بمناسبة بدء العام القبطي الجديد، نود أن نتكلم عن أنواع من البداية وكيف انتهت، واضعين أمامنا هذه الأنواع الأربعة؛ باحثين عن أنفسنا في أي نوع منها نوجد، مجتهدين أن نصحّح وضعنا لكي ما نصل إلى تلك النهاية السعيدة. وهذه هي أنواع البداية:
(1) بداية سيئة ونهاية سيئة: مثل إنسان وُلِد بعيدًا عن الله، وعاش دون أن يحاول أن يعرفه، فمات ولم يُكتب في سفر الحياة في السماء، وانتهى نهاية سيئة فلم يستفد بخلقته وتلك الفرصة التي منحها الرب له لكي ما يحيا إلى الأبد حياة سعيدة.
(2) بداية حسنة ونهاية سيئة: وهذا يذكّرنا بالشيطان الذي بدأ ملاكًا عظيمًا في أبهى وأجمل صورة، لكنه سقط في الخطية بل صار مصدرًا للخطية.. وأيضًا قايين الذي معنى اسمه "قنية من الله"، إذ لم يسلك سلوكًا سليمًا في تقديم الذبيحة رُفِضت، فامتلأ حقدًا وحسدًا وصار قاتلًا لأخيه وانتهى نهاية سيئة. والناس الذين كانوا في أيام أبينا نوح البار ساروا في طريق الشر؛ لدرجة أن الوحي عبّر لنا عن أن الله تأسّف في قلبه أنه خلق الإنسان برغم أن البشرية خُلِقت على صورته البهية. ويهوذا الإسخريوطي بدأ تلميذًا للرب بين الاثني عشر، وكان متميزًا إذ كان الصندوق معه، وأخرج شياطين مثل باقي الرسل، لكن محبة المال أضاعته وخان سيده، وانتهى يائسًا من رحمة الله وهلك. ونيقولاوس الشماس الذي اختير ضمن السبعة لأتهم مملوئين من الروح القدس والحكمة، انتهى بأن صار مبتدعًا مُبغَضًا من الرب هو وأعماله وأتباعه (رؤ2: 6). وآخرون كانوا خداما معاونين مع بولس الرسول وانتهوا بأن قال عنهم «كنت أذكرهم لكم مرارًا، والآن أذكرهم أيضا باكيًا وهم أعداء صليب المسيح» (في3: 18). ومثل هؤلاء الذين تركوا الكنيسة نتيجة عثرة أو شهوة أو سقطة دون أن يتوبوا؛ فخسروا كل تعبهم بعدما بدأوا بداية حسنة.
(3) بداية سيئة ونهاية عظيمة: حقًا ما أجمل أن ينتهي الإنسان نهاية حسنة مهما كانت نوع البداية التي بدأها في حياته. ولنضع أمامنا بعض الأمثلة تشجعنا في حياتنا وتدفعنا للأمام. لعلنا نتذكر موسى النبي الذي بدأ مندفعًا فقتل المصري، لكن الله أدخله مدرسة البرية، ليتعلم فيها ما لم يتعلمه حين تهذب بكل حكمة المصريين، حتى انتهى إلى أن قيل عنه إنه كان حليمًا أكثر من الكل (عد12: 3). ولننظر إلى بولس الرسول العظيم؛ في بدايته اضطهد كنيسة الله بإفراط، لكن تغيرت حياته بعدما ظهر له الرب في الطريق إلى دمشق، وانتهت حياته رسولًا عظيمًا وكارزًا للأمم في قارات مختلفة في بلاد عديدة، بل تعب أكثر من جميع الرسل، وأخذ إكليل الرسولية وإكليل الشهادة وإكليل البتولية. ولاوي الذي هو متى العشار بدأ عشارًا منبوذًا، وانتهى تلميذًا عظيمًا من الاثني عشر الذين تبعوا الرب وعاشوا معه، وكتب لنا إنجيلًا. ولنذكر قصة أريانوس الوالي الذي كان أقسى من عذّب المسيحيين، وعلى يديه سُفِكت دماؤهم بغزارة، لكنه آمن أخيرًا بالسيد المسيح وصار شهيدًا على اسمه. وفي بستان الرهبان قصة عجيبة عن توبة رئيس عصابة لصوص أيام الأنبا دانيال، عندما شُفيت راهبة عمياء بغسل عينيها بماء غسل قدمي اللص على أنه الأنبا دانيال، وانتهت حياة هذا اللص راهبًا صالحًا عند قدمي الأنبا دانيال. وهكذا بداية ونهاية قديسين مثل أغسطينوس وبائيسة وموسى الأسود ومريم القبطية.
(4) بداية جيدة ونهاية جيدة: وهذه هي أجمل حياة يمكن لإنسان أن يحياها. مثل السيدة العذراء الطاهرة مريم؛ عاشت كل حياتها في طهر ونقاوة وقداسة حتى أصبحت أطهر وأقدس امرأة في الوجود. ومثل يوحنا المعمدان الذي بدأ حياته بداية رائعة جدًا من أبوين قديسين، وانتهت حياته شهيدًا للحق لأجل الرب.
نتأمل كل هذه البدايات والنهايات؛ راجين من الرب أن يهبنا نهاية سعيدة مفرحة. آمين.