمُذَّخَرِ فِيهِ جَمِيعُ كُنُوزِ الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ» (كو2: 3)، بكل ما في تعليمه من عمق وقوة وتأثير.. وما يرونه منه عمليًا في أسلوب التعامل مع الكل، وفي طريقة الخدمة، وفي العجائب والمعجزات.. نعم لم يرَ الرب هذا كله كافيًا لهم، ولا كذلك مدة الأربعين يومًا التي قضاها معهم بعد القيامة..

بل كان لابد لهم في الخدمة من نوال قوة من الروح القدس. وهكذا ضرب لنا الرب مثلًا عمليًا في إعداد الخدام..

إننا كثيرًا ما نُخطئ في سرعة تقديم خدام للعمل في كرم الرب، قبل أن ينضجوا، وقبل أن ينالوا قوة من الروح القدس..!

+   +   +

ليس المهم في عدد الخدام، وإنما في قوتهم الروحية.

وليس المهم في سرعة إعدادهم، إنما في طريقة امتلائهم.

إن عظة واحدة من القديس بطرس الرسول – بعد حلول الروح القدس عليه يوم الخمسين – كانت كافية لجذب ثلاثة آلاف شخص، نُخِسُوا فِي قُلُوبِهِمْ وتقدموا لقبول المعمودية (أع2: 37، 41).

وهكذا كان عمل الروح قويًا مع باقي الرسل الذين كانوا «وَبِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ كَانَ الرُّسُلُ يُؤَدُّونَ الشَّهَادَةَ بِقِيَامَةِ الرَّبِّ يَسُوعَ، وَنِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ كَانَتْ عَلَى جَمِيعِهِمْ» (أع4: 33). لذلك نقرأ عن خدمتهم أنه «وَكَانَ الرَّبُّ كُلَّ يَوْمٍ يَضُمُّ إِلَى الْكَنِيسَةِ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ» (أع2: 47). ولذلك نقرأ أيضًا أنه «وَكَانَتْ كَلِمَةُ اللهِ تَنْمُو، وَعَدَدُ التَّلاَمِيذِ يَتَكَاثَرُ جِدًّا فِي أُورُشَلِيمَ، وَجُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الْكَهَنَةِ يُطِيعُونَ الإِيمَانَ» (أع6: 7).

هذه أمثلة واضحة من الخدمة المثمرة، التي كان روح الرب يعمل فيها باستمرار، وهو الذي يُعطي كلمة للمُبشرين.

+   +   +

ما أوسع وما أعمق عمل الروح القدس في الكنيسة الأولى.

كان الروح القدس هو الذي يختار ويأمر برسامتهم.

إنه هو القائل للآباء «أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ الَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ» (أع13: 2). يقول الكتاب «فَصَامُوا حِينَئِذٍ وَصَلُّوا وَوَضَعُوا عَلَيْهِمَا الأَيَادِيَ، ثُمَّ أَطْلَقُوهُمَا. فهذان إذ أُرسلا من الروح القدس، انحدرا إلي سلوكية..» (أع13: 3، 4).

إذًا الروح القدس دعا الرسولين بولس وبرنابا، وأرسلهما.. بل كان أيضًا يحدد أماكن الخدمة.. كما قيل مرة أن الروح القدس منعهم من أن يتكلموا بالكلمة في آسيا، وفي بِثِينِيَّةَ.. ثم أرشدهم أن يذهبوا إلى مقدونية (أع16: 6-10).

كان الروح القدس أيضًا هو الذي يقود المجامع المقدسة.

فأول مجمع مقدس عقده الآباء الرسل في أورشليم سنة 45م، ختموا قراراته بقولهم «قَدْ رَأَى الرُّوحُ الْقُدُسُ وَنَحْنُ، أَنْ لاَ نَضَعَ عَلَيْكُمْ ثِقْلاً أَكْثَرَ..» (أع15: 28).

+   +   +

إذا كان عمل الروح القدس لازمًا للآباء الرسل بهذا الشكل، فكم بالأولى يكون أكثر لزومًا للخدام العاديين، الذين إذا اخطأوا يكونون عثرة للخدمة وللشعب.

فإن كان البعض قد خدموا وفشلوا في خدمتهم، أو على الأقل كانت خدمتهم ناقصة لم تصل إلى مستوى الكمال المطلوب، يكون السبب الأساسي أنهم كانوا يخدمون بدون عمل الروح القدس فيهم. وهذا يُرينا أهمية قيادة الروح القدس للخدمة.

أول عمل للروح القدس أنه يُعطي قوة. هو أيضًا يُعطي معرفة وحكمة وإرشادًا. ويُعطي أيضًا سلطة.

والروح القدس يُعطي مواهب متعددة ومتنوعة، ذكرها القديس بولس الرسول في رسالته الأولى إلى كورنثوس إصحاح 12.

فمن جهة القوة في الخدمة، فهو ليس فقط يُعطي كلمة للخادم كما طلب بولس الرسول الصلاة من أجله قائلًا «لِكَيْ يُعْطَى لِي كَلاَمٌ عِنْدَ افْتِتَاحِ فَمِي، لأُعْلِمَ جِهَارًا بِسِرِّ الإِنْجِيلِ» (أف6: 19).. إنما بالأكثر فإن الروح يُعطي للكلمة تأثيرًا وفاعلية في النفوس، ويُعطي قدرة على التنفيذ، ويعمل في الإدارة. ويُعطي أيضًا ثمرًا للكلمة.

+   +   +

ومن اهتمام الكنيسة بعمل الروح القدس لأجل كل إنسان، وضعت لنا ضمن الصلوات اليومية: صلاة الساعة الثالثة الخاصة بحلول الروح القدس وعمله.

أنا أعرف أن غالبيتكم تصلون صلاة باكر وصلاة النوم. ولكن هل تهتمون – على نفس القدر – بصلاة الساعة الثالثة، التي تقولون فيها للروح القدس "أيها الملك السماوي المُعزي، روح الحق الحاضر في كل مكان والمالئ الكل، كنز الصالحات ومُعطي الحياة. هلّم تفضل وحلَ فينا وطهَرنا من كل دنس أيها الصالح، وخلَص نفوسنا".

إن لكم علاقة بالآب ظاهرة في غالبية صلواتكم وفي صلاة الشكر. ولكم علاقة بالابن المخلص الفادي، وبالذات كما في صلاة الساعة السادسة، التي تقولون فيها "يا مَنْ في اليوم السادس والساعة السادسة، سمَرت على الصليب لأجلنا..". ولكن ما هي علاقتكم بالروح القدس، وأنتم لا تستطيعون أن تحيوا في حياة البر بدونه؟..

+   +   +

إننا في الساعة الثالثة نطلب نعمة الروح القدس، وعمل هذه النعمة فينا، وبخاصة لأجل تطهيرنا.

ونقول في تحليل الساعة الثالثة "نشكرك لأنك أقمتنا للصلاة في هذه الساعة المقدسة، التي فيها أفضت نعمة روحك القدوس بغنى على التلاميذ خواصك القديسين..".

ونكرر عبارة نعمة الروح القدس، فنقول "أرسل إلينا نعمة روحك القدوس، وطهرنا من دنس الجسد والروح. وانقلنا إلى سيرة روحانية، لكي نسعى بالروح ولا نكمل شهوة الجسد".

لاحظوا هنا إنه بالنسبة إلى الروح القدس، نتكلم عن حلول النعمة، وليس عن حلول الأقنوم، كما يخطئ البعض..

وحلول النعمة هو للرسل، ولنا نحن أيضًا..

ولاحظوا أيضًا عمل الروح القدس لأجل طهارة الجسد والروح.

وحسن أن الإنسان يطلب طهارة نفسه عن طريق عمل الروح القدس فيه، وليس بمجرد جهاده البشري الذي يقع فيه ويقوم..

+   +   +

هناك أعمال أخرى للروح القدس، حيث نقول عنه في صلاة الساعة الثالثة: روح النبوة والعفة، روح القداسة والعدالة والسلطة.

ويقول عنه سفر إشعياء النبي «رُوحُ الرَّبِّ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ» (أش11: 2).

كل هذا، نطلب عمله فينا في صلواتنا.

أما عن السلطة، فهي خاصة أولاً بالكهنوت وعمله.

وفي ذلك سلطان مغفرة الخطايا، كما قال الرب لتلاميذه بعد القيامة «اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ. مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ» (يو20: 22، 23).

فالكاهن حينما يغفر الخطايا للمعترفين التائبين إنما يغفر بسلطان الروح القدس العامل فيه. كما يقول للرب عن الشعب في آواخر القداس الإلهي "يكونون محاللين من فمي بروحك القدوس".

وروح السلطة بالنسبة إلى المؤمنين العاديين:

إما أن يكون لهم سلطة على أنفسهم بضبط النفس، أو أن يكون لهم سلطة على الشياطين، فلا يمكنوها من أنفسهم أو من إرادتهم..

+   +   +

والروح القدس هو أيضًا روح الحق (يو15: 26) وروح العدالة.

فالذي يعمل فيه روح الله، يكون حقانيًا وعادلًا يفصّل كلمة الحق بالاستقامة، ولا يأخذ بالوجوه، ولا يتكلم بالباطل.

ولا نستطيع أن نضع حدودًا لعمل الروح القدس، الذي هو كنز الصالحات، ومُعطي الحياة، ومُعطي المواهب، كما ورد في (1كو12) يُعطي كلام حكمة، وكلام علم، ولآخر إيمان، وبنوة، وأعمال شفاء، وعمل قوات..

وأيضًا لا ننسى عمل الروح القدس في كل أسرار الكنيسة.

فنحن نولد في المعمودية من الماء والروح. ثم ننال سرَ المسحة المقدسة (بزيت الميرون المقدس) حيث نثبت في الروح، ونصبح هياكل للروح القدس، وروح الله يسكن فينا (1كو3: 16)... مع عمل الروح القدس عن طريق باقي أسرار الكنيسة.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx