اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السادسة والأربعون08 يونيو 2018 - 1 دف بؤونة 1734 ش     العدد كـــ PDFالعدد 21-22

اخر عدد

روُحيّاتنا مِنحَة مِن الله

مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث

08 يونيو 2018 - 1 دف بؤونة 1734 ش

حقًا إن حياتنا الروحية هى منحة من الله. أو هبة أو عطية، بشرط أن نشترك مع الروح القدس في عمله من أجلنا.

وهذا ما تعلمنا الكنيسة إيّاه في كثير من صلواتنا اليومية في الأجبية. ونلاحظ عمليًا أن بعض الناس يجاهدون، ولا يأتي جهادهم بنتيجة. ذلك لأنهم لم يدخلوا الله في حياتهم، بل اعتمدوا على ذراعهم البشري ففشلوا. وما أكثر الذين تعهدوا أمام الله أن يسلكوا حسنًا، أو أن يتوبوا، ولم يقدروا، لأنهم ظنوا أنهم بقوتهم سيقدرون! يا ليت الواحد منهم بدلاً من التعهد، كان يقول: أعطني يا رب هذه النعمة، وحقق لي شهوة قلبي في الحياة معك. امنحني أن أعمل كذا وكذا..

ألسنا نقول كل يوم في صلواتنا (في صلاة الشكر): "امنحنا أن نكمل هذا اليوم المقدس، وكل أيام حياتنا، بكل سلام مع مخافتك". ونقول أيضًا في صلاة باكر: "هب لنا في هذا اليوم الحاضر أن نرضيك فيه". إذًا هي هبة نطلبها من الله وليست تعهدًا.

لقد قال السيد المسيح له المجد لتلاميذه القديسين: «إلى الآن لم تطلبوا شيئًا باسمي. اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملاً» (يو16: 4). عيبنا إذًا أننا لم نطلب، ظانين أننا نستطيع كل شيء دون أن نأخذه من الله، بينما السيد الرب قد قال: «بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا» (يو15: 5).

اُطلب فيستجيب الرب لك. وعندما يستجيب اشكره، لأن أحد القديسين قد قال: "لا توجد عطية بلا زيادة إلا التي بلا شكر". ونحن كم من مرة طلبنا طلبات، واستجاب الرب. واكتنفينا بهذا ولم نشكره. بينما صلاتنا بالأجبية ترينا أهمية الشكر كعنصر أساسي في الصلوات.

وليس الأمر مجرد بدء صلواتنا بالشكر، إنما علينا أن نشكر في كل وقت.

ففي صلاة باكر نقول: "نشكرك يارب لأنك أجزتنا هذا الليل بسلام، وأتيت بنا إلى مبدأ النهار". وفي صلاة الساعة الثالثة نقول: "نشكرك يارب لأنك أقمتنا للصلاة في هذه الساعة المقدسة التي فيها أفضت نعمة روحك القدوس على تلاميذك وخواصك القديسين". لاحظوا أننا نقول "أقمتنا للصلاة" فهو الذي أقامنا للصلاة، وأعطانا الفرصة أن نقف أمامه مصلين. وفي الساعة السادسة نقول: "نشكرك يا مليكنا ضابط الكل، لأنك جعلت أوقات آلام ابنك الوحيد أوقات عزاء وصلاة". وفي الغروب نقول: "نشكرك لأنك منحتنا أن نعبر هذا اليوم بسلام وأتيت بنا إلى المساء شاكرين". فيا ليتكم تُدخلون عنصر الشكر كعنصر دائم في صلواتكم. وليجلس كل واحد إلى نفسه، ويتذكر كل ما عمله الرب معه ويشكر عليه.

إن كلمة (صلاة) في اللغة العربية، تعني أيضًا صلة بينك وبين الله. وليست كما في لغات أخرى مما يعني الطلب أو التوسل. فهل تشعر بهذه الصلة وأنت تتحدث مع الله؟!

نلاحظ أيضًا في صلوات الأجبية أننا نصلي لكي يقبل الله صلواتنا.. ذلك لأنه ليست كل صلاة مقبولة أمام الله. ومخيفة جدًا كلمة الرب للشعب في سفر إشعياء النبي، إذ يقول لهم: «حين تبسطون أيديكم، أستر وجهي عنكم. وإن أكثرتم الصلاة لا أسمع. أيديكم ملأنة دمًا» (إش1: 15). لذلك كثيرًا ما يقول المُصَلي: "يارب اسمع صلاتي"، "أمل أذنك واستمعني"، "لتدخل طلبتي إلى حضرتك، ولتدنُ وسيلتي قدامك"، "فلتستقم صلاتي كالبخور قدامك، وليكن رفع يديّ كذبيحة مسائية"، "أقبل يارب تمجيدنا الذي صار الآن".

إننا نطلب أن يقبل الله صلواتنا. فنقول له: "اقبل منا في هذه الساعة وكل ساعة طلباتنا". وفي أول مزمور من صلاة النوم نقول: «من الأعماق صرخت إليك يارب، يارب استمع صوتي. لتكن أذناك مصغيتين إلى صوت تضرعي». ومثل هذا الكلام قاله سليمان الحكيم عند تدشين الهيكل، إذ قال: «التفت إلى صلاة عبدك وإلىَ تضرعه أيها الرب إلهي، واسمع الصراخ والصلاة التي يصليها عبدك أمامك اليوم.. واسمع تضرع عبدك وشعبك إسرائيل الذين يصلون في هذا الموضع. واسمع أنت في موضع سكناك في السماء. وإذ سمعت فأغفر» (1مل8: 28-30).

اطلب إذًا أن يقبل الله صلاتك. وانظر هل صلاتك بخشوع، وهل هى بإيمان، وبعاطفة وفهم؟ وهل تعني ما تقوله في الصلاة؟ وهل هى من القلب أم من مجرد الشفتين؟ وهل تشعر فيها بصلة مع الله أم لها مجرد اسم الصلاة؟!!

حاول أن تكون الصلاة هى أول عمل تعمله في يومك، وآخر ما تختم به ذلك اليوم. وأن يكون الله أول من تكلمه كل يوم.

فكثيرًا ما يقوم الإنسان من النوم وينشغل بأشياء كثيرة تنسيه الصلاة، أو يشرد عقله في اهتمامات عديدة، حتى إن حاول أن يصلي بعد ذلك يسرح فكره في تلك الأمور.

أما أنت فليكن الله أول من تكلمه، ولو بعبارة بسيطة تخرج من قلبك. وأذكر أن الكنيسة تعلمنا أن نقول: "عندما دخل إلينا وقت الصباح أيها المسيح إلهنا، فلتشرق فينا الحواء المضيئة والأفكار النورانية، ولا تغطينا ظلمة الآلام"، كما نقول: "سبقت عيناى وقت السَحر (أي وقت الفجر) لأتلو في جميع أقوالك". عجيب أن داود كانت روحياته أعمق منا، نحن الذين نعيش في نعمة الروح القدس أكثر مما كانوا في العهد القديم..

وإن ذهبت في الليل إلى فراشك، صلِّ – كما تعلمنا الأجبية – قائلاً: "أنعم علينا يارب بليلة سالمة، وبهذا النوم طاهرًا من كل قلق، وأرسل لنا ملاك السلامة ليحرسنا من كل شر ومن كل ضربة ومن كل تجربة العدو". (لاحظ أننا نطلب كل هذا كهبة من الله ينعم بها علينا).

نعم، اطلب كل شيء من الله كمنحة. وهكذا نقول في صلاة باكر: "أنر عقولنا وقلوبنا وأفهامنا يا سيد الكل". ونقول: "قوِّم أفكارنا. نقِّ نياتنا". ونقول في صلاة الساعة التاسعة: "انقل عقولنا من الاهتمامات العالمية والشهوات الجسدية إلى تذكار أحكامك السمائية"، فأنت يارب الذي تنقل عقولنا، وأنت الذي تقوِّم أفكارنا، وأنت الذي تطهَر قلوبنا. وهكذا نصلي أيضًا في القداس الإلهي قائلين: "طهِّر نفوسنا وأجسادنا وأرواحنا"، ولا نقول نتعهد أمامك يارب أن نكون طاهرين..!

ذلك لأن الطهارة والنقاوة منحة نطلبها من الرب.

وبالمثل نقول في المزمور الخمسين: «اِغسلني فأبيض أكثر من الثلج. اِغسلني كثيرًا من إثمي ومن خطيئتي تطهرني. انضح عليّ بزوفاك فأطهر". أنت يارب الذي تطهرنا، وليس هو مجهودنا الشخصي ولا عزيمتنا ولا تداريبنا الروحية.

لا تظن أنك ستنال نقاوة القلب بقوتك الشخصية. فالشيطان يتحداك قائلاً إنه انتصر على أقوياء كثيرين قبلك. وكما قال الكتاب عن الخطية إنها «طرحت كثيرين جرحى، وكل قتلاها أقوياء» (أم7: 26).

وهكذا في صلاة الساعة الثالثة نقول: "أرسل علينا نعمة روحك القدوس. وطهرنا من دنس الجسد والروح. انقلنا إلى سيرة روحانية، لكي نسعى بالروح ولا نكمل شهوة الجسد". انظر كيف أننا نطلب من الله أن ينقلنا إلى سيرة روحانية.. ويعطينا طهارة النفس والجسد والروح.

وفي صلاة الساعة التاسعة نقول: "امنحنا أن نسلك كما يليق بالدعوة التي دُعينا إليها". نعم! إنها منحة منك أن نسلك حسنًا...

حتى التوبة نطلبها أيضًا من الله أو عمل منه فينا.

ما أجمل ما قيل في سفر إرميا النبي «توِّبني يا رب فأتوب» (إر31: 18).

يمكن أن تحثّ نفسك على التوبة فتقول: "توبي يا نفسي مادمتِ في الأرض ساكنة". ولكنك تتدارك الأمر وتقول "توّبني يا رب فأتوب".

أقول هذا لأني أخشى أن تكون صلواتنا في تيار، وحياتنا العملية في تيار آخر! في الصلاة نعتمد على الله في كل شيء، حتى في التوبة والطهارة. وعمليًا نعتمد على أنفسنا وقوتنا!! لذلك أدخل الله في كل عمل تعمله.

في خدمتك أيضًا وفي الكلام الذي تقوله، أطلبه من الله.

أنظر كيف أن القديس بولس الرسول العظيم يقول «صلوا من أجلي لكي أُعطى كلامًا عند افتتاح فمي» (أف6: 19). بولس صانع المواهب والقوى في كرازته وتعليمه، يطلب من الله كلمة عند افتتاح فمه... فكم بالأولى نحن الضعفاء.

شيء آخر هام جدًا في صلواتنا، وهو طلب المغفرة.

والعجيب أننا في صلاة التقديس نقول: "اغفر لنا خطايانا وآثامنا وزلاتنا"... بأنواعها. ونقول أيضًا: "حل واصفح، واغفر لنا خطايانا التي صنعناها بمعرفة، والتي صنعناها بغير معرفة. التي عملناها بإرادتنا والتي عملناها بغير إرادتنا، الخفية والظاهرة". من فينا يفكر في هذا كله؟ وما يعرفه وما لا يعرفه؟! ربما كلمة قلتها وجرحت شعور البعض وأنت لا تدري! كذلك الخطايا التي تظن أنها كانت بغير إرادتك، كخطايا في الأحلام مثلاً، وفي فهمك أنها بغير إرادتك، بينما يكون سببها إرادة سابقة، أو أشياء مترسّبة في عقلك الباطن نتيجة أخطاء سابقة.. لذلك اطلب المغفرة عن الكل.

قل له: أغفر لي يارب خطايا الفكر، وخطايا القلب، وخطايا النية... الخطايا الخاصة بتقصيري في الخدمة، والخطايا التي أتعبت بها الآخرين، والخطايا التي اقترفتها ضد نفسي... ولا تقبل أن تنام دون أن تعترف لله بكل هذا...

لا تنسَ شيئًا. لأن الشيطان من عادته أنه – أثناء ارتكاب الخطية ينسيك وصية الله. وأثناء الصلاة لأجل المغفرة ينسيك الخطايا التي اقترفتها... فحاول أن تتذكر كل شيء وتطلب عنه مغفرة، كما تذكر إحسانات الله وتقدّم عنها شكرًا.

الكنيسة تعلمنا أيضًا أن نذكر في صلواتنا دينونة الله المخيفة.

ففي كل يوم في صلوات الليل، تتذكر أنك ستقف أمام منبر الله العادل، فتقول: أيّة إدانة تكون إدانتي أنا المضبوط في الخطايا. وتضع أمامك اليوم الذي تُفتح فيه الأسفار، وتُكشَف الأعمال، وتُعرَف النيات. وليس في مقدورك إلا عبارة "يارب ارحم". لأجل هذا يقول المصلي في كل ليلة "أنعمَ علىَ يارب بتخشع قبل أن يأتي الانقضاء، وخلصني"...

ونحن أيضًا نطلب من الرب المعونة والحراسة بواسطة ملائكته القديسين فنقول في صلاة النوم "أرسل لنا ملاك السلامة ليحرسنا من كل شر ومن كل ضربة ومن كل تجربة العدو". ونقول في نهاية كل صلاة "أحطنا بملائكتك القديسين، لكي نكون بمعسكرهم محفوظين ومرشدين...".




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx