اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السابعة والأربعون08 فبراير 2019 - 1 امشير 1735 ش     العدد كـــ PDFالعدد 05-06

اخر عدد

تأملات في المزمور الأول

قداسة البابا تواضروس الثانى

08 فبراير 2019 - 1 امشير 1735 ش

«طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَسْلُكْ فِي مَشُورَةِ الأَشْرَارِ، وَفِي طَرِيقِ الْخُطَاةِ لَمْ يَقِفْ»

طوبى للرجل أي طوبى للإنسان. هذا المزمور يتكون من ست آيات لأن الإنسان خُلِق في اليوم السادس، فهو مُوجَّه للإنسان، ويضع لنا إطارًا لمن هو الإنسان الذي يسلك في مخافة الله، ويقدم هذه الصورة بطريقة مبسطة للغاية.

يحدد المزمزر ثلاث مراحل لأشكال الخطية:

1-الفكر (البذرة).

2- الانشغال بهذه البذرة.

3- الفكرة أو البذرة تتحول إلى فعل.

«طُوبَى لِلرَّجُلِ (أو الإنسان، رجل أو امرأة، كبير أو صغير) الَّذِي لَمْ يَسْلُكْ فِي مَشُورَةِ الأَشْرَارِ»

المشورة فكر، وإنسان شرير يعطيني مشورة وفكرة شريرة.

«وَفِي طَرِيقِ الْخُطَاةِ لَمْ يَقِفْ»

أي لم يقف عند الفكرة... كلنا تأتي علينا أفكار، ولكنها مجرد فكرة عابرة، والخوف من الفكرة التي تقتحم الفكر وتثبت، وينشغل بها الإنسان فتتحول إلى المرحلة الثالثة.. الفعل.

«وَفِي مَجْلِسِ الْمُسْتَهْزِئِينَ لَمْ يَجْلِسْ»

الفكرة جلست واستقرت، وأسفرت عن فعل وسلوك في حياة الإنسان.. أقرب مثال لهذه المنظومة هو مثل الابن الضال (لو15)، كان شابًا فاضلًا تربى في بيت رائع جدا، لكنه بدأ يستمع إلى صوت أصحابه، بالتأكيد لم يذهب لأبيه فجأة وقال له "أعطني نصيبي".. لابد أن أصحابه ألحّوا عليه، وابتدا ينشغل بهذه الفكرة، وذهب لأبيه وقال له تلك الكلمة الخارجة عن حدود اللياقة "أعطني نصيبي من المال"... البذرة كانت شيئًا بسيطًا، لكنها تجذّرت في عقله وكبرت وشغلت كل حياته، فتكلم مع أبيه بوقاحة، واعتبره ميتًا وأراد أن يرثه وهو بعد حي! بالتأكيد نصحه أبوه مرات عديدة، لكن الخطية كانت قد تملّكت منه، فذهب إلى مجلس المستهزئين وجلس بين أصدقاء الشر وعاش في هذا الشر... ولكن رحمة الله افتقدته فتاب وعاد إلى أبيه: «أقوم الآن وأذهب إلى أبي».

لذلك بداية السلوك ابتعد عن هذه الثلاثة:

١- البذرة.

٢- الانشغال بالبذرة.

٣- فعل الخطية او السلوك الخاطئ بصفة عامة.

ما هي الوسيلة التي تساعد الإنسان؟

حدّد المزمزر لنا الوسيلة وبوضوح شديد في اتباع الوصية.. علاج الإنسان في كل زمان أن يعيش الوصية.. لا أتخيل أنه يوجد بيت يقرأ الكتاب المقدس، ويتقدس هواء البيت بما يقرأه، وأن يكون فيه مشكلة تصل إلى التفكّك والانفصال! علاج هذا كله هو من خلال الوصية.

يقول المرنم في المزمور: «لكن في ناموس الرب مسرته» أي أن فرحه وسروره وبهجته في الوصية. بمجرد أن تأتي الوصية أمامه يمتلئ فرحًا. القديس يوحنا ذهبي الفم يقول: "الكتاب المقدس منجم لآلئ". في ناموس الرب مسرته، يسير في ظل ربنا، في ظلال الوصية.

سفر الأمثال يجمع لنا خبرات الحياة، وعندما تقرأه يمكنك أن تختصره في كلمتين: "من يسير مع الله دائمًا يفرح ويتعزّى، ومن يبعد عن الوصية دائمًا واقع في خطايا، وأيامه غير سعيدة".

«في ناموس الرب مسرته، وفي ناموسه يلهج نهارًا وليلًا»

يعني أن يصير الكتاب هو حياته بالنهار وبالليل. النهار تعبير عن العمل، والليل تعبير عن الصلاة والتمتع بالهدوء مع الله. يأخد كلمة الله ليلًا، ويسلك بها نهارًا... بهذه الصورة يقدر يعيش أن حياة ناجحة.

يقول المرنم: «بالنهار يوصي الرب رحمته، وبالليل تسبيحه عندي، صلاة لإله حياتي» (مزمور 42: 8).. أنت أيها الإنسان السالك في وصية الله، الله يرسل رحمته لكي ما تعينك وتسندك وتساعدك وتظلل عليك. في النهار دور الله أن يرحمك، وفي الليل عِش في التسبيح وكلمة ربنا، اشكره على كل ما فعله معك طول النهار.. هو إله حياتي.. إله حياتنا كلنا.. الإحساس الشخصي بالعلاقة الشخصية التي تربط هذا الإنسان بالله...

إذًا العلاج هو التمسك بالوصية.. عِش الوصية.. اعرف الوصية.. افهم الوصية.. تأمل في الوصية.. تكلم بالوصية... وكلكم تحبون هذه الآية «ليس بالخيز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله» (مت 4:4).

الجزء الثالث والأخير في النصف الأول من المزمور، يعطينا صورة رائعة عن هذا الإنسان الذي لم يسلك في مشورة الأشرار، يكون كالشجرة.. ينجح وينمو.

الشجرة رمز للصليب الذي هو الخلاص.. الشجرة كائن حي، وكائن ينمو ويفرح.. الشجرة وسيلة لتجديد الهواء.. الشجرة تقدم الظلال.. الشجرة تقدم المنظر الجميل.. الشجرة تقدم ثمرًا وغذاءً ودواءً ومواد صناعية تُستخدم.. الشجرة تقدم خشب الذي يُستخدم على نطاق واسع في الأثاث.. الشجرة يمكن أن تصير وقودًا...

هل أنت مثل الشجرة التي تعطي؟؟

أهم شيء تقدمه الشجرة أنها تقدم الصمت والهدوء. لا يوجد شجرة تعتدي على أخرى أو تفترس بعضها. الشجرة تنمو في هدوء وفي صمت.

الشجر متنوع الأشكال والأنواع، وهذا يعلمنا أن نقدّر التنوع الإنساني.

وحين يتكلم المزمور عن الشجرة يذكر أهم شيء أنها مغروسة.. الله لا يحب الإنسان أن يكون سطحيًا، لكن يكون له جذر.. الجذور في حياة الكنيسة هم الآباء الذين سلمونا الحياة من جيل إلى جيل.

الشجرة الضعيفة يقتلعها الهواء، لكن الشجرة القوية الثابتة لا يؤثر فيها أحد. الأشجار وسائل تعليمية طبيعية أوجدها الله أمامنا.

الشجرة المغروسة لها جذور ممتدة، وبامتدادها تبحث عن غذاء صحيح.. الشجرة المغروسة لها تاريخ، وجذورها وجذورنا كلنا هم الآباء الذين سلمونا إيماننا.. بهذه الجذور تبحث عن المياه. مجاري المياه أي المياه التي تجري وليست راكدة، لكن متجددة، لذلك هذه الشجرة يانعة. وفي الفهم الروحي الكنسي، مجاري المياه هي الأسرار الكنسية التي نأخذ فيها النعم، والتي يعمل فيها الروح القدس.

«التي تعطي ثمرها في أوانه» الثمر هو حياة الفضائل.. يصير الإنسان مثل الشجرة، والفضائل تظهر في حياته في كل أوان. أحد التداريب القوية في حياتنا هي سير القديسين، نقرأها لكي نعرف ثمر حياتهم.

«وورقها لا يذيل» أي مكسوة بالنعمة، بالحضور المسيحي. دائمًا خضراء متجددة، منظرها رائع، والسبب أنها مرتبطة بمجاري المياه.

«وكل ما يصنعه ينجح» هذه هي النتيجة الطبيعية.. كل ما يصنعه ينجح، كل ما يضع يده في شيء ينجح.. لأنه يعيش الوصية. هذه هي الصورة المثالية، وليست بعيدة عن أي إنسان منّا.. الإنجيل في أيدينا، والوصية أمامنا...

المزمور الأول يضع خطة عامة تصلح لكل البشر، ويقدم هذا الدرس الروحي مع الوسيلة التعليمية واسعة الانتشار في العالم وهي الشجر، ويقول لك: عِش وتمتع بوجودك في هذا الجو الروحي لتكون حياتك كلها ناجحة، والحياة الناجحة أي أن يكون لك نصيب في الأبدية وفي السماء.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx