اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السادسة والأربعون31 أغسطس 2018 - 25 ميسري 1734 ش     العدد كـــ PDFالعدد 33-34

اخر عدد

كيف تستخدم عينيك؟

قداسة البابا تواضروس الثانى

31 أغسطس 2018 - 25 ميسري 1734 ش

ونحن نحتفل بعيد العذراء، دعونا نأخد صفة نافعة لحياتنا العملية وهي كيف تستخدم عينيك؟ هناك من له نظرة سلبية على الدوام، وكثيرًا ما تكون نظرته سودوية. وآخر نظرته لأي شيء يكون فيها الطابع الإيجابي. أمنا العذراء مريم حين حضرت عرس قانا الجليل (يو2)، وكانت هذه المناسبة أحد أهم المناسبات المجتمعية في المجتمع اليهودي قديمًا، حيث يستمر العرس لأسبوع كامل، وكان المعتاد أن يقدموا مشروبًا للضيافة وهو عصير العنب. وحدث أن المشروب فرغ، فقالت أمنا العذراء بمنتهى الهدوء: «ليس لهُمْ خمرٌ»... ثلاث كلمات بسيطة، لأنها لا تريد أن يُعرَف الموضوع. نظرتها كانت بمنتهى البساطة، وهكذا علمتنا كيف نعالج أي موقف بأقل عدد من الكلمات. هناك من يرتبك، وآخر ينزعج، وثالث يرمي اللوم على الآخرين... وردّ عليها المسيح: «ما لي ولكِ يا امرأةُ؟ لَمْ تأتِ ساعَتي بَعدُ»... وكان السيد المسيح يقصد ساعة الصليب، وردت هي ردها الجميل، والذي يُحسَب أقصر عظة: «مَهما قالَ لكُمْ فافعَلوهُ»، وهكذا حلّت الموقف بمنتهى الهدوء.. في المقابل هناك مَثَل مصري يقول: "فلان يعمل من الحبة قبة"، أي أنه يكبّر أي شيء مهما كان صغيرًا، يجعل الحبة الصغيرة مثل حبة الأرز تصير قبة كبيرة.
حين خلق الله الإنسان على صورته وشبهه، وجعل له عينين وأذنين وحواسًا مقدسة، وكنيستنا تعلمنا أن نقرأ الإنجيل كثيرًا لكي تتقدس أعيننا وتصير طاهرة، وتعلمنا حين نصلي "أبانا الذي في السموات..." أن نرفع أعيننا إلى فوق، لكي تصير عيوننا سماوية وليست ترابية. وحين يقول الشماس: "أيها الجلوس قفوا... وإلى الشرق انظروا..." فهي تعلمنا نفس الشيء... كل هذه الأفعال لكي ما تجعلك تقدّس عينيك وجميع حواسك.
+ نقرأ أن آدم وحواء قبل الخطية لم يكونا يعرفان أنهما عريانان، وبعد الخطية خجلا من عريهما، خاف آدم واختبأ من الله، فنادى الرب الإله آدم وقال له: «أين أنت؟»، فقال: «سمِعتُ صوتَكَ في الجَنَّةِ فخَشيتُ، لأنّي عُريانٌ فاختَبأتُ» (تك3).
خلق الله الطبيعة الجميلة بما فيها من أشجار وحيوان وثمار حسنة المنظر، لكن هذا المنظر الجميل كان منظرًا معطِّلًا لآدم وحواء، وبدأت أعينهما تنفتح «فرأتِ المَرأةُ أنَّ الشَّجَرَةَ جَيِّدَةٌ للأكلِ، وأنَّها بَهِجَةٌ للعُيونِ»، وهكذا صارت الثمرة التي خلقها الله للطعام، مبعثًا للخطية، وبدأت سلسلة كبيرة من خطايا الإنسان من آدم وحواء، وصارت العين هي المدخل الأول للخطية... لذلك من أساسيات الحياة الرهبانية أنها نشأت في الصحراء ولم تنشأ في الوادي، وتعلمنا من الآباء أن "النظر في القفر يميت من النفس الشهوات".
+ مثال آخر لذلك نوح وأبناؤه، «فأبصَرَ حامٌ أبو كنعانَ عَوْرَةَ أبيهِ، وأخبَرَ أخَوَيهِ خارِجًا. فأخَذَ سامٌ ويافَثُ الرِّداءَ ووضَعاهُ علَى أكتافِهِما ومَشَيا إلَى الوَراءِ، وسَتَرا عَوْرَةَ أبيهِما ووجهاهُما إلَى الوَراءِ. فلَمْ يُبصِرا عَوْرَةَ أبيهِما» (تك9: 22-23)... رأت عينا حام ما لم يكن يصحّ أن يراه، وأمّا أخواه فضبطا أعينهما.
+ داود النبي كان مستريحًا ومسترخيًا، ثم طلع ليتمشّى على السطح، ورأى امرأة أوريا، وكان ما كان من سقوط وقتل. بدأت سلسة من الخطايا بنظرة عين، حينما لم يحفظ عينيه بدأ طريق سقوطه، وإن كنا نحتفل بتوبته حينما قال: «خَطيَّتي أمامي كُلَّ حِين».
لذلك أيها الأحباء، معظم خطايانا إن لم يكن كلها بدأت بالعين والقليل بالأذن. 
+ مثال آخر شمشون والذي بدأت كل مشاكله بالعين، رأى امرأة زانية فدخل إليها، ثم أحب دليلة وكانت النهاية التي بسببها ضاع شمشون وضاعت قوته. 
ربما لذلك جعل الله على العين جفنًا يمكن أن يغطيها لتتحاشى رؤية شيء معثر، فمن الممكن بمنتهى الإرادة أن تغلق عينيك.
+ سليمان الحكيم قال: «وَمَهْمَا اشْتَهَتْهُ عَيْنَايَ لَمْ أُمْسِكْهُ عَنْهُمَا» (جا2: 10)، وفي نفس السفر قال: «بَاطِلُ الأَبَاطِيلِ، قَالَ الْجَامِعَةُ: بَاطِلُ الأَبَاطِيلِ، الْكُلُّ بَاطِلٌ». وقال في سفر الأمثال: «هذِهِ السِّتَّةُ يُبغِضُها الرَّبُّ، وسَبعَةٌ هي مَكرَهَةُ نَفسِهِ: عُيونٌ مُتَعاليَةٌ...» (أمثال6: 16–17).
هل نظرتك إيجابية للحياة وللزمن الذي نحن فيه؟ للخدمة؟ للكنيسة؟ للخدام كلٍّ واحد بحسب موقعه؟ وأتجاسر وأقول: هل نظرتك لتربية أولادك إيجابية؟ فأحيانًا تجد الأب دائم العقاب لابنه أو ابنته، فينمو الابن شخصًا مهزوزًا في حياته. بينما هناك أب ابنه كبير في عينيه، لأنه نظر إليه نظرة إيجابية، فيكبر ابنه وعنده ثقة في النفس. وهناك من ينتقد أبناءه ويحبطهم طوال الوقت... وكل هذه النظرات السلبية لها انعكاسات في التربية. 
حين تنظر إلى وردة، هل تراها جميلة رغم بعض الأشواك، أم ترى شوكًا نبتت في وسطه وردة؟
هناك من يشعر أن راتبه لا يكفي شيئًا، وآخر يقبله بشكر متوقعًا بركة الرب. أتذكر قصة فات عليها وقت طويل، شخصان تقدما لشغل وظيفة في أحد المصانع، أحدهما لم يستمر في العمل وقال لي: سيعطونني مرتبًا بسيطًا، 90 جنيهًا لا تكفي لشيء. ولما سألته عن زميله الآخر قال لي إنه رفض ترك العمل قائلًا إن 90 جنيهًا أفضل من الجلوس في المنزل بدون عمل. وبعد مدة طويلة، الذي ارتضى بالعمل بمرتب بشيط هو الآن في مكانة عالية جدًا، بينما الآخر ما زال يتنقل من وظيفة لأخرى دون أن يحقق شيئًا. 
أحيانًا نسمع أن الدولة تنفذ مشروعًا، فهناك من تكون نظرته إيجابية، وآخر ينصت للأكاذيب أو الإشاعات، ويبدأ يشكك في هذا العمل... 
بعض المشاهد الإيجابية للعين 
+ داود النبي يقول في المزمور: «إليك رفعت عينيّ يا ساكن السماء»، عيناه دائمًا في السماء، عيون سماوية، دائمًا مرفوعة تطلب الله، يعرف أن يده قوية وذراعه رفيعة.
+ دانيال النبي حين أُلقي في جب الأسود، وناداه الملك، فردّ «إلهي أرسل ملاكه وسد أفواه الأسود»، لقد رأى المعونة والحفظ الإلهي ولم يرتعد من الأسود.
+ بطرس الرسول حين نظر للسيد المسيح أستطاع أن يمشي على المياه، ذلك لأن عينيه كانت تستمد قوة من شخص المسيح، ولكن حين حوّل عينيه وابتعدتا عن شخص المسيح سقط. 
+ ولهذا السبب يوجد حامل الأيقونات في كنائسنا، وفي وسطه صليب، والقديسون حوله، لكي نظل ننظر إليهم ونحن واقفون متطلعون جهة الشرق، عيوننا على هؤلاء كأنهم الصف الأول في السماء. 
+ القديس اسطفانوس عندما كان يُرجَم، كان يرى السماء مفتوحة ولا يرى الناس وهي ترجمه، وقال: «يا رب لا تقم لهم هذه الخطية».
الخلاصة 
يقول لنا الرب يسوع: «سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ، فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّرًا، وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ مُظْلِمًا، فَإِنْ كَانَ النُّورُ الَّذِي فِيكَ ظَلاَمًا فَالظَّلاَمُ كَمْ يَكُونُ!».
ونحن نستعد لنهاية السنة القبطية، ونحتفل بعيد العذراء، دعونا نأخذ منها هذه النظرة الإيجابية. راجع حياتك، هل عيناك تتعبك؟ هل هما مدخل للخطية وسبب في سقوطك؟ خذ عهدًا أمام الله أن ترفع عينيك ناحية السماء، اطلب منه أن تكون عينك إيجابية، وأن تنظر للحياة - ولا أقصد المجال الكنسي أو الخدمة فقط، بل كل حياتك – نظرة إيجابية، وأن تكون نظرتك للناس متوازنة. 
إذا كانت عينك بسيطة نقية إيجابية، جسدك كله يكون نيرًا. وإذا كانت عينك شريرة، يكون جسدك كله مظلمًا.
احذر لئلا تكون عينك هي مدخل للظلام والسلبيات والخطية والسقطات، بل اجعل عينك بسيطة ونقية وإيجابية في كل عمل صالح، واذكر دائمًا اختبار داود «رفعت عينيّ إلى الجبال من حيث يأتي عوني».



  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx