اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السادسة والأربعون22 يونيو 2018 - 15 بؤونة 1734 ش     العدد كـــ PDFالعدد 23-24

اخر عدد

الإنجيل فكر الكنيسة

قداسة البابا تواضروس الثانى

22 يونيو 2018 - 15 بؤونة 1734 ش

«لأنَّ كلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وفَعّالَةٌ وأمضَى مِنْ كُلِّ سيفٍ ذي حَدَّينِ، وخارِقَةٌ إلَى مَفرَقِ النَّفسِ والرّوحِ والمَفاصِلِ والمِخاخِ، ومُمَيِّزَةٌ أفكارَ القَلبِ ونيّاتِهِ» (عب4: 12).

كل واحد منّا له فكر، ولكن الكنيسة منذ ان بدأت لها فكر الإنجيل. الإنجيل هو الأساس هو الذي يبنيها. توجد علاقة وثيقة جدًا بين البشارة (الإنجيل) والكنيسة. البشارة كُتِبت بالوحي، فالكتاب موحى به من الله، وقُنِّنت الأسفار المقدسة بواسطة الكنيسة، وفُسِّرت بآباء الكنيسة، وحُفِظت في عقل الكنيسة، وبها تمت الكرازة بعمل الروح القدس لكل العالم، فأصبح الكتاب هو العقل أو الفكر الذي ينتقل من جيل إلى جيل عبر كل الأزمان، لكل إنسان في العالم من خلال كرازة الآباء. والإنجيل هو عماد التعليم في الكنيسة والأسرة والمجتمع.

وعلى هذا الأساس، الإنجيل له هذه الأفعال الخمسة التي في الآية (عب4: 12). فكلمة الله حية وتعطي حياة، ولهذا عقل الكنيسة وفكرها هو الإنجيل. كلمة الله ليست حية فقط، بل حية وفعّالة، أي أن لها دورًا وتأثيرًا. كلمة فعّالة، ليس في الماضي فقط، بل في كل زمان: في الماضي والحاضر والمستقبل. الكلمة المقدسة تحمل قوتها في داخلها، فعندما تقرأ أي كتاب فأنت تقرأ فكر الذي كتب هذا الكتاب، لكن عندما تقرأ الكتاب المقدس فأنت تشتمّ أنفاس الله لأنه هو الكاتب هو صاحب الكلمة. كلمة الله فعالة تقتدر في فعلها كثيرًا «هكذا تكونُ كلِمَتي الّتي تخرُجُ مِنْ فمي. لا ترجِعُ إلَيَّ فارِغَةً، بل تعمَلُ ما سُرِرتُ بهِ وتَنجَحُ في ما أرسَلتُها لهُ» (إش55: 11)، فكلمة الله تحمل قوتها فيها، وطوبى لمن يأخذ كل كلمة من الله بهذا الإيمان، مثلما قال القديس بطرس للرب بإيمان في معجزة صيد السمك: «... علَى كلِمَتِكَ أُلقي الشَّبَكَةَ» (لو5:5)، وتعلمون النتيجة المبهرة بعد ذلك...

وكلمة الله أمضى من كل سيف ذي حدين، أي أن كلمة الله تعمل في المتكلم وفي السامع. وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ، فهي تخترق كل الكيان الإنساني. عندما نصلي صلاة اللقان مثلًا، فكلمة الله الفعالة تخترق المياه فتصير مياه لها قوة ولها قدرة، وتطرد عدو الخير وتحفظ الإنسان وتبعد الأرواح الشريرة وهكذا... عندما وقف بولس الرسول -وهو مسجون- أمام الوالي، وتكلم عن الدينونة، يقول لنا الكتاب أن فليكس الوالي ارتعد (أع24: 25)! فالكلمة التي تكلم بها بولس الرسول كلمة خارقه إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ.

كما أن كلمه الله مُميِّزة، تفرز في عقل الإنسان ما هو حلو وما هو خاطئ، الخير والشر. وكلمة الله تميز أفكار القلب ونياته، نيّات الإنسان دفينة داخل قلبه، ولكن كلمه الله تميز وتفرز كل هذه الضعفات.

لذلك فالإنجيل هو عماد التعليم في الكنيسة، وفي البيت، وأيضًا في المجتمع حيث نمارس حياتنا وأعمالنا بفكر الكتاب المقدس. يقول لنا القديس يوحنا الذهبي الفم: "كلمة واحدة من الكتب الإلهية أكثر فاعلية من النار، أنها تليّن قسوة النفس، وتهيِّئها لكل عمل صالح".

إليكم بعذ الأمثله التي توضّح لنا كيف أن الكتاب المقدس هو فكر الكنيسة... الكنيسة توزّع الكتاب على أيام السنة كلها وتعلمنا من خلاله. السنة الكنسية فيها خمس مراحل: (1) أيام الأسبوع بدءًا من الاثنين انتهاءً بالسبت، (2) الآحاد في أيام الأسبوع، (3) فترة الصوم الكبير، (4) أسبوع آلام، (5) وفترة الخمسين المقدسة. والكنيسة تقدم الإنجيل من خلال كتاب القطمارس، حيث نقرأ أجزاء مُختارة من الكتاب المقدس بحسب مناسبة كل يوم، وهكذا يكون الكتاب المقدس مفرودًا أمامنا طوال 365 يومًا. انظروا حلاوه الكنيسة، وكيف تجعل الإنجيل هو فكرها...

(1) في الأيام من الاثنين إلى السبت نقرأ فصولًا من الكتب المقدسة مرتبطة بسنكسار اليوم، لكي نفرح بالقديسين طوال أيام الأسبوع. تستعرض لنا الكنيسة نماذج وأبطال وقديسين من تاريخها؛ وهذه القراءات لها هدف واحد هو الفرح بالقديسين. وهكذا يومًا وراء يوم، وسنة وراء سنة، وجيلًا بعد جيل، يتربّى في داخلنا هذا الفرح بالقديسين.

(2) الآحاد، وكلها مُخصَّصه للحديث عن شخص السيد المسيح الذي هو الرأس، الكنيسة جسد المسيح، والمسيح رأس الكنيسة. في الآحاد نتكلم فيها عن إيماننا بالثالوث الأقدس، وكأننا نفرح بعمل الثالوث في حياتنا: الآب المحب، والابن المحبوب، والروح القدس روح الحب. طوبى للإنسان الذي يحيا في هذا الفرح، فرح الثالوث أو فرح الإيمان بالثالوث.

(3) في الصوم الكبير تغيّر الكنيسة في قراءاتها، وتجعلنا نقرأ نبوات من العهد القديم. الكنيسة في هذا الموسم تريدنا ان نفرح بالتوبة، مثل الابن الضال، والسامرية، والمولود أعمى... الصوم الكبير فترة للتوبة، والتوبة تفرح التائب والكنيسة.

(4) ونصل لأسبوع الآلام، حيث نفرح بالمسيح وبآلامه المخلصة، نفرح بالمسيح الذي صُلِب على الصليب من أجلنا، وفدانا وبدمة الثمين، ورفع خطايانا. نسميها رحله فرح بالآلام.

(5) وأخيرًا الخمسين المقدسة وهي رحلة فرح بالنصرة لأن المسيح قام من بين الأموات.

الكنيسة مؤسسة فرح: مره تجعلنا نفرح بالقديسين، ومرة بإيماننا بالثالوث، ومرة ثالثة بالتوبة، وبآلام المسيح المحيية، وبقيامته من الأموات. فكر الكنيسة هو فكر فرح على الدوام...

هذه هي الرؤية التي تجعلنا نرى عمق الإنجيل داخل الكنيسة...

حين نبني أيّة كنيسة جديدة، نضع في حجر الأساس إنجيلًا. ونضع على المذبح في صلواتنا البشارة. وكل كنيسة فيها منجلية التي يوضع عليها الإنجيل. وعندنا رتبة في الشموسية هي الـ"قارئ"، يقرأ ويفسّر. وعندنا كرامة قراءة الإنجيل، حيث نوقد الشموع ونقف بخوف الله منصتين بكل كياننا.

يقول لنا القديس بولس: «فقط عيشوا كما يَحِقُّ لإنجيلِ المَسيحِ» (في1: 27). اجعل الكتاب أمامك على الدوام، لا تنفصل عن الكتاب المقدس، اجعل عقلك وعملك وفكرك وخدمتك وأقوالك كلها مرتبطة بالإنجيل. إن عدم معرفتنا بالكتب المقدسة هو علّة كل الشرور.

في الكنيسة، الإنجيل هو عقلها وفكرها، هو مصدر كل الصلوات والقداسات والعشيات، هو مصدر كل التسابيح والذوكصولجيات والتسبحات، هو مصدر صلوات الأجبيه التي كلها عبارات إنجيلية.

الإنجيل هو فكر الكنيسة وعقلها، فعش به لأنه «ليس بالخُبزِ وحدَهُ يَحيا الإنسانُ، بل بكُلِّ كلِمَةٍ تخرُجُ مِنْ فمِ اللهِ» (مت4:4).




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx