اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السادسة والأربعون06 يوليه 2018 - 29 بؤونة 1734 ش     العدد كـــ PDFالعدد 25-26

اخر عدد

باقيًا في الوجدان وذاكرة الوطن: اللواء باقي زكي يوسف

06 يوليه 2018 - 29 بؤونة 1734 ش

رحل عن عالمنا الفاني اللواء باقي زكي يوسف (23 يوليو 1931-23 يونيو 2018)، صاحب فكرة استخدام ضغط المياة لإحداث ثغرات في الساتر الترابي المعروف بخط بارليف في سبتمبر عام 1969، والتي تم تنفيذها في حرب أكتوبر عام 1973، وهي الفكرة التي تم تسجيلها باسمه لحفظ حقوقه.

تخرج من كلية الهندسة - قسم ميكانيكا من جامعة عين شمس، والتحق كضابط مهندس بالقوات المسلحة في ديسمبر 1954، وقد عُيِّن رئيسًا لفرع المركبات برتبة مقدم في الفرقة 19 مشاة الميكانيكية بالجيش الثالث الميداني غرب القناة في مايو 1969، وحتى حرب أكتوبر. اُنتُدِب أثناء هذه الفترة للعمل في مشروع السد العالي في شهر مايو عام 1964، وفي فترة عمله شاهد عن قرب عملية تجريف عدة جبال من الأتربة والرمال في داخل المشروع بمحافظة أسوان، وكان ذلك هو بذرة فكرة إحداث ثغرات في الساتر الترابي المواجه لخط برليف، واستمر عمله في القوات المسلحة حتى 1 يوليو 1984، حيث تدرّج حتى رتبة لواء.

ورغم صغر سنه حينها وحضوره وسط قادة كبار، فإنه أطلق الفكرة التي ساهمت في ردّ أرضنا وكرامتنا، وكانت عبقرية الفكرة تكمن في بساطتها، بل وسُجِّلت كبراءة اختراع، وأصبحت تُدرَّس في الكليات والمعاهد العسكرية على مستوى العالم، وهي فكرة استخدام مضخات المياه لفتح ثغرات في خط بارليف. وكان إحدى المعضلات الكبرى في عملية اقتحام خط بارليف كيفية فتح ثغرات في الرمال والأتربة التي لا تؤثر فيها الصواريخ لعبور ناقلات الجنود والمدرعات والدبابات إلى سيناء.

خط بارليف

بعد حرب 1967 قام الإسرائيليون ببناء خط دفاع مكوّن من مخابئ خرسانية سميكة، بهدف تحصين نقاط العبور المحتملة على طول الجانب الشرقيّ لقناة السويس، بحيث يكون قادرًا على تحمّل إطلاق النار الكثيف من الجانب المصريّ، وقد تمت إقامته خلال حرب الاستنزاف من 1967-1970. تميز خط بارليف بساتر ترابي ذي ارتفاع كبير - من 20 إلى 22 مترًا - وانحدار بزاوية 45 درجة على الجانب المواجه للقناة، وقد ضم خط بارليف 22 موقعًا دفاعيًا، و26 نقطة حصينة، وتم تحصين مبانيها بالأسمنت المسلح والكتل الخرسانية وقضبان السكك الحديدية للوقاية ضد كل أعمال القصف، كما كانت كل نقطة تضم 26 دشمة للرشاشات، و24 ملجأ للأفراد بالإضافة إلى مجموعة من الدشم الخاصة بالأسلحة المضادة للدبابات ومرابض للدبابات والهاونات، و15 نطاقًا من الأسلاك الشائكة ومناطق الألغام، وكل نقطة حصينة عبارة عن منشأة هندسية معقدة تتكون من عدة طوابق، وتغوص في باطن الأرض، ومساحتها تبلغ 4000 مترًا مربعًا. وزُوِّدت كل نقطة بعدد من الملاجئ والدشم التي تتحمل القصف الجوي وضرب المدفعية الثقيلة، وكل دشمة لها عدة فتحات لأسلحة المدفعية والدبابات. وتتصل الدشم ببعضها البعض عن طريق خنادق عميقة. وكل نقطة مجهزة بما يمكنها من تحقيق الدفاع الدائري إذا ما سقط أي جزء من الأجزاء المجاورة. ويتصل كل موقع بالمواقع الأخرى سلكيًا ولاسلكيًا. كما كان في قاعدته أنابيب تصب في قناة السويس لإشعال سطح القناة بالنابالم في حالة محاولة القوات المصرية العبور، والتي قامت القوات المصرية الخاصة بسدها تمهيدًا للعبور في واحدة من أعظم العمليات.

وسُمّي الخط على اسم حاييم بارليف، رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي في ذلك الوقت، والذي قاد الإسرائيليين اثناء حرب الاستنزاف في الفترة من 1968 إلى 1970. وكان هدفه من هذا الخط فصل سيناء عن مصر بشكل نهائي.

روّجت إسرائيل طويلًا لهذا الخط على أنه مستحيل العبور وأنه يستطيع إبادة الجيش المصري إذا ما حاول عبور قناة السويس، كما ادّعت أنه أقوى من خط ماجينو الذي بناه الفرنسيون بعد الحرب العالمية الأولى. كما درس خبراء العسكرية السوفيتية خط بارليف بشكل دقيق، وأكدوا أن الساتر الترابي لا يمكن تحطيمه إلا بقنبلة نووية!

الفكرة العبقرية:

وكان أحد المعضلات الكبرى في عملية اقتحام خط بارليف كيفية فتح ثغرات في الرمال والأتربة التي لا تؤثر فيها الصواريخ، لعبور ناقلات الجنود والمدرعات والدبابات إلى سيناء.

طرح الضابط باقي زكي فكرته على قائد الفرقة اللواء سعد زغلول عبد الكريم، والذي تحدث مع نائب رئيس العمليات اللواء أركان حرب محمود جاد التهامي، وأخبره أن ضابط برتبة مقدم في فرقته لديه فكرة يريد عرضها عليه، فسأله عن اسمه ولما علم طلب استدعاءه على الفور قائلًا: أعرفه جيدًا، إنه شخص لا يعرف المزاح.

وتم فتح باب النقاش بين قادة كل الأسلحة، كل في تخصصه، ولم يكن هناك مشكلة مبدئية بالنسبة للفكرة، ولكن كان الأهم أن تكون مضخات المياه صغيرة، يمكن تركيبها على القوارب المطاطية، ويمكن المناورة بها لتأمين سلامتها وسلامة الجنود المسئولين عن تشغيلها. وخلال 12 ساعة، ما بين منتصف الليل وحتى الساعة 12 ظهر اليوم التالي، وصلت الفكرة إلى أعلى مستوى في القوات المسلحة، وخلال أقل من أسبوع وصلت للرئيس جمال عبدالناصر، القائد الأعلى للقوات المسلحة. وبذل سلاح المهندسين مجهودًا كبيرًا لتحسين الفكرة في سرية تامة.

ومع بداية الحرب تمكن الجيش المصري من عبور قناة السويس واجتياح خط بارليف، وأفقد العدو توازنه في أقل من ست ساعات، وتمكن من اختراق الساتر الترابي في 81 موقعًا مختلفًا، وإزالة 3 ملايين متر مكعب من التراب عن طريق استخدام مضخات المياه. لقد نجحت قواتنا المسلحة في عبور القناة خلال 4 ساعات بدلًا من 12 ساعة، وكانت قواتنا تتدفق على الضفة الغربية، وفي الساعة 10 مساء كان هناك 80 ألف جندي مصري على الجانب الآخر من الضفة.

هذه الفكرة (إزالة الساتر الترابي) رغم بساطتها، أنقذت 20 ألف جندي مصري على الأقل من الموت المحقق، وفقد العدو توازنه بفضل وعبقرية وإخلاص قواتنا المسلحة، لدرجة أن القادة الإسرائيليين عندما بلغهم خبر بداية عملية العبور وحدوث الثغرات سألوا: كيف ينجح المصريون في فتح هذه الثغرات؟

حصل على نوط الجمهورية العسكري من الدرجة الأولى من الرئيس الراحل محمد أنور السادات في فبراير عام 1974 عن أعمال قتال استثنائية تدل على التضحية والشجاعة الفائقة، في مواجهة العدو بميدان القتال في حرب أكتوبر 1973، كما حصل على وسام الجمهورية من الطبقة الثانية من الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك عام 1984 بمناسبة إحالته إلى التقاعد من القوات المسلحة.

انتقاله من هذا العالم:

تنيح اللواء باقي زكي يوسف في 23 يونيو 2018، عن عمر يناهز 87 عامًا. وفد أصدر المقر البابوي بيانًا ينعي في الفقيد هذا نصّه:

الكنيسة القبطية تنعي اللواء المهندس باقي زكي

تنعي الكنيسة القبطية المصرية الأرثوذكسية، وعلى رأسها قداسة البابا أنبا تواضروس الثاني، بطلًا من أبطال مصر الشجعان، هو اللواء مهندس باقي زكي يوسف، صاحب فكرة استخدام قوة دفع المياه في حرب 6 أكتوبر 1973م، لهدم الساتر الترابي لـ"خط بارليف"، الذي كان –وقتها- رمزًا لتفوق العدو وسيطرته التامة على الضفة الشرقية لقناة السويس، ليفتح الطريق أمام قوات مصر الباسلة للعبور.

وسيذكر التاريخ والوطن حفيد مهندسي مصر العظام بناة الأهرام وصانعي الحضارة والإرث الإبداعي الكبير، عالمين وواثقين أن لأمانة اللواء مهندس باقي زكي يوسف في عمله مكافأة ومجازاة لدى الله في ملكوت السماوات.

وقد نعاه قداسة البابا في اجتماعه الأسبوعي يوم الأربعاء ٢٧ يونيو ٢٠١٨م، بكنيسة التجلي بدير القديس الأنبا بيشوي، وقال قداسته: "أود أن أذكر بالخير ونتعزى في رحيل اللواء باقى زكي يوسف، البطل الذكي المبدع في حرب أكتوبر عام ١٩٧٣م، وكيف أنه ساهم في منظومة الانتصار، وهذا البطل المبدع الذي أوجد فكرة بسيطة للغاية لهدم خط بارليف، والفكرة التي لم تخطر على بال أحد، وحتى أن الفكرة من غرابتها جربّوها حوالي ٣٠٠ مرة قبل ما تُنفَّذ وتُستخدَم في الحرب، وتكون هي مفتاح الانتصار. نعزّي أسرته، ونعزي القوات المسلحة التي ينتمي إليها، ونعزي مصر كلها في رحيل بطل من أبطالها، عنوان للفكر المبدع الذى يمكن أن يساهم في تقدم بلدنا".

وقد أُقيمت الصلاة على روحه الطاهرة ظهر الأحد 24 يونيو 2018 بكنيسة الشهيد مار مرقس بمصر الجديدة، بحضور أصحاب النيافة: الأنبا موسى الأسقف العام للشباب، الأنبا إرميا الأسقف العام مندوبًا عن قداسة البابا (والذي كان في ذلك الوقت في لبنان)، والأنبا مينا أسقف ورئيس دير مار جرجس بالخطاطبة، الانبا اكليمنضس الأسقف العام لكنائس عزبة الهجانة وزهراء مدينة نصر، إلى جانب عدد من الآباء الكهنة. كما حضر مندوبين عن السيد الرئيس والقوات المسلحة، وعدد من المسئولين الحاليين والسابقين، وجمع كبير من الشعب.

ونعى مجلس النواب برئاسة الدكتور علي عبد العال، اللواء مهندس باقي زكي يوسف، أحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة، وأحد رجال قواتنا المسلحة الباسلة، وصاحب فكرة تدمير خط بارليف الحصين لعبور القوات في حرب أكتوبر المجيدة. ووقف مجلس النواب، خلال جلسته العامة اليوم الأحد، دقيقة حدادًا على روح اللواء باقي زكي يوسف، وأخرى على أرواح كل شهداء الجيش والشرطة، وقال الدكتور علي عبد العال، رئيس مجلس النواب: "لعل الجميع يتذكر نصر أكتوبر العظيم، حيث عبرت القوات المسلحة المصرية خط بارليف الحصين، وتدمير هذا الخط أصبح أحد الدروس المستفادة من حرب 1973، وأصبح استراتيجية تُدرَّس في كل الكليات العسكرية.. تحية للواء أركان حرب باقي زكي يوسف قائد تدمير خط بارليف في حرب 1973، وأدعوكم جميعًا للوقوف دقيقة حدادًا على روحه".

وقدم نيافة الأنبا إرميا التعزية باسم قداسة البابا الأنبا تواضروس الثاني، وقال نيافته: "نودع اليوم رجلًا من رجالات مصر الأوفياء، الذين أحبوها وبذلوا من أجلها كل حياتهم... لقد ابتكر اللواء الراحل فكرة هدم خط بارليف المنيع، حيث استطاع بحنكته وبقوة ملاحظته أن يهدم تلك الأسطورة، استطاع أن يطبق ما تعلمه في هندسة السد العالي لهدم هذا الخط المنيع"، مضيفًا: "باسم البابا تواضروس الثاني نقدم التعازي لمصر في هذا الرجل".

وقال الأنبا موسى في كلمته أثناء الجنازة: "إنه اللواء القائد العسكري العالِم، والمفكر الذي أسهم بعمله وذكائه في بناء السد العالي، وخطّط لتحطيم خط برليف. استطاع جيشنا الباسل بفكر باقي أن يدمر خط إسرائيل المنيع. ومع ذلك كان متواضعًا وبسيطًا، وكان ينسب الإنجاز لكل الجيش المصري، ولم يفتخر بإنجازه الشخصي.

ورثى اللواء سمير فرج، مدير إدارة الشئون المعنوية الأسبق، المتنيح قائلًا: "قام بتصميم مدفع مائي فائق القوة لقذف المياه، في إمكانه أن يحطم ويزيل أي عائق أمامه أو أي ساتر رملي أو ترابي في زمن قياسي قصير وبأقل تكلفة ممكنة، مع ندرة الخسائر البشرية". وكشف اللواء سمير فرج، أن هذه المدافع المائية صُنِعت لمصر بواسطة شركة ألمانية بعد إقناعها بأن هذه المنتجات سوف تُستخدَم في مجال إطفاء الحرائق، موضِّحًا أن إدارة المهندسين قامت بالعديد من التجارب العملية والميدانية للفكرة زادت على 300 تجربة اعتبارًا من سبتمبر عام 1969 حتى عام 1972 بجزيرة البلاح بالإسماعيلية، حيث تم فتح ثغرة في ساتر ترابي أُقيم ليماثل الموجود على الضفة الشرقية للقناة. وأوضح أنه تم على ضوء النتائج المرصودة إقرار استخدام فكرة تجريف الرمال بالمياه المضغوطة كأسلوب عملي لفتح الثغرات في الساتر الترابي شرقي القناة في عمليات العبور المنتظرة، وتم نجاح فكرة اللواء الراحل، وعبر المصريون للضفة الأخرى. "ولولا جهد وفكر هذا البطل العظيم لما قامت حرب أكتوبر ٧٣".

وقال الفريق ضاحي خلفان: "لو لم يجعل المصريون في ستة أكتوبر خط بارليف في خبر كان، لما انسحبت إسرائيل كراهية من سيناء". وأضاف: "رحل بالأمس اللواء باقي، ليظل باقيًا في سجل التاريخ العسكري كأحد أبطال مصر".

وقال الفنان نبيل الحلفاوي إن اللواء باقي رمز لإنجاز العبور العظيم، وأضاف: "كان الساتر الترابي يشكل أحد عوائق خط بارليف لاستحالة تسلق الجنود له بمعداتهم.. ومن خلال فكرة بسيطة عبقرية تمت معالجته وذلك بإغراقه بمدافع المياه فتم ضغط ارتفاعه وتماسك قوامه (سبق استخدامها أثناء بناء السد العالي)". وتابع الحلفاوي: "ثار جدل فيما بعد عن حقيقة أصحاب الفكرة، لكن ظل اللواء باقي زكي هو رمز هذا الإنجاز الذي ساهم في العبور العظيم.. رحمه الله وخالص عزائنا لأسرته وأحبائه، وأثرى مصر دوما بأبنائها المخلصين".

نياحًا لروحه الطاهرة في فردوس النعيم، وعزاءً لكل أسرته ومحبيه...




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx