اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السادسة والأربعون12 أكتوبر 2018 - 2 بابه 1734 ش     العدد كـــ PDFالعدد 39-40

اخر عدد

في صحبة نيافة الأنبا بيشوي

القمص تادرس يعقوب ملطى

12 أكتوبر 2018 - 2 بابه 1734 ش

اليوم إذ سمعت بانتقال نيافة الأنبا بيشوي مطران دمياط وتوابعها ورئيس دير القديسة دميانة ببلقاس، شعرت بنوع من الالتزام لتسجيل بعض لمسات طيبة في حياته سواء في شبابه أو في أسقفيته أو في اشتراكه في المؤتمرات الكنسية ممثلًا للكنيسة القبطية الغير خلقدونية.

سهره في طفولته:

زوجة الأستاذ ألفونس عم مكرم (الأنبا بيشوي) الذي كان يُعتبر كبير الأقباط بدمياط كانت مضطربة لأن الطفل مكرم كان ينام ساعات قليلة جدًا بالليل، وإذ عرضته على أساتذة وأخصائيين قيل لها: «لا تقلقي من جهة قلة نومه، فأعصابه سليمة». والعجيب فيه أنه حتى إن وُجد في حضور أناس يتحدثون ينعس أحيانًا، وحين يقوم يعلق على بعض حواراتهم كمن كان معهم في يقظة يتابع كل ما يحدث معهم.

حرصه على وقته في شبابه:

كان معيدًا في كلية الهندسة جامعة الإسكندرية، تمم رسالة الماجستير (قسم ميكانيكا) في حوالي سنة ونصف، وكان كثيرون مندهشين كيف حصل على درجة الماجستير في الميكانيكا في هذا الزمن القياسي. سألته عن منهجه في تقديم هذه الرسالة، أجابني: سرّ سرعتي هذه هو انشغالي أثناء ركوبي الأتوبيس من أمام كلية الهندسة حتى منزلي بالمنشية حوالي 15 دقيقة أو 20 دقيقة. وأكمل حديثه قائلًا إنه يقضي وقته أغلبه في التجارب العملية في المعمل بالكلية، لكن الدقائق التي يقضيها في الأتوبيس في هدوء كان منشغلًا بنتائج التجارب فيكتشف ما وراء نتائج التجارب من أمور نافعة علميًا. بهذا كان يصل إلى ملاحظات جديدة وهذا هو سرّ قوة الرسالة علميًا.

حديثه هذا دفعني إلى الاهتمام بالأكثر إلى الالتجاء لفترة الهدوء في أثناء العبادة أو الكتابة لكي ينطلق الفكر بقيادة روح الرب لطلب معرفة مقدسة.

حرصه على الوقت كان يظهر بقوة أثناء مشاركتنا في الحوارات في مجلس كنائس الشرق الأوسط التي كانت غالبًا ما تُقام في قبرص أو لبنان وبعضها في بعض الدول الأوربية، فكنا نستغل الوقت من الفترة التي ينطلق فيها كل الأعضاء لزيارة المعالم الدينية. نقضي هذه الفترة ليس في نقد الآخرين وإنما في مراجعة ما نكتبه بخصوص الكنيسة الأرثوذكسية بطريقة إيجابية وآبائية.

لقد أخبرني أكثر من مرة أنه يحتفظ بكل المقالات ومحاضر الجلسات في ملفات منظمة جدًا.

يظهر حرصه على وقته في الفترة ما بين تخرجه وذهابه إلى الدير، إذ كان حريصًا أن يكون أمينًا في كل جوانب حياته وخدمته، أذكر منها:

+ اهتمامه بدراسته وأبحاثه الخاصة برسالة الماجستير.

+ مساعدته للطلبة سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين، خاصة الذين لا تسمح لهم ظروفهم المادية أن يأخذوا دروسًا خاصة.

+ اهتمامه بخدمة الشباب في أكثر من كنيسة.

+ كان يقيم اجتماعات لبعض الأسر لدراسة الكتاب المقدس.

+ حرصه الشديد على نموه الروحي.

+ الاستعداد للالتحاق بالحياة الرهبانية. هذا الاستعداد لم يدفعه إلى التراخي في أيّة خدمة حتى آخر لحظة وهو منطلق إلى الدير. طلب مني نصيحة وهو منطلق إلى الدير، فقلت له إذ أنت متجه إلى الدير لا تدع وجهك يتجه نحو العالم مهما كان الدافع.

+ عُرف لدى هيئة التدريس في قسم الميكانيكا أنه لا يستريح إلى الفكاهة، فإذا لاحظ أحدهم أنه قادم إلى حجرة المدرسين يقول للحاضرين أنه قادم فيصمت الجميع مع تقديرهم ومحبتهم له.

في داخل أسوار الدير:

كعادتي مع كل الذين أعرفهم بصفة شخصية متى التحقوا بالرهبنة لم أطلب مقابلتهم في الدير، لأنني أؤمن أن من يلتحق بالدير لا يطلب مقابلة أحد سوى أبيه الرحي في الدير وزملائه في الرهبنة. فلم أكن أستريح لتصرف كاهن متزوج أن يحضر (سيامة) ابنه في الاعتراف راهبًا. هذا ولم أذكر إنني حضرت سيامة أسقف أو بطريرك في كل حياتي.

شركة في الحوارات مع الكنائس الأخرى:

إذ دعاني قداسة البابا شنوده الثالث أن أشترك في هذه الحوارات مع نيافة الأنبا بيشوي صرت على اتصال به سواء في حضور الحوارات أو الإعداد لمقالات نقدمها باسم الكنيسة. في صحبتي له لاحظت الآتي:

+ حبه للتعلم: في بدء الحوارات كان يدافع عن الكنيسة في غيرة شديدة، لكن لاحظت عليه فيما بعد أنه يدافع بطريقة مقنعة في هدوء. وفي إحدى الجلسات هاجم أحد الأشخاص الكنسية القبطية بطريقة مثيرة، وإذ حاولت الردّ أشار إلىّ ألا أدافع بانفعال وترك الشخص يهاجم حتى توقف. وفوجئت أنه قدم إجابة هادئة دُهِش لها كل الحاضرين. وبعد الجلسة قال: «لقد تعلمت منهم عدم الانفعال واترك الشخص يهاجم حتى النهاية، وبكلمات هادئة مقنعة أتكلم، فأصل إلى الهدف وأكسب الحاضرين».

+ في زياراتنا لمنازل الأقباط خاصة في أوروبا، لاحظت أنه يعطي الاهتمام الأكبر للأطفال والشباب، وكنت أدهش وهو يلاطف الأطفال ويقوم بتحفيظهم بعض الترانيم البسيطة ويرددها معهم. ولعل ما كان يشغله أن الأطفال في الغربة لا يلتقون في ذلك الوقت بأساقفة أو كهنة، فيود تكوين صداقة بينهم وبين الكنيسة الأم.

لا أنسى في أثناء الحديث معه في الأتوبيس ونحن في طريقنا إلى موقع المؤتمر، قلت له: «لماذا تقوم بالتحقيقات الخاصة بالكهنة وأحيانًا الأساقفة؟ ليتك تركز مجهودك في اجتماع روحي أسبوعي لدراسة الكتاب المقدس. أجابني «أن ذلك بناء على طلب قداسة البابا، وأنا لا أستطيع أن أعصاه، وفي نفس الوقت لا أطيق الأخطاء التي يرتكبها القادة خاصة الكهنة». هذا وقد كان قداسة البابا مبهورًا بذكائه الفائق، ولهذا أوكل إليه التحقيق في بعض الشكاوي.

عُرف بسخائه العجيب للمحتاجين، وعندما كان يحكم على كاهن كان يؤكد صرف مرتبه لعائلته.

