اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السابعة والأربعون25 يناير 2019 - 17 طوبه 1735 ش     العدد كـــ PDFالعدد 03-04

اخر عدد

إِراحَة الناس - مجلة الكرازة – الجمعة 21 مارس 2008 –  العددان 9، 10

مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث

25 يناير 2019 - 17 طوبه 1735 ش

قال القديس بولس الرسول «فَصِرْتُ لِلْيَهُودِ كَيَهُودِيٍّ لأَرْبَحَ الْيَهُودَ.. وَلِلَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ كَأَنِّي بِلاَ نَامُوسٍ.. لأَرْبَحَ الَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ. صِرْتُ لِلضُّعَفَاءِ كَضَعِيفٍ لأَرْبَحَ الضُّعَفَاءَ. صِرْتُ لِلْكُلِّ كُلَّ شَيْءٍ، لأُخَلِّصَ عَلَى كُلِّ حَال قَوْمًا. وَهذَا أَنَا أَفْعَلُهُ لأَجْلِ الإِنْجِيلِ...» (1كو9: 19-23).

إنه يريد أن يربح الناس – للرب – بالطريقة التي تريحهم.

وهكذا ترك لنا نموذجًا للعمل يمكن أن نتبعه. فلا نضغط على الآخرين، ولا نعاملهم بما لا يقبلونه، بل نريحهم..

فلنحاول أن نربح الناس لأن «رَابحُ النُّفُوسِ حَكِيمٌ» (أم11: 30).

طبعًا القديس بولس كان يقصد أن يريح الناس للإيمان، وليس للصداقة الشخصية. فيكلم اليهودي من آيات الكتاب المقدس. والذين بلا ناموس يكلمهم بالمنطق وبطريقة عقلانية. أما الضعفاء فينزل إلى مستواهم ليرفعهم إلى المستوى المطلوب. وهكذا يربح الكل في تعامله معهم.

وإراحة الكل أمر مطلوب من الكل: مطلوب من الآباء الكهنة، ومن العائلات، ومن الرؤساء، ومن الأصدقاء، ومن المرؤسين، ومن كل أحد. إنه منهج عام: أن نربح عَلَى كُلِّ حَال قَوْمًا.

فمن المفروض أن تفهم نفسية كل أحد وطبعه، وتتمشى معه بما يوافق نفسيته وطبعه.

فإن تعاملت مع شخص حساس جدًا، يتعب من أقل شيء، تكون حريصًا في الكلام معه، وتبعد عن أي تصرف ترى أنه يخدش شعوره.. وإن تعاملت مع إنسان دقيق في أحكامه، تعامل معه بدقة. أما الشخص المرح الواسع الصدر، فكن هكذا معه، وتحدث براحة وصراحة مادام لا يتضايق...

أيضًا أعرف ظروف كل شخص واحتياجاته، وتعامل معه بما يوافق كل هذا.

ولكى تربح الناس وتريحهم، كن بشوشًا مبتسمًا لطيفًا.

فالناس يحبون الشخص البشوش ويستريحون له، حتى أن أي إنسان تؤخذ له صورة، يقولون له ابتسم، لأنه في ابتسامه يكون شكله مقبولاً. أما الشخص الكِشري فعلى رأى المثل أن وجهه "يَقطع الخميرة من البيت"!

والكتاب يقول «وَكُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ مُتَسَامِحِينَ..» (أف4: 32). واللطف هو أحد ثمار الروح (غلا5: 23). وهو يتفق مع الوداعة. والسيد المسيح يقول «تَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ» (مت11: 29).

لذلك لكى تريح الناس وتربحهم، كن متواضعًا، ولا تتكبر.

ولا تنظر إلى أحد من فوق. وعامل الكل بلطف أيًا كان مركزهم، حتى الأطفال والخدم والمرؤوسين..

تكلم مع كل أحد بأدب ولياقة، ولا تجرح شعور أحد..

ومن جهة الكلام، لا تكلم أحدًا إلا إذا كان مستعدًا لسماعك.

فإن كان غير مستعد، أي مشغولاً بما هو أهم، فلن يسمعك، وربما كلامك يرهقه، ويسأم من الإصغاء إليك.

وهنا أوجه نصيحة للزوجات. فقد يرجع الزوج من عمله وهو مرهق يريد أن يهدأ ويستريح، وإذا بزوجته تحاول أن تدخله في حديث عن مشاكل وهو غير مستعد لسماعها. ولكن الزوجة تصر على الكلام، فيرجوها أن تصمت أو تتحدث في تلك الأمور فيما بعد، ولكنها تستمر في عرض ما تريده من موضوعات، وربما ينتهي الأمر بأن ينتهرها أو يدخلا في شجار!

يا ابنتي لا تكلمي زوجك إلا حينما تكون له أذنان للسمع. ولا تطلبي منه طلبًا وهو مشغول عنكِ. انتظري إلى أن يكون فايق ورايق ومش متضايق. حينئذ يسمع ويستجيب..

عمومًا انتهزوا الوقت المناسب للكلام حتى تريحوا من يستمع إليكم. وتكلموا في ما يستريح إليه غيركم. وكما قال أحد الأدباء "لكل كلمة أذن، ولعل أذنك لست لكلماتي".

وإذا تكلمتم فلا تكثروا الكلام، بأزيد مما يلزم.

الأمر الذي يحتاج إلى كلمة، لا تقولوا فيه جملة أو محاضرة! والعجيب أن هناك نوعًا من الناس يظل يتكلم ويتكلم، دون أن يضع في ذهنه: هل الذي يتحدث إليه عنده وقت للسماع أم لا؟ ويظل يتكلم حتى يسأم سامعه أو يتضايق.

يقول سليمان الحكيم في سفر الجامعة «لِتَكُنْ كَلِمَاتُكَ قَلِيلَةً» (جا5: 2). ويقول في سفر الأمثال «كَثْرَةُ الْكَلاَمِ لاَ تَخْلُو مِنْ مَعْصِيَةٍ» (أم10: 19).

ولكن يحدث أن البعض يتكلم ويكثر الكلام. ويطلب السامع منه أن يصمت إذ ليس لديه وقت للسماع. ولكنه يصر قائلاً "هذا موضوع خطير، ولابد أن تسمع"! وقد لا يكون خطيرًا. وَحتى لو كان كذلك، فيلنتهز له الوقت المناسب. وللأسف بعض المكالمات التليفونية لا يُراعى فيها الوقت ومشغولية من يسمع!

وفي الكلام لا تدخل في المجادلات الكثيرة المتعبة...

هوذا الرسول يقول «اِفْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ بِلاَ دَمْدَمَةٍ وَلاَ مُجَادَلَةٍ» (في2: 14). لكن هناك من يحاول أن يجادل لكى يثبت أن له فكرًا ورأيًا! وليس له هدف أن يصل إلى نتيجة. بل هدفه أن ينتصر على غيره في المناقشة. وقد يتكلم هذا الغير، فيقاطعه هو في الكلام، ويعلو صوته عليه. ويبدو الاثنان للناس وكأنهما في شجار وليسا في حوار. إنه وضع غير مريح. ومثل هذه المجادلات لا تفيد شيئًا. بل تعطي صورة غير لائقة.

لذلك إن رأيت في من يناقشك إنه يريد أن يدخل في جدل عقيم، حاول أن تنهي المناقشة بطريقة ما...

أيضًا في كلامك مع الناس، لا تظل تسأل أسئلة كثيرة ومتنوعة تدخل في دور التحقيقات.

كأن تسأل: حينما ذهبت إلى المكان الفلاني، من الذي قابلته؟ وماذا قلت له؟ وما الذي قاله هو؟ وماذا كانت نتيجة الحديث؟ ويشعر السامع أنه أمام وكيل نيابة، وليس أمام صديق، وأن من يسأله يتدخل فيما لا يعنيه..

لهذا، لكى تريح الناس، لا تتدخل في شئونهم الخاصة.

ولا تبحث عن أسرارهم وتحاول أن تعرفها. فكل شخص له خصوصياته فلا تسأله عنها. ربما يريد أن يحتفظ بذلك لنفسه. فيشعر أنك غير مريح في أسئلتك.

في بلاد الغرب لا يتدخلون في خصوصيات غيرهم، ويسمونها Privacies. فإن وصل خطاب لزوجة، لا يجرؤ زوجها أن يفتحه. وكذلك الأب بالنسبة لابنه. فإن أرادت الزوجة أن تكشف ما في الخطاب، فهذا في إرادتها، وأيضًا للابن له أن يقول أو لا يقول..

فإن أردت أن تريح غيرك، لا ترغمه أن يقول لكَ ما لا يريد أن يقوله.

إن سياسة الضغط على الغير ليست مريحة له وكذلك الإلحاح غير المقبول، فكلاهما غير مقبول.

اسأل في حدود المعقول. فإن رأيت أن من تسأله لا يريد أن يجيب، فلا تلح عليه ولا تضغط.

أيضًا إن أردت أن تربح الناس وتريحهم، لا تطلب منهم فوق ما يطيقون.. بل أطلب ما يقدرون على تنفيذه. وكما يقول المثل "إن أردت أن تُطاع، سل ما يُستطاع". وإن كانوا لا يستطيعون. لا تحاول أن تلح وتضغط، لأنهم بذلك يشعرون أنك قد أصبحت ثقلًا عليهم، وعلى إرادتهم وعلى أعصابهم..

لعل هذه من الأسباب التي تجعل بعض الزيجات تفشل، ولا يستمر الزوجان في حياتهما المشتركة: أعني الضغط والإلحاح، والكلام في غير وقته، وطلب ما هو فوق القدرة والاحتمال.

إن أردت أيضًا أن تريح الناس، اعطهم حقوقهم وطلباتهم ما دام ذلك في إمكانك ويتفق مع الخير..

هوذا الكتاب يقول «لاَ تَمْنَعِ الْخَيْرَ عَنْ أَهْلِهِ، حِينَ يَكُونُ فِي طَاقَةِ يَدِكَ أَنْ تَفْعَلَهُ. لاَ تَقُلْ لِصَاحِبِكَ: اذْهَبْ وَعُدْ فَأُعْطِيَكَ غَدًا وَمَوْجُودٌ عِنْدَكَ» (أم3: 27، 28).

إن الشخص الذي يعطي هو إنسان محبوب.

كذلك إن أردت أن تربح الناس وتريحهم، لا تكن كثير الانتهار والتوبيخ والعقوبة.

وأيضًا إبعد عن النكد وكل أسباب الخصومة على قدر استطاعتك.. وكذلك حاول أن تكون مبشرًا بالخير فالكتاب يمدح المبشرين بالخير والسلام (أش52: 7).

كذلك إن أردت أن تريح الناس لا تفرض رأيك عليهم.

إن عرضت رأيًا ووجدت غيرك لا يقبله، وشرحت حكمة هذا الرأي وظل مرفوضًا، فأترك غيرك على حريته.

إلهنا نفسه منح الناس حرية، حتى إن استخدموها في كسر وصاياه، وهو يقول للشعب في سفر التثنية «أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ. قَدْ جَعَلْتُ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ. الْبَرَكَةَ وَاللَّعْنَةَ. فَاخْتَرِ الْحَيَاةَ لِكَيْ تَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ» (تث30: 19).

كذلك أنت. لا تحاول أن تجعل غيرك يطيعك على الرغم من إرادته. لك أن تنصح، وليس لك أن ترغم.

ولتربطك بالناس علاقة المحبة، وليست السيطرة.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx