عاش حزقيال النبي في أرض السبي، واختاره الرب لينادي لشعبه بالتوبة، وللرعاة بالشعور بالمسئولية تجاه رعيتهم، ليتحنّن الرب عليهم ويعودوا إلى مدينة أورشليم، وتنتهي أيام غربتهم. ومن أعظم أصحاحات الوحي الإلهي التي كُتِبت للرعاة (جزقيال 34)، وفيه يذكر حزقيال النبي بعض المبادئ الروحية التي يحتاج لها الرعاة. وهذه بعض كلمات حزقيال النبي محذِّرًا الرعاة من بعض الأخطاء...
1. رعاية الذات: «ويلٌ لرُعاةِ إسرائيلَ الّذينَ كانوا يَرعَوْنَ أنفُسَهُمْ. ألا يَرعَى الرُّعاةُ الغَنَمَ؟» (حز34: 2)، ورعاية الذات هي من أصعب ضربات الراعي، لذلك على الراعي أن يسأل نفسه باستمرار: ما هو موقع المخدومين في حياتي؟ فكثيرون من الرعاة يدورون حول ذواتهم، فيجعلون ذواتهم مركزًا للخدمة. وأكبر مشاكل الكنيسة تنشأ بسبب الذات العالية، والذات قد تحارب الراعي كلما زادت مواهبه. وصور رعاية الذات كثيرة نذكر منها: الاهتمام بالكرامة الشخصية، وانتظار المديح والشكر على الخدمة، والاهتمام بالشعبية وسط المخدومين، والاتجاه لربط المخدومين بشخصه، والحرص على خضوع الكل له، وأن يكون هو صاحب الكلمة والسلطان في الكنيسة، فيهتم دائما بالنصيب الأكبر، وينسى أنه خادم ويظن نفسه معلمًا، وفي داخله يحب الراحة ويتجنب تعب الافتقاد وتعب التحضير والتجهيز للخدمة، وينتقي نوعيات معينة من الخدمات. ولأن رعاية الذات هي خطية مشهورة بين الخدام، لذلك كتب معلمنا بولس الرسول «فإنَّنا لَسنا نَكرِزُ بأنفُسِنا» (2كو4: 5)، فالله يطلب من الإنسان أن يتخلّى عن ذاته ويتعلم الحب الحقيقي الباذل وروح التكريس من أجل الرب.
والحب يجعل قلب الخادم أمينًا للرب وأمينًا في رعاية النفوس، فيختبر قول الرسول: «مَنْ يَضعُفُ وأنا لا أضعُفُ؟ مَنْ يَعثُرُ وأنا لا ألتَهِبُ؟» (2كو11: 29). ومن مقاييس الحب الباذل أيضًا أن يلتهب القلب بالحب وينفتح لكل المتألمين والمحتاجين والخطاة والخراف الضالة فيسعى لتقديم المعونة لهم، كما كان يفعل سيدنا يسوع المسيح. وبالفلب المُكرَّس والحب الباذل يخرج الإنسان عن ذاته.
2. القسوة في التعامل مع الرعية: فيكتب «المَريضُ لَمْ تُقَوّوهُ، والمَجروحُ لَمْ تعصِبوهُ... بل بشِدَّةٍ وبعُنفٍ تسَلَّطتُمْ علَيهِمْ» (حز34: 4). والإشفاق على الرعية أمر مهم، فالخاطئ والمُتعَب يحتاج لكلمة رقيقة تسنده وتعطيه رجاء وتجعله يستقبل محبة الله له، أمّا القسوة والعنف قتفقدنا أبناءنا المتعبين.
ولكن مع حرصنا على الحنان واللطف، علينا ان نراعي عدة أمور: أن تكون محبتنا دائمًا مدعومة بالعمل الروحي، فلا نتنازل عن ثوابتنا الروحية بداعي اللطف والحنان، ولا نسلّم بالخطايا ولا نقبلها، بل بروح الوداعة نعلم ونحنو في ذات الوقت، ونحافظ على الحق الإنجيلي، فلا نكون عنفاء، ولكن بمحبة نعالج الانحرافات السلوكية. ولا نفرّط في حق الانجيل، فالغرب عندما فرط في المبادئ الروحية والكتابية فقد كل رعيته ولم يكسب البعيدين.
3- اعتبار الرعية مأكلًا: «غَنَمي صارَتْ غَنيمَةً وصارَتْ غَنَمي مأكلً» (حز34: 8). فأحيانًا تصبح الرعية مصدرًا للمنفعة أو لإشباع الاحتياجات ربما المادية أو العاطفية أو الاجتماعية، فنسعى لأصحاب المال والسلطان، أو نشبع حاجاتنا للحب بالارتباط العاطفي الغير حكيم، أو بمحبة المديح والكرامة.. وجميعها ضربات تدخل دون أن نشعر بها. لذلك لنحرص كخدام أن نكون كالأم التي تحب طفلها وتتمنى أن تبذل ذاتها من أجله، لا لأجل منفعة، بل بسبب احتياجها واعتيادها للعطاء، متذكرين كلمات معلمنا بولس «بل كُنّا مُتَرَفِّقينَ في وسَطِكُمْ كما تُرَبّي المُرضِعَةُ أولادَها» (1تس2: 7).