طلب أحد الأشخاص أن يقدم مشروعًا باسم دير القديسة دميانة لمجلس الكنائس العالمي، وهو يسنده في ذلك. وكانت إجابته قدامي: «إن الملاليم التي يدفعها الفقراء بقلوبهم البسيطة والمُحبة أكثر بركة من الملايين التي يقدمها مجلس الكنائس العالمي من أجل أي مشروع». وأكمل حديثه معي بعد ذلك قائلًا: «المجهود الذي أبذله في تقديم مشروع لحساب الدير أبذله مع أحد الأغنياء غير المتدينين، فأكسب نفسه لملكوت السماوات، وهو أيضًا يدفع العطاء بخساء وبقلب محب بفرح وبهجة».

هذه لمسات بسيطة أردت تقديمها... أما من جهة مقاومته لبعض الأشخاص بسبب اختلاف في فكر لاهوتي معين، فقدم لي أبونا لوقا سيداروس، خاصة وأنه كان زميله وهو معيد في كلية الهندسة بالإسكندرية، توضيحًا رائعًا: أنه لا يوجد في الفردوس حزن ولا ألم... كما يقول الكتاب المقدس، لهذا لا يتعاتب الطرفان بعضهما البعض، لأن كلاهما ينشغلان بالله نفسه وبما وهبهما من أمجاد كما تُمسح من ذاكرتهما كل آثار لهذا الخلاف الفكري، وكأنه لم يحدث قط.

قصة واقعية عجيبة حدثت مع أحد الأحباء بنيوجرسي:

كتب لي أحد الأحباء ما حدث معه: في عام 2009 تفاعلت مع بعض الأحداث الجارية في الكنيسة في مصر، ونظرًا لوجودي في الخارج وصلتني صورة وأخبار غير صحيحة عن نيافة الحبر الجليل أبينا المتنيح الأنبا بيشوي مطران دمياط، فبدأت أهاجم نيافته بشراسة في الجلسات الخاصة وفي العلن، وكنت وقتها أكتب بعض المقالات السياسية والكنسية تُنشر على بعض مواقع الانترنت المهتمة بالشأن القبطي.

وفي أحد الأيام اتصل أحدهم بي من مصر ليحكي لي عن موقف أغضبني جدًا من سيدنا، وأكتشفت بعدها بسنوات إنها قصة مختلفة لم تحدث على الإطلاق عندما تقابلت مع طرف القصة الآخر، فرجعت غاضبًا للمنزل، وكتبت مقالة بعنوان «مسيحنا ومسيح الأنبا بيشوي»، ولأنني كتبتها في وقت متأخر من اليوم، فقررت تأجيل تنسيقها ونشرها لليوم التالي وذهبت للنوم.

رأيت نفسي وكأني في كنيسة دمياط أقف في أخر الصفوف، وشاهدت القديس سيدهم بشاي بملابس الشموسية يقوم بتوزيع لقمة البركة على الشعب حتى أتى نحوي، نظر لي نظرة عتاب هادئة لا يمكن أن أنساها ما حييت، وتركني ومضى دون أن يعطيني لقمة البركة (الأولوجية).

استيقظت من نومي في غاية الانزعاج والقلق، فقد فهمت الرسالة، قمت مسرعًا نحو جهاز الكمبيوتر الخاص بي لمسح تلك المقالة المسيئة لسيدنا، واتصلت بأب اعترافي في مصر (القمص م. و. بالإسكندرية) وحكيت له الموقف والحلم فهدأ من روعي، وذكرني بأيام خدمتي في مصر وخاصة بأحد دور الأيتام، وكيف أن نيافة الأنبا بيشوي شديد الحساسية جدًا نحو الأيتام وكيف يساعد في تجهيزهم، ويأتي خصيصًا للإسكندرية لحضور صلوات الأكاليل الخاصة بهم ليفرحهم كأب حقيقي ويعوضهم عن غياب الأهل.

تذكرت ذلك والندم يؤرقني عن كل كلمة كتبتها وتكلمت بها في حق هذا البار، وتعلمت أن كل ما يُقال من أحداث يتناولها البعض ليس هو الحقيقة المطلقة، فبعض ممن نظنهم يحملون قلوب حديدية يحملون في الحقيقة قلب طفل.

حاللني يا سيدنا وأذكرنا أمام عرش النعمة....

ابنك م.م.]




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx