اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السادسة والأربعون08 يونيو 2018 - 1 دف بؤونة 1734 ش     العدد كـــ PDFالعدد 21-22

اخر عدد

روح التجديد

قداسة البابا تواضروس الثانى

08 يونيو 2018 - 1 دف بؤونة 1734 ش

"التجديد" بصفة عامة ضرورة ملحّة في حياة الإنسان، فنحن كل يوم نبدأ صباحا جديدًا، وكل سنة نحتفل ببداية عام جديد على مدى اثني عشر شهرًا في السنة الميلادية.. ويفرح الإنسان بعيد ميلاده كل عام، وتنقّله من عام إلى عام في حياته الدراسية، ونموه الجسدي والعقلي والروحي والاجتماعي، ويتقدم نحو الحياة الجديدة – بعد دراسته – إلى العمل والوظيفة، أو السفر إلى بلاد جديدة، أو نحو تكوين الأسرة، أو نحو التكريس والخدمة، أو نحو مزيد من الدراسة والبحث والشهادات العليا..

أمّا على مستوى حياتنا الكنسية؛ فالأصوام والأعياد ما هي إلّا مناسبات للتجديد الروحي والتقوي، حتى ألحان الكنيسة ونغمات الموسيقى تتجدّد من فصل إلى فصل، وبذلك تبعد روح الملل والرتابة، وتضيف اشتياقًا وحنينًا نحو كل مناسبة عبر السنة الكنسية بكل طقوسها ونظامها...

هذا غير أننا نصلي يوميًا عبارات مزمور التوبة وفيها نقول: «قلبًا نقيًا اخلُق فيَّ يا الله، وروحًا مستقيمًا جدده في أحشائي»، أي تجديد عمل التوبة والنقاوة في حياة كل منّا.

ثم أن السيد المسيح جاء ليمنحنا "عهدًا جديدًا" (إرميا 31:31) بعد العهد القديم، ويصير الخلاص لكل أحد، حيث يبدأ الإنسان مسيرته الروحية بعد ميلاده الجسدي بالولادة الجديدة من الماء والروح.

والإنسان بحسب الإنجيل المقدس مدعو إلى الحياة الأبدية التي يسمّيها "الحياة الجديدة"، وهي سمة الحياة الآتية، فليس فيها قديم أو عتيق أو ظلام أو ظلال، لأن المسيح هو نورها الدائم وشمسها الساطع.

والكنيسة منذ تأسست يوم الخمسين وهي تقوم على نظام يتطور إداريًا من مرحلة إلى مرحلة بحسب مُعطيات الزمان الذي توجد فيه الكنيسة.

فمثلًا صار النظام الإكليروسي بأركانه الثلاثة الأساسية (أسقف – كاهن – شماس) هو النظام المعمول به في كنيستنا وسائر الكنائس التقليدية الرسولية، ومعظم الكنائس الأخرى ولكن بمفاهيم أخرى.

وفي ذلك يقول بولس الرسول في رسالته إلى أفسس، والتي تتحدث عن "الكنيسة جسد المسيح": «هو أعطى البعض أن يكونوا رسلًا، والبعض أنبياء، والبعض مبشِّرين، والبعض رعاة ومعلمين، لأجل تكميل القديسين لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح..» (أف4: 11، 12). لذلك نرى مثلًا في الدرجة الشماسية عدة رتب مثل: ابصلتيس (مرتل) – أغنسطس (قارئ) – إبودياكون (مساعد شماس) – دياكون (شماس كامل) – أرشي دياكون (رئيس شمامسة). وهكذا درجة القسيسية نجد: قس (مصلّي) – قمص (مدبِّر). وفي الدرجة الأسقفية نجد: الأسقف – المطران – رئيس الأساقفة – البطريرك – البابا؛ وذلك بحسب الاختصاص الجغرافي لكل رتبة...

ولكن مع امتداد الكنيسة واتساع عملها وخدمتها ونشاطها، وهي التي تأسست في مصر منذ أواسط القرن الأول الميلادي، وصارت بذلك أقدم كيان شعبي على أرض مصر وهو كيان متماسك قوي يحفظ وديعة الإيمان المستقيم، ومخلص وأمين عبر القرون للأرض التي عاش ويعيش عليها، وتمتد أمانته في كل مكان يذهب إليه ويعيش فيه.

احتاجت الكنيسة إلى نظام إداري جيد ومتجدد بحسب المسئوليات التي تظهر لخدمة الكنيسة، وهذا النظام على نوعين:

أ- مسئوليات تنظيمية: تُضاف إلى عمل الإكليروس

فمثلًا توجد لجنة سكرتارية للمجمع المقدس مكونة من أربعة أساقفة نختار ثلاثة منهم بالانتخاب السري في جلسة رسمية للمجمع المقدس، ويقوم البابا بتعيين العضو الرابع وذلك حسب لائحة المجمع. وتعمل لجنة السكرتارية لدورة زمنية 3 سنوات ويمكن تجديدها لمدة أخرى. وقد تم ذلك بنعمة الله في آخر جلسة للمجمع في مايو 2018، حيث أكملت اللجنة فترتين عمل، ثم تم انتخاب لجنة جديدة تتحمل المسئولية الإدارية لمدة جديدة، وهكذا..

وهذا نموذج التغيير السلس، والتجديد الناعم بروح المحبة الكاملة التي تسود جميع أعضاء الهيئة العليا في الكنيسة وهي المجمع المقدس.

وعلى نفس الوتيرة من التجديد وضخّ الدماء الجديدة وتكوين الخبرات وتأهيل للمسئوليات التي تحتاجها خدمة الكنيسة، تم تجديد آلية العمل في المجلس الإكليريكي للأحوال الشخصية، وتم عمل ست دوائر إقليمية (ثلاث في مصر وثلاث في خارج مصر)، بقيادة ستة أساقفة أجلاء مع آباء كهنة موقرين ومختصين في الطب والقانون. وفي يوليو القادم 2018، تتم هذه الدوائر الست عملها الشاق خلال 3 سنوات، ليتم اختيار ستة أساقفة جُدد لقيادة هذه الدوائر مع تجديد أعضاء كل دائرة إقليمية، وذلك لفترة جديدة تمتد إلى ثلاث سنوات جديدة، وهكذا يسري روح التجديد في عمل وخدمة الكنيسة.

ونرجو أن يسري هذا الفكر التجديدي في لجان الأحوال الشخصية على مستوى الإيبارشيات، ومستوى الخدمة التعليمية. وعلى مستوى الإيبارشيات يجب النظر في تجديد عمل وكلاء المطرانيات وكيفية اختيارهم بحيث يكون لهم البُعد الروحي والتقوى بجانب البُعد الإداري والتنظيمي. ومن تجديد الفكر العامل في كل هذه المجالات افتتحنا منذ عامين معهدًا جديدًا للتدبير الكنسي والتنمية، ومن خلال متخصصين في العلوم الإدارية والتنموية، يقدم دورات ودراسات نافعة للغاية للأساقفة والكهنة والرهبان والمكرسات والشمامسة والخدام والخادمات.

ب- مسئوليات إدارية يقوم بها إكليريوس مع أفراد من الشعب (رجال ونساء)

وأحيانًا يتم تسميتهم العلمانيون وهي تسمية ليست دقيقة كنسيًا، فمثلًا هناك هيئات كنسية تحتاج هذا التجديد مثل المجلس الملّي العام (وهذه التسمية ليست مناسبة في زماننا الحاضر ويجب تعديلها)، وهيئة الأوقاف القبطية، وإدارة المعاهد التعليمية من أساتذة وإداريين، وأيضًا مجالس الكنائس (اللجان). وقد وضعنا لائحة منذ 4 سنوات لهذا الغرض، وبدأنا تطبيقها في كنائس إيبارشيات البابا (الإسكندرية والقاهرة)، ويمتد تطبيقها إلى الإيبارشيات في مصر. وأمّا خارج مصر فيجب مراعاة القوانين المحلية التي تختلف من بلد إلى بلد.

عندما اختار الله ضعفنا في هذه المسئولية الكبيرة، قلنا عام 2012 أن أول الأولويات هي ترتيب البيت من الداخل. وبعد حوالي ست سنوات يمكن أن نعتبر أننا بنعمة المسيح، ومن خلال عمل دؤوب لكل أعضاء المجمع المقدس والهيئات المعاونة، أنجزنا ما لا يزيد عن 5% فقط من حقل العمل المتسع، فالكنيسة تحتاج المزيد والمزيد وعلى كافة المستويات، وتحتاج كل فكر إداري جديد، لأن المسئوليات اتسعت جدًا، وصار حضور الكنيسة ووجودها في مجتمعات جديدة وكبيرة ذات ثقافات وحضارات ولغات مختلفة تمامًا عمّا في مصر، ولذا مع امتداد عمل الكنيسة رأسيًا وأفقيًا صار الاحتياج إلى تطوير وتجديد الفكر الإداري والتنظيمي الموازي لخدمة الكنيسة، تطبيقًا لمقولة السيد المسيح: «أتيت لتكون لهم حياة، وليكون لهم أفضل» (يو10:10).

إننا نرحب بكل جهد وفكر ورؤية واقتراح لتطوير العمل الكنسي القائم على روح المحبة الكاملة والأمانة الكاملة، والبعيد عن الهوى الشخصي والذات والرؤية الضيقة أو الفكر النفساني العقيم.

يقول الكتاب: «... صادقين في المحبة. ننمو في كل شيء إلى ذاك الذي هو الرأس: المسيح. الذي منه كل الجسد مركبًا معًا ومقترنًا بمؤازرة كل مفصل، حسب عمل، على قياس كل جزء، يحصل نمو الجسد لبنيانه في المحبة» (أفسس 4: 15، 16).

أرجو أن تكون هذه الآيات محور دراسة وتأمل في اجتماعات مجالس الكنائس ومجامع الكهنة واجتماعات الخدام في سائر الكنائس والإيبارشيات.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx