اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السادسة والأربعون31 أغسطس 2018 - 25 ميسري 1734 ش     العدد كـــ PDFالعدد 33-34

اخر عدد

حَيَاتنا سلسلة اختبارات - مجلة الكرازة 17 مارس 2016 العددان 9-10

مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث

31 أغسطس 2018 - 25 ميسري 1734 ش

كل إنسان منا يجتاز في حياته مجموعة من الاختبارات، يتوقف عليها تقييم شخصيته، وتحديد مكانه في الأبدية.

ليس المهم في نوع الاختبار أو مدته، إنما في عمقه ودلالته. يوحنا المعمدان مثلًا، كانت فترة اختباره قصيرة، ربما لم تتعدَّ سنة أو أقل. ولكنه عبّر فيها على نجاح هائل في الخدمة، وتواضع وإنكار ذات، وشجاعة وجرأة، وثمر وفير. من أجل ذلك، اكتفى الله بتلك الفترة القصيرة من الاختبار، وشهد له بأنه أعظم من ولدته النساء وأخذه إليه، وهو في حوالي الثانية والثلاثين من عمره..

كانت فترة اختبار قصيرة. ولكنها كانت كافية.. نفس الوضع بالنسبة إلي فترة اختبار القديسين مكسيموس ودوماديوس، اللذين انتقلا إلى الفردوس في شبابهما. وكذلك القديس ميصائيل السائح الذي وصل إلي درجة السياحة وهو في حوالي الخامسة عشرة من عمره.

أيتساءل أحد ويقول: لماذا يا رب تأخذ مثل هذه النفوس الطاهرة، في تلك السنة المبكرة؟! ويكون الجواب: لقد نجحوا في اختبارهم، وكان كافيًا عليهم ما بذلوه من جهاد.. وبالمثل كان الاختبار لبعض الشهداء والمعترفين..

لقد تم اختبار إيمانهم وثباتهم فيه، واحتمالهم من أجله.. ربما في أيام أو شهور. وكان ذلك كافيًا فنالوا إكليل الشهادة.

على أنه بصفة عامة، قد تؤخذ الحياة كلها كاختبار. لأن البعض قد تمر عليه فترة ضعف أو فتور، لا تدل على طبيعة حياته كلها، وقد تعينه النعمة على تصحيح مسيرته. والله تبارك اسمه – لا يفاجئ الناس بالموت وهم في حالة سقوط، بل يعطيهم فرصة للتوبة.. كما حدث مع القديس أوغسطينوس، والقديس موسى الأسود، والقديسة مريم القبطية، والقديسة بيلاجية. وهكذا يقول الكتاب «انْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ..» (عب13: 7).

والاختبار الذي يجتازه الإنسان قد يكون سهلًا أو صعبًا. آدم وحواء اُختُبِرا بوصية عدم الأكل من شجرة واحدة. أما أبونا إبراهيم فأخذ وصية أصعب: أن يخرج من أهله وعشيرته وبيت أبيه (تك12) إلى حيث لا يدري. فخرج وهو لا يعلم إلى أين يذهب (عب11: 8). وهكذا نجح في الاختبار، وباركه الله. ثم دخل في اختبار أصعب، وهو قول الرب «خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، الَّذِي تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ، وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا، وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ»  (تك22: 2). ولم يتردد هذا القديس في طاعة الأمر، فنال بركة أكثر، وأنقذ الرب اسحق.

أما أبوانا الأولان، إذ فشلا في الاختبار، نالا عقوبة من الله، وطردهما من الجنة، وحُكم عليهما بالموت، لولا أن أُنقِذا بالفداء.

المهم إذًا ليس هو نوع الاختبار، إنما موقف الإنسان منه. سواء كان اختبارًا واحدًا أو عدة اختبارات.

يوسف الصديق اُختُبِر بعداوة إخوته له وبيعهم له للإسماعيليين (تك37: 28). فلم يحقد عليهم، بل على العكس أحسن إليهم وقال لهم «أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرًّا، أَمَّا اللهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْرًا» (تك50: 20). وجُرِّب بأن يكون عبدًا في بيت فوطيفار. فلم يتذمر وأخلص كل الإخلاص، ونجح ونال الثقة حتى صار وكيلًا لفوطيفار في كل بيته..

اُختُبِر يوسف أيضًا بإغراء سيدته له، فرفض ذلك ونجح في الاختبار. واُختُبِر أيضًا بإلقائه في السجن ظلمًا، فلم يحتج. وكانت النتيجة أن رئيس السجن ترك كل شيء في يديه. وخرج من السجن ليكون الثاني في المملكة، ويكون «أَبًا لِفِرْعَوْنَ وَسَيِّدًا لِكُلِّ بَيْتِهِ وَمُتَسَلِّطًا عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ» (تك45: 8).

هناك أنواع كثيرة من الاختبارات ومصادرها. بعضها من حسد الشياطين. مثلما حسد الشيطان أيوب الصديق، الذي «أَعْظَمَ كُلِّ بَنِي الْمَشْرِقِ» كما كان كاملًا ومستقيمًا. وبسماح من الله ضربه بالتجربة الأولى، ففقد كل أبنائه وكل ثروته. ولكنه نجح في هذا الاختبار وقال «الرَّبُّ أَعْطَى وَالرَّبُّ أَخَذَ، فَلْيَكُنِ اسْمُ الرَّبِّ مُبَارَكًا» (أي1: 21).

وكان الاختبار الثاني لأيوب أصعب من الأول، فضُرِب في صحته، وفقد أيضًا كل شيء، حتى احترام أصحابه، واحترام زوجته.. وصبر أيوب، وباركه الله. وأعاد إلي كل شيء وأكثر، وبارك عمره فمات شيخًا وشبعان أيامًا (تك42: 10-17). وقال عنه القديس يعقوب الرسول «هَا.. قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ وَرَأَيْتُمْ عَاقِبَةَ الرَّبِّ» (يع5: 11).

وقد يأتي الاختبار من مضايقات الناس، أو اضطهاداتهم. مثل عصر الاستشهاد الذي اُختُبِرت به الكنيسة في أيام الدولة الرومانية، وكيف صمدت الكنيسة ونجحت في الاختبار، فجعلها الله تمتد إلى أقاصي الأرض، ومنحها المواهب وصنع المعجزات. وجعل الله ذلك الاضطهاد يُختَم بمرسوم ميلان للحرية الدينية الذي أصدره قسطنطين الملك سنة 313م.

أما سوء المعاملة فهو اختبار آخر، قد يحدث في محيط العائلة، أو في جو العمل بين الرؤساء والمرؤوسين، أو حتى في جو المجتمع عمومًا. ويُعرَف به معدن الإنسان، ومدى احتماله أو هياجه...

والاختبار عمومًا: إن نجح فيه الإنسان ينال الإكليل. وفي سفر الرؤيا (رؤ2، 3) في رسائل الرب إلى الكنائس السبع، نرى أمثلة كثيرة من هذه الإكاليل التي أعدها الله للغالبين. فكل من يغلب، أي من ينجح في اختباره، له مكافأت عند الله في الحياة الأبدية، وربما في الحياة الأرضية أيضًا. يقول القديس بولس الرسول «وَأَخِيرًا قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ الْبِرِّ، الَّذِي يَهَبُهُ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، الرَّبُّ الدَّيَّانُ الْعَادِلُ، وَلَيْسَ لِي فَقَطْ، بَلْ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ ظُهُورَهُ أَيْضًا» (2تي4: 8).

الاختبار ذكره الرب في مثل البيتين: اللذين كان أحدهما مبنيًا على الصخر، والآخر مبنيًا علي الرمل (مت7: 24-27). الاختبار جاء إلى كلٍّ من النوعين (الجيد والرديء). قيل في ذلك الاختبار «فَنَزَلَ الْمَطَرُ، وَجَاءَتِ الأَنْهَارُ، وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ، وَوَقَعَتْ عَلَى ذلِكَ الْبَيْتِ». فالبيت المبني علي الصخر لم يسقط. أما المبني علي الرمل، فَسَقَطَ، وَكَانَ سُقُوطُهُ عَظِيمًا.

إذًا لابد أن يستعد الإنسان لملاقاة الاختبار الذي سيتعرض له: يستعد بالإيمان القوي، وبالقلب النقي، وبشركة الروح القدس... وبهذا لا يتزعزع، بل يظل صامدًا. وبالأكثر ينمو في النعمة.

إن اختبار كل شخص، هو أمر نافع له ولغيره. ففي الاختبار: كما يُختبَر هو في إرادته وعمله، فهو أيضًا يَختبر عمل الله معه، وتدخُّل النعمة في حياته، ويزداد خبرة بالحياة الروحية وبحروب الشياطين، وبالتجارب والانتصار عليها.

إن القديس الأنبا أنطونيوس – بوحدته في البرية، وبكل ما قد تعرض له من تجارب – نال خبرة وقوة، بل نال سلطانًا على الشياطين. وهكذا بعد أن عاش تلميذه بولس البسيط فترة معه، أرشده بأن يعيش في الوحدة لكي يختبر حروب الشياطين...

ومن كل هذا، صارت اختبارات الآباء وخبراتهم، دروسًا لنا جميعًا استفدنا بها. ونتعمق بها في المعرفة كلما قرأنا سير القديسين. بل إننا نستفيد أيضًا من قصص سقوط الآخرين كذلك، لنعرف أسباب الفشل ونتائجه، لكي نحترس من تلك الأسباب ونستعد لمواجهتها.

إن الاختبار قد يمس أحيانًا نقطة الضعف في الإنسان. مثال ذلك قصة الشاب الغني، الذي كان قد حفظ الوصايا منذ حداثته. ولكن كانت له نقطة ضعف وهي محبته للمال. وهكذا عندما اختبره الرب بقوله «إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلًا فَاذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي» (مت19: 21). قال عنه الكتاب «مَضَى حَزِينًا». وفشل في الاختبار «لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَال كَثِيرَةٍ».

إذًا أبحث عن نقطة الضعف التي فيك، وأعمل علي علاجها، لئلا يأتيك الاختبار من هذه النقطة بالذات.

وقد يُختبَر الإنسان بالأمراض، أو بالضيقات. ليظهر من هذا الاختبار: هل هو يتذمر، أو يفقد إيمانه بمراحم الله؟ أم هو يقابل ذلك بهدوء وبشاشة وصلاة؟ أم هو في حالة المرض يستعد لأبديته؟ أو هو في حالة الضيقات يقول مع بولس الرسول «لِذلِكَ أُسَرُّ بالضِّيقَاتِ» أو يقول معه «كَحَزَانَى وَنَحْنُ دَائِمًا فَرِحُونَ» (2كو6: 10). إنه اختبار.

وقد يُختبَر إنسان بعدم استجابة صلاته، أو بتأخر استجابتها. بولس الرسول اختبر بعدم استجابة صلاته، عندما طلب أن تُرفع عنه الضربة التي أصابته في الجسد «لِئَلاَّ أَرْتَفِعَ بِفَرْطِ الإِعْلاَنَاتِ». بل استبقى الله تلك الضربة، وقال له «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي» (2كو12: 8، 9). ونجح القديس بولس في الاختبار، وشكر الله على نعمته (1كو15: 10).

أما عن تأخر الله في الاستجابة. فمثلما تأخر الله في منح إبراهيم ابنًا. وكانت النتيجة أنه لجأ إلى الطرق البشرية، فأخذ هاجر لينجب منها...

وقد يكون الاختبار بالسلطة أو المال. فهناك بعض الناس إن ارتفع قدرهم بسلطة نالوها، ترتفع قلوبهم من الداخل، وينظرون إلى غيرهم من فوق، وتتغير معاملتهم لهم!! ولهذا قال القديس أنطونيوس إن احتمال الكرامة أصعب من احتمال الاهانة.. والمال أو الغنى مثل الكرامة أيضًا. قال الشاعر:

لما صديقي صار من أهل الغنى    أيقنت أني قد فقدت صديقي

المواهب هي اختبار آخر: هل يرتفع بها القلب أم يحتفظ بتواضعه؟ مثال ذلك الذين يفتخرون بموهبة الألسنة (إن كانت حقًا، ويظنوها علامة على الملء!!) أو قول الكتاب عن هاجر، إنها «وَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهَا حَبِلَتْ صَغُرَتْ مَوْلاَتُهَا فِي عَيْنَيْهَا» (تك16: 4).




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx