اسم المستخدم

 

كلمة المرور

 

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السادسة والأربعون09 نوفمبر 2018 - 30 بابه 1734 ش     العدد كـــ PDFالعدد 43-44

اخر عدد

البابا أيقونة حية للمحبة الأرثوذكسية الجامعة

القمص أبرام سليمان

09 نوفمبر 2018 - 30 بابه 1734 ش

قداسة البابا تواضروس الثاني هو أيقونة حية للأب البطريرك الذي يمتلئ قلبه بمحبة لكل الناس والكنائس باختلاف طوائفهم وجنسيتهم وعقائدهم، مع تمسكه بجوهر الأرثوذكسية كعقيدة وكسيرة.

في كل العالم نري أن قداسة البابا مثال رائع للشخصية التي تسعى للوحدة. وهذا واضح جدًا في علاقات ومقابلات قداسة البابا مع رؤساء وقادة الكنائس في العالم كله، وزياراته لهذه الكنائس، وكلها تشهد بقوة أنه شخصية عظيمة جامعة Great Unifying Figure، يعمل بإخلاص من أجل الوحدة المسيحية.

لا شك أن مشيئة ومسرة قلب البابا نحو الوحدة تتفق تماما مع مشيئة ومسرة قلب الله الآب السماوي نحو الوحدة، على نحو ما كتبه القديس بولس الرسول: «[الله الآب] إِذْ عَرَّفَنَا بِسِرِّ مَشِيئَتِهِ، حَسَبَ مَسَرَّتِهِ الَّتِي قَصَدَهَا فِي نَفْسِهِ، لِتَدْبِيرِ مِلْءِ الأَزْمِنَةِ، لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ، مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، فِي ذَاكَ [أي في المسيح]» (أفسس1: 9-10).ـ

أشعر أن روح الله القدوس قد ملأ قلب قداسة البابا باشتياقات قلب المسيح لوحدة المؤمنين. وأستطيع القول إن قداسة البابا تواضروس الثاني له قلب مثل قلب السيد المسيح الذي صلى لله الآب من أجل الوحدة، ومات من أجلها.

في صلاة الرب يسوع لله الآب ليلة آلامه وموته على الصليب المقدس قال: «أَيُّهَا الآبُ الْقُدُّوسُ احْفَظْهُمْ فِي اسْمِكَ. الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي لِيَكُونُوا وَاحِداً كَمَا نَحْنُ» (يوحنا17: 11)، «وَلَسْتُ أَسْأَلُ مِنْ أَجْلِ هَؤُلاَءِ فَقَطْ بَلْ أَيْضاً مِنْ أَجْلِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِي بِكلاَمِهِمْ لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِداً كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضاً وَاحِداً فِينَا لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي. وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لِيَكُونُوا وَاحِداً كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ. أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ وَلِيَعْلَمَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي وَأَحْبَبْتَهُمْ كَمَا أَحْبَبْتَنِي» (يوحنا17: 20-23).

وقد مات السيد المسيح «لَيْسَ عَنِ الأُمَّةِ فَقَطْ بَلْ لِيَجْمَعَ أَبْنَاءَ اللَّهِ الْمُتَفَرِّقِينَ إِلَى وَاحِدٍ» (يوحنا11: 52)، «لأَنَّهُ فِيهِ [في المسيح] سُرَّ [الله الآب] انْ يَحِلَّ كُلُّ الْمِلْءِ، وَأَنْ يُصَالِحَ بِهِ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ، عَامِلاً الصُّلْحَ بِدَمِ صَلِيبِهِ، بِوَاسِطَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَا عَلَى الأَرْضِ امْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ» (كولوسي1: 19-20).

الجميع يشهدون أن ترتيب رحلة قداسة البابا، وما تم أثناء زيارة قداسته كان مثالا رائعا لما يمكن عمله عندما نتحد معًا. لمدة حوالي سنتين تكونت لجنة لترتيب زيارة قداسة البابا في مقر الرئاسة الكنسية بسيدر جروف ولجنة أخرى بإيبارشية نيويورك ونيو إنجلاند، ولجان فرعية مكونة من آباء كهنة وعلمانيين، وعملت هذه اللجان كفريق واحد في تناغم برئاسة قداسة البابا، وتحت ارشاد صاحبي النيافة الأنبا دافيد والأنبا كاراس. خلال هذه الأسابيع الثلاثة الماضية رأينا ثمرة هذا العمل الواحد بمباركة قداسة البابا لكثير من الكنائس والمواقع، ورأينا كل شيء جميل ومنظم ولرائع.

شاهدنا أيضًا الاجتماع العام الذي تم في استاد جامعة راتجرز Rutgers Athletic Center الذي حضره الآلاف من الشعب القبطي والعديد من القادة الكنائس والمسئولين، وكان الاجتماع الأول من نوعه في تاريخ الكنيسة القبطية بالمهجر. هذا الاجتماع شهد بقوة على شخصية قداسة البابا الجامعة وتضامن الشعب القبطي معه.

وكان لزيارة قداسة البابا تأثير رائع على كل المستويات، ولكنني فقط أردت التركيز من جهة وحدة الكنائس. فقد أثرت زيارته علينا جميعًا، بقلبه الواسع وأبوته الغامرة. فقد جمع في حضنه وبابتسامته الرائعة الرسميين ورؤساء وقادة الكنائس والكهنة والعلمانيين والذين نشأوا هنا، والقادمين حديثًا من مصر، والمولودين في الكنيسة القبطية، والذين انضموا للكنيسة.

هذا التأثير الرائع أعطانا فرصة أن نكون متحدين ونمضي قدمًا في مسيرة الوحدة، ونقترب من بعضنا بعضًا حول أبينا الروحي قداسة البابا. وفي كل هذا، كانت شخصية قداسة البابا إلهامًا ومثالًا لوحدة الكنيسة التي نحن في أشد الحاجة لها.

في السنوات القليلة الماضية، أظهر البعض معارضة لقداسة البابا في سعيه للوحدة الكنسية بسبب ما يعتقدون أنه غيرة على الأرثوذكسية. ولكنها في حقيقة الأمر تحمل في طياتها عدم الشعور المخلص باشتياقات قلب الله الآب والرب يسوع وقداسة البابا.

كما أن هذه المعارضة - للأسف - تحمل غيرة ولكنها ليست حسب المعرفة، كما كتب بولس الرسول عن شعب إسرائيل: «أَيُّهَا الإِخْوَةُ إِنَّ مَسَرَّةَ قَلْبِي وَطَلبَتِي إِلَى اللهِ لأَجْلِ إِسْرَائِيلَ هِيَ لِلْخَلاَصِ. لأَنِّي أَشْهَدُ لَهُمْ أَنَّ لَهُمْ غَيْرَةً لِلَّهِ وَلَكِنْ لَيْسَ حَسَبَ الْمَعْرِفَةِ» (رومية 10: 1-2).

هذه المعارضة لمساعي الوحدة المسيحية - بمحاولة الاستناد للبعض النصوص الكتابية، أو أقوال بعض الآباء- تدل على عدم فهم النصوص الأصلية للعهد الجديد باللغة اليونانية، وتدل أيضًا على استعانتهم فقط ببعض المراجع العربية التي تم كتابتها بعد دخول العرب إلى مصر، دون الرجوع إلى أقوال الآباء الأولين Early Church Fathers والأمثلة في هذا الصدد كثيرة، ولكن الوقت لا يسع لذكرها الآن.

الأرثوذكسية – في فكر الكتاب المقدس – تتضمن شرح كلمة الحق بطريقة أرثوذكسية أي "باستقامة" حسب تعبير القديس بولس: «أجْتَهِدْ أَنْ تُقِيمَ نَفْسَكَ ِللهِ مُزَكّىً، عَامِلاً لاَ يُخْزَى، مُفَصِّلاً كَلِمَةَ الْحَقِّ بِالاِسْتِقَامَةِ» (2 تيموثاوس 2: 15).

للأسف يوجد خلط كثير في المفاهيم السائدة، حتى في ذهن بعض الدارسين في عصرنا الحاضر. البعض يخلط بين ما يدعونه "حماية الايمان" مع ما ورد في (فيلبي1: 17) عن "حماية الانجيل". ويستخدمون النص للتحزُّب، مع أنه مكتوب أصلا ضد التحزُّب: «فَهَؤُلاَءِ عَنْ تَحَزُّبٍ يُنَادُونَ بِالْمَسِيحِ لاَ عَنْ إِخْلاَصٍ، ظَانِّينَ أَنَّهُمْ يُضِيفُونَ إِلَى وُثُقِي ضِيقاً. وَأُولَئِكَ عَنْ مَحَبَّةٍ، عَالِمِينَ أَنِّي مَوْضُوعٌ لِحِمَايَةِ الإِنْجِيلِ [الانجيل هو الأخبار السارة أن الرب يسوع جاء في الجسد وتألم ومات وقام من الموات وجلس عن يمين الآب]» (فيلبي 1: 16-17).

كما يخلط البعض بين الإيمان والعقيدة والتعليم والتقليد المقدس مع التقليد البشري، وفي وسط هذا الخلط يدافعون على عن التقاليد البشرية باعتبارها التقليد المقدس، فيقدسون ما هو يبطل وصية الله، دون أن يدروا.

أرجو من هؤلاء أن يراجعوا أنفسهم في ضوء ما جاء عن الكتبة والفريسيين مع الرب يسوع: «جَاءَ إِلَى يَسُوعَ كَتَبَةٌ وَفَرِّيسِيُّونَ الَّذِينَ مِنْ أُورُشَلِيمَ قَائِلِينَ: لِمَاذَا يَتَعَدَّى تَلاَمِيذُكَ تَقْلِيدَ الشُّيُوخِ... فَأَجَابَ: وَأَنْتُمْ أَيْضاً لِمَاذَا تَتَعَدَّوْنَ وَصِيَّةَ اللَّهِ بِسَبَبِ تَقْلِيدِكُمْ؟... فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ وَصِيَّةَ اللَّهِ بِسَبَبِ تَقْلِيدِكُمْ! يَا مُرَاؤُونَ! حَسَناً تَنَبَّأَ عَنْكُمْ إِشَعْيَاءُ قَائِلاً: يَقْتَرِبُ إِلَيَّ هَذَا الشَّعْبُ بِفَمِهِ وَيُكْرِمُنِي بِشَفَتَيْهِ وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيداً. وَبَاطِلاً يَعْبُدُونَنِي وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا النَّاسِ». ثُمَّ دَعَا الْجَمْعَ وَقَالَ لَهُمُ: اسْمَعُوا وَافْهَمُوا» (متى 15: 1-10).

وبينما هم يتكلمون عن «الإيمان المسلم مرة للقديسين» (يهوذا 1: 3)، نسوا أن هذا الإيمان هو "إيمان يسوع المسيح" الذي كتب عنه القديس بولس الرسول: «إِذْ نَعْلَمُ أَنَّ الإِنْسَانَ لاَ يَتَبَرَّرُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ، بَلْ بِإِيمَانِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ faith of Jesus Christ، آمَنَّا نَحْنُ أَيْضاً بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ faith in Jesus Christ، لِنَتَبَرَّرَ بِإِيمَانِ يَسُوع َ faith of Jesus Christلاَ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ. لأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ لاَ يَتَبَرَّرُ جَسَدٌ مَا» (غلاطية 2: 16)، «نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ...» (عبرانيين 12: 2).

الأرثوذكسية تتطلب أيضا السلوك بطريقة أرثوذكسية أي "السلوك باستقامة" حسب تعبير القديس بولس الرسول في (غلاطية 2: 14)، وأن يكون «كُلُّ شَيْءٍ بِلِيَاقَةٍ وَبِحَسَبِ تَرْتِيبٍ» (1 كورنثوس 14: 40).

مهاجمة قداسة البابا – بصورة مباشرة أو غير مباشرة – بحجة الدفاع عن الأرثوذكسية هو سلوك غير أرثوذكسي، وعمل غير مسئول، وقد سبّب عثرة لكثيرين. وهو يستحق اللوم مثلما فعل القديس بولس مع بطرس وبرنابا، وقاومه مواجهة «لأنه كان ملومًا» (غلاطية 2: 11-14). وهل يتصورون أنفسهم أكثر غيرة على الأرثوذكسية من قداسة البابا؟

هؤلاء الذين يعارضون قداسة البابا في مسيرته نحو الوحدة المسيحية يجب أن يعلموا أنهم أمام مسئولية خطيرة أمام الرب، وعليهم أن يراجعوا أنفسهم، لأن «مَنْ لَيْسَ مَعِي فَهُوَ عَلَيَّ وَمَنْ لاَ يَجْمَعُ مَعِي فَهُوَ يُفَرِّقُ» (متى 12 : 30؛ لوقا 11 : 23).

من واجبنا – كشعب مسيحي مخلص لتعاليم الله في المسيح ومحب للكنيسة ولقداسة البابا – ألا نسمع لهؤلاء، ونبتعد عنهم، حسب قول القديس بولس الرسول: «وَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تُلاَحِظُوا الَّذِينَ يَصْنَعُونَ الشِّقَاقَاتِ وَالْعَثَرَاتِ خِلاَفاً لِلتَّعْلِيمِ الَّذِي تَعَلَّمْتُمُوهُ وَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ» (رومية 16: 17).

البابا جبار البأس

علاوة على هجوم المعارضين للوحدة المسيحية في داخل الكنيسة، واجه قداسة البابا الكثير من الآلام والضيقات، مثل الهجوم عل الكاتدرائية، وتفجيرات الكنائس، وحرق الكنائس، واستشهاد الكثير من أبنائه وبناته، وقتل نيافة الأنبا أبيفانيوس، ولكنه في كل هذا لم يهتز، ورأيناه جبار بأس مستندًا على قوة الله العاملة فيه (نشيد الانشاد 8: 5).

في مواجهة ريح هذه الضيقات والآلام فاحت من قداسة البابا رائحة المسيح الزكية، كما جاء في سفر نشيد الأناشيد: «اِسْتَيْقِظِي يَا رِيحَ الشَّمَالِ وَتَعَالَيْ يَا رِيحَ الْجَنُوبِ! هَبِّي عَلَى جَنَّتِي فَتَقْطُرَ أَطْيَابُهَا. لِيَأْتِ حَبِيبِي إِلَى جَنَّتِهِ وَيَأْكُلْ ثَمَرَهُ النَّفِيسَ» (نشيد الانشاد 4: 16).

إزاء هذه التيارات أهدي لأبي قداسة البابا الأنبا تواضروس الثاني كلمات السيد الرب: «الرَّبُّ مَعَكَ يَا جَبَّارَ الْبَأْسِ» (قضاة 6: 12)، «هَئَنَذَا قَدْ جَعَلْتُكَ الْيَوْمَ مَدِينَةً حَصِينَةً وَعَمُودَ حَدِيدٍ وَأَسْوَارَ نُحَاسٍ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ لِمُلُوكِ يَهُوذَا وَلِرُؤَسَائِهَا وَلِكَهَنَتِهَا وَلِشَعْبِ الأَرْضِ. فَيُحَارِبُونَكَ وَلاَ يَقْدِرُونَ عَلَيْكَ لأَنِّي أَنَا مَعَكَ يَقُولُ الرَّبُّ لأُنْقِذَكَ» (ارميا 1: 18-19).

عندي الكثير لأكتبه بنعمة ربنا عن قداسة البابا، ولكنني أكتفي بهذا القدر. الرب يحفظ حياة قداسة البابا الأنبا تواضروس الثاني سنين عديدة ذخرًا للكنيسة.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق  
موضوع التعليق  

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx