اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السادسة والأربعون14 سبتمبر 2018 - 4 توت 1734 ش     العدد كـــ PDFالعدد 35-36

اخر عدد

كيف يكون الانسان مستعدًا؟ - كلمة قداسة البابا تواضروس الثاني يوم السبت 8 سبتمير 2018م، في قداس الأربعين لمثلث الرحمات نيافة الأنبا إبيفانيوس، بدير القديس أنبا مقار

قداسة البابا تواضروس الثانى

14 سبتمبر 2018 - 4 توت 1734 ش

ونحن في نهاية أيام هذه السنة القبطية وعيد النيروز، الكنيسة تجعل كل قراءاتها حول الاستعداد، وحول اليوم الذي فيه يلاقي الإنسان الله. وتكون هذه الأيام الأخيرة فرصة جيدة لمراجعة النفس. في هذا الفصل (مت25: 31-46) يتكلم عن الخراف والجداء، ويقول الرب للخراف الكلمة التي نشتهي جميعًا أن نسمعها «تعالَوْا يا مُبارَكي أبي...»، بينما يقول للجداء: «اذهَبوا عَنّي يا مَلاعينُ...». من الأمور الهامة لنا جميعًا سواء أكنّا رهبانًا أو في الحياة العامة أو خدامًا، أن يقف الانسان أمام هذا الصوت: ماذا تريد أن تسمع؟ أتريد أن تسمع «تعالَوْا يا مُبارَكي أبي...»، هذه الكلمات القدسية التي تسمعها من فم المسيح يدعوك، أم تحترس لهذه الكلمات «اذهَبوا عَنّي يا مَلاعينُ...»، وهي بمثابة حكم نهائي... يقف الإنسان ليتدبّر ويراجع أيام حياته. لذلك في هذه المناسبة، ونحن نجتمع في هذا التذكار بمرور أربعين يومًا على رحيل حبيبنا نيافة الأنبا إبيفانيوس، إنما تكون فرصة لنا جميعًا لنفكر: كيف يكون الانسان مستعدًا حتى يسمع ذلك الصوت المفرح: «تعالَوْا يا مُبارَكي أبي...»؟ سأذكر لكم ثلاثة أشياء ربما تكون عناصر أساسية في مراجعة النفس:

1- حفظ الهدف:

الله عندما خلق الإنسان خلقه لهدف، ومهما عاش الإنسان سنين كثيرة فلا بد أن يكون له هدف يحافظ عليه. البعض يختار أن يكون راهبًا أو خادمًا أو أن يعمل في العالم، البعض يدرس أو يتكلم... في النهاية يجب أن يكون لك هدف نقي ومفيد، وبقدر ما يكون الهدف مفيدًا، تصبح حياتك مفيدة لكل أحد. نحن في مجتمع الدير، عندما يختار الإنسان حياته الرهبانية، يكون اختار بإرادته الالتزام بهذه الحياة، وهذا مانراه في حبيبنا الذي رحل عنا، كيف كان حافظًا للهدف، فهو بعد أن أتم دراسته اشتهى هذه الحياة، واستمر فيها عشرات السنين، ولم يتخلَّ عن الهدف أن يصبح راهبًا ملتزمًا عارفًا.

حفظ الهدف أحد المعايير الرئيسية التي تقف عندها وأنت تستعد لعام قبطي جديد، هل هدفك محفوظ؟

توجد حروب كثيرة وتجارب، ولكن طوبي لمن يخلص. حفظ الهدف أحد الوسائل التي تراجع بها نفسك، فربما يكون قد حدث تغيُّر أو انحرف أو ضعف... ولذلك لا تنسوا الهدف الذي خرجنا من أجله. والإنسان الذي يحيا في أسرة له هدف، والذي في عمل له هدف. هذه النقطة أولية يمكن أن يراجع الإنسان نفسه عليها.

2- طاعة الوصية

الله أعطانا الكتاب المقدس، وكل ما فيه سُجِّل بالوحي المقدس عبر عشرات السنين إلى أن وُجِد في أيدينا، ولكن يغيب عن الإنسان طاعة وصية الكتاب المقدس. في رسالة فيلبي يقول القديس بولس: «فقط عيشوا كما يَحِقُّ لإنجيلِ المَسيحِ» (في1: 27)، والحياة الرهبانية في أساسها حياة إنجيلية حسب الوصية. طاعة الوصية هي مقياس يمكن أن يقيس عليه الإنسان مقدار حياته الروحية. مَنْ هم الذين يباركون الله إلّا الذين عاشوا حسب الوصية؟ وأقصد بالطاعة هي التي يمارسها الإنسان في حياته. قد يتشتّت الإنسان بين قراءات كثيرة ولكن الحاجة إلى واحد، هذا الكلام لنا جميعًا، ولكن لآباء الدير بصورة خاصة لأنهم كرّسوا كل أوقاتهم من أجل الشبع بالكلمة المقدسة، ولذلك انظر إلى موقع الكتاب المقدس في حياتك... كان نيافة الأنبا إبيفانيوس شخصًا يتلو آيات الكتاب، وكان يحيا الحياة الإنجيلية الصادقة. هوذا الاستماع أفضل من تقديم الذبيحة (1صم15: 22).

3- نمو المحبة:

الله يعطينا أعمارنا لننمو في المحبة، ولن نأخذ معنا سوى المحبة ومقدارها ونموها. العالم في صراع مستمر، ومحبة المال أصل لكل الشرور، ولذلك المحبة تبرد.. وربما تقلّ.. وربما تختفي. صار العالم ممتلئًا بآلاف الأديرة وهي مجتمعات المحبة، وكنز كل دير المحبة التي فيه، وإن اختفت المحبة لا يصير للحياة الرهبانية أي معنى. دوام المحبة هو أصل الحياة الديرية، إنه مجتمع ملائكي. اسأل نفسك عن مقدار المحبة التي تحصدها كل يوم، كيف تعيش بالمحبة وكيف تمارسها؟ كما يقول الكتاب: «لأنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قد انسَكَبَتْ في قُلوبنا بالرّوحِ القُدُسِ المُعطَى لنا» (رو5:5)، نأخذ المحبة من الصليب ومن الله.... وهذا المعيار الثالث كان واضحًا في حياة أنبا إبيفانيوس، فقد كان مُحِبًا ومحبوبًا في اللقاءات والمؤتمرات التي حضرها، وكانت محبته وسيلة تعليم.

ونحن نتذكر مرور أربعين يومًا على رحيله، نرفع قلوبنا إلى السماء، ونعلم أن الحياة تمر في سنوات كثيرة، ولكن نعلم أن الله ضابط الكل وهو يدبّر كل شيء. إذا كنا قد تعرضنا لهذه الأزمة، ولكن هي ساعة لنستيقظ الآن ونراجع أنفسنا، كل واحد يراجع نفسه، فسوف تقف وحيدًا أمام الله، وتنتظر منه هذه الكلمات إذا كنت رائعًا: «تعالَوْا يا مُبارَكي أبي...»، أمّا إذا كان موقفك مختلفًا، فسوف تستمع لكلمات رهيبة هي بمثابة الحكم الأخير: «اذهَبوا عَنّي يا مَلاعينُ إلَى النّارِ الأبديَّةِ المُعَدَّةِ لإبليسَ ومَلائكَتِهِ»... الله لا يسمح أن يستمع أحد إلى هذه العقوبة الأبدبة، بل ليعطنا أن نسمع من فيه هذه الكلمات المباركة: «تعالَوْا يا مُبارَكي أبي، رِثوا الملكوتَ المُعَدَّ لكُمْ منذُ تأسيسِ العالَمِ».

يا إخوتي إن كانت الكنيسة قد تعرّضت لهذه الهزّة، ولكننا ننظر لها بمثابة إفاقة واستيقاظ لنا جميعًا. نيافة الأنبا إبيفانيوس قد رحل عنا، وكانت الظروف صعبة، ولكن هذا الرحيل جرس إنذار لنا جميعًا، لذلك ودعناه بفرح للسماء، وهاهو ينعم في السماء، ونحن أمامنا الطريق. فلنراجع هدفنا والوصية والمحبة...

بِاسم كل الآباء الحضور معنا، وبِاسم كل المجمع المقدس، وكل الهيئات الكنسية، نقدم العزاء ونعزي أسرته المباركة والآباء في هذا الدير. تعزية لكل الذين أحبوه وخدموا معه. نعزي كل الذين زاملوه وعرفوه عن قرب، ونشكر كل المسئولين في محافظة البحيرة. يعزينا الله جميعًا، ويملأ قلوبنا بفرح، ونرفع قلوبنا للسماء. ولإلهنا المجد الدائم آمين.


  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx