اسم المستخدم

 

كلمة المرور

 

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السادسة والأربعون12 أكتوبر 2018 - 2 بابه 1734 ش     العدد كـــ PDFالعدد 39-40

اخر عدد

تعزية قداسة البطريرك إغناطيوس أفرام الثاني بطريرك أنطاكية وسائر المشرق الرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم أجمع ألقاها نيافة المطران مار اكليموس دانيال

12 أكتوبر 2018 - 2 بابه 1734 ش

صاحب القداسة أخينا البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، الكلي الطوبى والجزيل البر. بعد المعانقة الأخوية والسلام بالرب نقول:

ببالغ الأسى والأسف تلقينا نبأ انتقال المثلث الرحمة الأنبا بيشوي مطران دمياط وكفر الشيخ، ورئيس دير القديسة الشهيدة دميانة بالبراري، والسكرتير الأسبق للمجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية الشقيقة؛ من هذه الحياة الباطلة إلى الحياة الباقية.

كان رحمه الله قامة روحية كبيرة، دافع عن الإيمان الأرثوذكسي بكل ما أنعم الله عليه من مواهب وعِلم. كان لاهوتيًا عظيمًا، ورائدًا من رواد الحركة المسكونية، كما كان له الفضل العميم في إبراز غني لاهوت كنائسنا الأرثوذكسية الشرقية في الحوارات اللاهوتية الرسمية مع الكنائس الأخرى، وفي مجالس الكنائس التي كان له الدور الأكبر في تطوير عملها، لاسيما في الشرق الأوسط. ولا تغيب عن بالنا الكتب الكثيرة التي ألّفها ونشرها حول مختلف المواضيع اللاهوتية العقائدية وسواها، وقد صحّ فيه قول الرسول بولس: «قد جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي، حفظت الإيمان، وأخيرًا قد وُضِع لي إكليل البر».

أمام هذا المصاب الأليم لا يسعنا إلّا أن نتقدم من قداستكم، ومن آباء السنودس المقدس في كنيستكم الشقيقة، ومن راهبات دير القديسة الشهيدة دميانة، وإيبارشية دمياط وكفر الشيخ؛ بتعازينا القلبية الحارة، باسمنا وباسم أصحاب النيافة الأحبار الأجلاء أعضاء مجمعنا السرياني الأرثوذكسي الأنطاكي المقدس، متضرعين إلى الرب يسوع المسيح القائم من بين الأموات أن يتغمّد الراحل برحمته الواسعة، ويجعل نصيبه مع الوكلاء الأمناء، وأن يُسمعه صوته العذب القائل: «تعالوا إليّ يا مباركي أبي، رثوا الملك المُعَد لكم منذ إنشاء العالم».

رحمه الله، وليكن ذكره مؤبدًا، والنعمة تشملنا...

كذلك ألقى نيافة المطران مار ثيئوفيلس جورج صلبيا، مطران جبل لبنان للسريان الأرثوذكس، كلمة تعزية ورثاء، ممتدحًا المتنيح الأنبا بيشوي: «كان الأنبا بيشوي خير من يعبّر عن إيمان الكنيسة ومحبته لمصر ومحبته للعروبة والعرب، وكل الذين يحبون الله ويعبدونه بالروح والحق من مسلمين ومسيحيين على حد سواء».

وبعد ذلك قرأ الأستاذ جرجس صالح، الأمين العام الفخري لمجلس كنائس الشرق الأوسط، كلمة الدكتورة ثرية بشعلاني، الأمينة العامة لمجلس كنائس الشرق الأوسط،  والتي قالت: «لقد كان الأنبا بيشوي علّامة في اللاهوتي العقيدي، ذا فكر مسكوني يؤمن بالتقارب ما بين الكنائس في رسالتها في خدمة الإنسان، وعضوا أساسيًا في اللجنة التنفيذية في مجلس كنائس الشرق الأوسط وفي الحوارات المسكونية. فقد لعب دورًا نهضويًا في تشديد أبناء الكنيسة، شاهدًا للإيمان المسيحي الحي. وتوزّع نشاطه بين الحقلين: اللاهوتي والرعائي، فكان يعبّر بصدق عن كهنوت مشرقي يؤمن بالتواصل وتضافر الجهود من أجل حماية كرامة الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله».

كذلك ألقى فضيلة الدكتور طه زيادة، وكيل وزارة الأوقاف بالدقهلية، كلمة عن رجال الدين الإسلامي، جاء فيها: «إنما نقدم العزاء في رجل وطني مخلص، قدم للإنسانية خدماتٍ وطنية عظيمة. رجل كان حريصًا على التواصل والترابط والتلاقي من أجل المصلحة العامة للوطن، ومن أجل السلم والسلام، والأمن والأمان والاستقرار».

الأنبا بيشوي هرم قبطي مصري أصيل

المطران جورج صليبا جبل لبنان

هذا هو الرجل الذي عرفناه وعشنا معه ورافقناه مسيرة نصف قرن، في الحقل الكنيسي والوطني والحركة المسكونية، والحوار المسيحي – المسيحي، والمسيحي – المسلم؛ بقامته الوارفة، وحضوره البارز، ومنطقه السليم، وثقافته الواسعة، ولا سيما في علم اللاهوت والعقيدة والفروقات بين المذاهب، ونظرته الثاقبة للأمور، والتحليل العقلاني الناضج، والعقيدة المقارَنة، والغيرة المكرّسة الوقّادة الرصينة.

عاش الأنبا بيشوي طيلة أيام حياته التي بلغت الخمسة والسبعين عامًا، إنسانًا ملتزمًا، ومحاورًا بعقله ونظافة نفسه وطهر سيرته، ودفاعه عن المقدسات التي آمن بها وصارت جزءًا لا يتجزّأ من حياته، بل قامة مميزة في الإكليروس على مختلف الدرجات والمستويات، وهو المدافع والمانع بامتياز عن كل هذه المعتقدات والقيم، لا يساوم ولا يساير في المُسلّمات الدينية على أنواعها، بل كان صوت المعمدان الشهيد وهو الشهيد الحي دائمًا.

يرجع إليه أصحاب الشأن والرأي يستفسرون في هذه المعتقدات والمسلمات، وكان يجيب كل سائل ويقنعه، بل ينال الجواب المناسب والصحيح غالبًا، ذلك لأنه أتقن كتاب الله العزيز بعهديه القديم والجديد. وقد ألهمه الله وزيّنه ومكّنه بالمعرفة اللاهوتية والكتابية على أعمق ما يكون. بل كان يجمع في عقله وقلبه وسائر أحاسيسه ما هو جيد وبنّاء لهذه الثقافة النادرة.

أحب الكنيسة بكل ما تمثل، وهو الجندي الباسل في معسكرها، وكاروز الحق في رسالته التي كانت جزءًا لا يتجزأ من سيرته ومسيرته. وتعلق بالآباء القديسين والملافنة المختارين والمعلمين الصالحين، يحفظ أقوالهم وتفاسيرهم للكتاب المقدس. وهام حبًا بأشخاصهم وتعاليمهم وسيرتهم، وكانوا الأنوار التي استضاء بها، وأقام من نفسه وصيًا ومحافظًا على هذه الجواهر الكثيرة الثمن، ولم يخفِ هذه الجواهر في صناديق وخزانات مغلقة، بل نشرها ووزّعها وعلّمها للأقربين واللأبعدين، وحيثما يمّم. كانت هذه التعاليم كشهد العسل الذي هو رحيق النحلة التي تفيضه مجانًا على الكائنات ولا سيما البشر، فانتعش به المهتمون وقابلوه، بل تناوله الإكليروس خاصة.

كان حبه لكنيسته القبطية علامة مميزة، وغيرته على إيمانها وعقيدتها ورسالتها السامية كل شيء في حياته، بل ملء حياته. ويسعد الناس بكل تفاسيره ومختاراته من تعاليم آباء الكنيسة وملافنتها ومعلميها، ولا سيما كبار آباء وأعلام الكنيسة القبطية، وسواهم من الآباء الأرثوذكسيين السامي مقامهم، أمثال مار أثناسيوس الرسولي، ومار كيرلس الإسكندري، ومار سويريوس الإنطاكي، ومار أفرام السرياني، ومار يعقوب السروجي. بل كان له في الرهبنة فخر واعتزاز لا سيما مار أنطونيوس أبي الرهبان ومار باخوميوس ومار شنوده الناسك كبير المتوحدين وكثيرين آخرين، ناهيك عن الذين حفظ أقوالهم وسير حياتهم المميزة وصاروا له قدوة، وسعى بكل إمكاناته أن يقلدهم بالمحافظة على انتماءاتهم والعلوم البناءة المباركة، وفي كل هذه الأمور كان حظه من الفائزين.

أما في مواضيع الحوار، فهو العالم العَلَم، المُلهَم المُلهِم، والمحامي الصلب، والبطل الصنديد في تقديم المحبة والدفاع عن معرفته اللاهوتية والكتابية خاصة. بل هو المرجع في حفظه وجمعه كل المراجع التي يقدمها للقارئ والسامع، الطالب والقاصد بالاختصاص، مع عناوين كل المراجع والمصادر. وقد أفاد من هذه الأمور هو وكل من اتصل به وعرفه. لا سيما طلاب كليات اللاهوت ومدارس الأحد، والمواعظ والخطابات التي كان يلقيها في الكنائس وكليات اللاهوت وفي جماعة المؤمنين بعقله الراجح وحسن البرهان.

هذه الصفات والسمات التي ميزت الأنبا بيشوي تجعله أحد أعظم الوجوه والشخصيات التي أنجبتها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. وكان المثلث الرحمات البابا شنوده الثالث قدوته ومثاله الحسن (وحسب التلميذ أن يكون كمعلمه).

أما في حبه لوطنه العزيز مصر، فكان يهيم حبًا بكل ما تمثله مصر من صفاته وامتيازات خصها بها الخالق القدير، وتاريخها المشرف برجالها وشخصياتها الدينيين والعلمانيين والوطنيين، بل أبروشياتها وكنائسها ودور العبادة والمراكز الثقافية، ولا سيما نهر النيل الذي كان يعتبره هبة من الله لمصر الحبيبة، والأهرام والمناطق ومراكز السياحة وخيراتها الطبيعية، وهذه النعم التي أفاضها الله على هذا الوطن النادر والحبيب.

أحب العائلة الأرثوذكسية الشرقية بكل ما تمثل، فهو المعلم الأمين والعالم المخلص في هذه العائلة. يهمه أن يجتمع أبناؤها، ويقيم الحوارات واللقاءات والاجتماعات. وقد بادلته هذه العائلة بلسان حال بطاركتها وأساقفتها وإكليروسها بل قومها عامة. وقد أحب بشكل مميز الكنيسة السريانية الإنطاكية الأرثوذكسية ولغتها السريانية التي أتقن فيها الإنشاد والترتيل والصلاة بكل محبة وغيرة مقدسة.

أما في مجال خدمة الإيبارشية والكنائس والجمعيات والمؤسسات الخيرية والاجتماعية والاهتمام بذوي الحاجة والذين يقصدونه أو يعرف عنهم شيئًا، فهو المبادر أكثر على البذل والعطاء بنفس رضية وقناعة كاملة وأفعاله تشهد له، والعارفون.

أما اهتمامه بإيبارشيته (دمياط وكفر الشيخ والبراري، ودير القديسة دميانة والراهبات العفيفات) فكانت محبته فائقة، وصارت الإيبارشية في طليعة أبرشيات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

الأنبا بيشوي شخصية فريدة ونادرة، قادرة على فعل المعجزات التي تسند المحتاجين، بل هو الشمعة الي تحرق نفسها لتنير للآخرين، بل تضيء على الكل.

أيها الحبيب الأنبا بيشوي، لا تكفيك الكلمات، وهي غير قادرة على التعبير عما فعلته وقدمته في حياتك، ومكافأتك ليس من الناس بل من يسوع الحبيب القائل «أيها العبد الصالح والأمين، كنت أمينًا في القليل أقيمك على الكثير، ادخل إلى فرح سيدك».

وحتى نلتقي في السماء أستودعك محبة ربنا يسوع المسيح الذي له الحمد والشكر إلى أبد الآبدين آمين.

"ويكون اسمك محصى في عداد القديسين والأبرار" (يهوديت 10: 8)

نجم سطع في سماء الكنيسة المنتصرة

نيافة الأنبا بيشوي

عرفت نيافة الأنبا بيشوي منذ 55 عامًا، وكان هذا في مؤتمر عام للخدام والشباب، عقده الأنبا شنوده أسقف التعليم آنذاك في بني سويف، بدعوة من نيافة الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف. حيث جاء الشماس مكرم نيقولا (نيافة الأنبا بيشوي فيما بعد)، إلى مطرانية بني سويف، يسأل عن الطريق إلى دير السيدة العذراء ببياض، والتقينا معًا، وذهبنا معًا إلى المؤتمر، وقضينا 4 أيام لا تُنسى، حيث كانت المرة الأولى التي ينعقد فيها مؤتمر خاص بالخدمة (ألقى فيه نيافة الأنبا شنوده أسقف التعليم وقتئذ 4 محاضرات هامة وتاريخية تخص حياة الخادم وخدمته، وكان أثر هذه المحاضرات وإجابات الأسئلة عظيمًا في حياة الشباب والخدام في الكنيسة كلها، ثم ألقى نيافة الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف محاضرة عن “الخادم والكتاب المقدس”، وبعض المتكلمين الآخرين. ومنذ ذلك التاريخ جمعتنا صداقة روحية، وأصبحنا نلتقي باستمرار، ونتحدث معًا في الأمور الروحية، والتعاليم الكنسية، والإيمان الذي استلمناه من الآباء القديسين.

كان نيافة الأنبا بيشوي المتحدث الرئيسي في كل المؤتمرات التي عقدناها، وبخاصة تلك التي كانت في بيت مارمرقس في أبو تلات بالعجمي، وكان يسكن في حجرة معزولة قليلًا عن باقي الحجرات في الدور الثالث. وقد خصصنا هذه الحجرة لتكون متحفًا تذكاريًا لنيافته، نضع فيها : الكتب والنبذات والأبحاث اللاهوتية والعقائدية، لتظل مزارًا يقدم ذكريات وأحاديث وتعاليم أرثوذكسية آبائية دقيقة، مع بعض التذكارات والصور في مختلف مراحل العمر... تعزيات السماء تسندنا جميعا في نياحة سيدنا الحبيب نيافة الأنبا بيشوي، رفيق العمر في الخدمة منذ شبابنا المبكر وحتى أيام قليلة مضت، حيث تباركت بالتواجد مع جثمانه الطاهر في دير القديسة دميانة، من اليوم السابق للتجنيز ثم أثناء صلاة التجنيز مع الآباء الأساقفة، والكهنة، ومع عشرات الراهبات والمكرسين والمكرسات، حيث كان أول من اهتم بعمل لائحة خاصة للمكرسات، تشرح دورهن وخدمتهن، وأسلوب مستقبلهن، وتأمين حياتهن.

إن نيافته كان حقًا: - لاهوتيًا متميزًا- وروحانيًا بصدق - وكنسيًا باستقامة- مجتمعيًا محبًا لكل إنسان، في كل مكان، ولهذا أحبه المسلمون والمسيحيون جميعًا.

1- لاهوتيًا: حيث كان يشرح الأمور اللاهوتية بمنتهى الدقة، وبمرجعية كتابية وآبائية متميزة. 2- روحانيًا: فقد كان يحيا حياة روحية ممتازة وأمينة ومدققة. 3- كنسيًا: وتعاليمه الكنسية غاية الدقة، ومرجعياتها تاريخ كنيستنا المجيدة، وآبائها الكرام. 4- رعويًا: كان يرعى شعبه بأمانة شديدة ومحبة باذلة، وآخر ما عشته معه أنه قدم 70 ألف جنيه (من بعض رجال الأعمال) لمريض من خارج إيبارشيته لعلاجه بها. 5- مجتمعيًا: فقد جعل من دير القديسة دميانة مزارًا عامًا للمسلمين والأقباط، يطلبون بركة الشهيدة المختارة. كان يشارك في كل المناسبات الوطنية ومعه أبونا بطرس بسطوروس والآباء الكهنة والأراخنة الأقباط. 6- تعميريًا: بنى الكثير من المباني لرعاية الراهبات والمكرسات، وذوي الظروف الخاصة، وتابع كل ذلك بمحبته.

احتمل نيافته كل الآلام ببسالة وشكر. وقد نال أكاليل كثيرة عن جهوده الروحية، واللاهوتية، والرهبانية، والرعوية، والتعميرية، وغير ذلك الكثير.. لقد صار نيافة الأنبا بيشوي شفيعًا جديدًا لنا في الفردوس، مع رب المجد، والسيدة العذراء، والشهيدة دميانة، وكل الملائكة والقديسين. إنه الآن نجم يسطع في سماء الكنيسة المنتصرة، يشفع فينا ويصلي عنا. الرب ينيح نفسه البارة في فردوس النعيم، ويقبل صلواته عنا. الرب يعزينا جميعًا، بشفاعة أمنا العذراء.. وكل الآباء القديسين وبصلوات نيافة الأنبا بيشوي عنا. ولربنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق  
موضوع التعليق  

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx