اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السابعة والأربعون22 فبراير 2019 - 15 امشير 1735 ش     العدد كـــ PDFالعدد 7-8

اخر عدد

الوَزنات - الجمعة 19 فبراير 2010 –  العددان 5، 6

مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث

22 فبراير 2019 - 15 امشير 1735 ش

البابا شنوده

كنت في جناز أحد الآباء الكهنة وكان الإنجيل عن الوزنات (مت25): الرب أعطى لواحد خمس وزنات، وللآخر وزنتين، وللثالث وزنة. ومَنْ تاجر بوزناته وربح قال له الرب «كنت أمينًا في القليل فسأقيمك على الكثير ادخل إلى فرح سيدك».

وإذا كنّا في أيامنا هذه ننظر إلى الوزنة وكأنها موهبة من الله. فإن كل إنسان منّا وهبه الله وزنات كثيرة، منها: وزنة العقل، ووزنة الضمير، ووزنة الحواس، ووزنة القلب. وأحيانًا وزنة السلطة أو المسئولية. وعلى كل منا أن يهتم بالوزنة أو الوزنات التي أعطاها الله إياها.

وَزنة العَقل:

أعطاك الله عقلًا. فينبغي أن تهتم بملكاته. وملكات العقل هي التفكير والفهم والاستنتاج والذاكرة وغير ذلك، وعليك أن تهتم بكل ما وهبك الله إياه. وعليك أن تهتم بتقوية عقلك، وتنميته. وتهتم باستخدام عقلك. ذلك لأن هناك أناسًا لهم عقول ولكنهم لا يستخدمونها. والبعض يقترب من الواحد منهم ويحثه قائلًا "شغل مخك". وكأنه يرد لست قادرًا أو لا أريد!. أمثال هؤلاء قد دفنوا وزنتهم في التراب!

+ كيف تقوّي عقلك؟ يأتي ذلك بالدراسة مثلًا. وأتذكر ونحن صغر كنا ندرس في المدارس الجبر والهندسة والكيمياء والطبيعة. ولعل واحدًا يسأل: في أي شيء أستخدم هذه المواد وأنا لي طريق آخر في الحياة؟ والجواب هو أن كل هذه المواد الدراسية أُعطيت لك لتجعلك تفكر. وأيضًا إذا وجدت مشكلة معينة عليك أن تشغل مخك لكي تجد لها حلًا. مثال ذلك إذا وجدت في تمرين هندسة مشكلة معقدة فإنك تفكر كيف تجد الحل لها... إذًا كل ذلك أُعطِي لنا لكي ننمّي موهبة التفكير والفهم والدراسة. وقد ننفصل عمليًا عن دراسة هذه المواد، ولكن تبقى فينا موهبة الفهم وموهبة التفكير وموهبة حل المشكلات.

+ لقد وهبك الله موهبة الفهم. ولكن الفهم على أنواع: كيف تصل مثلًا إلى سرعة الفهم، وإلى دقة الفهم، وإلى سلامة الفهم. ومن جهة سرعة الفهم يقول البعض مثلًا (فلان) يفهمها وهي طايرة: بل يقولون عن آخر (وهذا يفهمها قبل أن تطير) أي أن هذا له سرعة الفهم يلتقط الأمر اللازم فهمه بسرعة. وقد يقول لمن يتكلم معه في بداية موضوع معين (أنا فهمت ما تريد أن تقوله. موضوعك كذا.. كذا..). ذلك لأن من مواهب العقل أيضًا الاستنتاج. فأنت حينما تريد أن تنمي عقلك، ينبغي أن تنمي فيه التفكير والفهم والاستنتاج.

+ من جهة التفكير، ينبغي أن توسع مجال تفكيرك، وتنمي تفكيرك. فلا تفكر في ناحية وتترك الناحية الأخرى بل ينبغي أن يكون تفكيرك شموليًا يشمل كل النواحي. وفي التفكير تنال موهبة التمييز فتميز بين الصحيح والخطأ، وبين اللازم وغير اللازم، واللائق وغير اللائق. ويسمون التمييز في كتب الرهبنة بفضيلة الإفراز، أي الإفراز بين الأمور بعضها والبعض الآخر. وفي قوة التفكير ننتقل من السطحية إلى العمق. هناك إنسان يفكر بطريقة سطحية لا يصل بها إلى عمق الأمور. وفي العمق ننتقل من الواقع إلى النتائج. فيفكر الإنسان في نتائج ما يريد أن يعمله قبل أني يعمله، يفكر في ردود الفعل عند بقية الناس. فما يريد أن يفعله، أي تأثير سيتركه في كل مجموعة من الناس؟ وما هي ردود الفعل؟ ويفكر في حل المشكلات وفي علاج الأخطاء، وفي البُعد عن الخزعبلات.

وهذه النقطة تتعلق بتنقية الفكر. إذ يبعد عن اللا معقول، وليست كل فكرة تطرأ على ذهنه يعملها. بل يأخذها ويحفظها قبل أن تدخل إلى ذهنه. وإن وجدها لا تنفع لا يفتح لها باب العقل لتدخل فيه. مثل ذلك ما قيل أيضًا في سفر النشيد: «أختي العروس جنة مغلقة، ينبوع مختوم». أي أن كل فكر لا يقدر أن يدخل إلى داخلها، وكذلك كل شهوة، بل هي جنة مغلقة. وكما نقول في التسبحة: "سبحي الرب يا أورشليم... الذي قوّى مغاليق أبوابك»، أي أن أبوابك ليست مفتوحة لأي خطأ: سواء أبواب الحواس أو أبواب الفكر. ولا يكون عقل الإنسان كما قال أمير الشعراء أحمد شوقي:

أثـــــّر البهــــــتان فيـــــه                       وأنطــوي الـــزور عليـــــــه

يــــا لـــه مــــن ببغـــــاء                        عقلـــــــه فــــــــــي أذنـــــــــيه

فالمفروض فيك تنقيةً لعقلك، أنك لا تتبع أسلوب الببغاوات، فتنقي عقلك من الخزعبلات، ومن الأوهام، ومن اللا معقول، ومن أكاذيب الناس ومخترعات أفكارهم. وأنت تُشَغل مخك.

بعض الناس لا يحاولون تشغيل أمخاخهم. فإن كلمت الواحد منهم يقول لك: لما أشاور بابا، أو لما أشاور الست، أو لما أشاور المرشد... فهو في كل ذلك لا يعتمد على عقله إنما على عقول الآخرين.

والبعض إذا شغّل مخه، يشغّله بطريقة منحرفة، أو بطريقة ملتوية. ومن هنا يأتي الخبث والمكر، أو الذين يعلمون في الاحتيال، أو في الإيقاع بالآخرين، أو في المؤامرات، وفي الحيل ويستخدمون عقلهم في الشر. أما الحكيم فلا يشغّل عقله إلا في الخير.

عقلك أيضًا عليك أن توسعه، وذلك بالمعرفة وبالدراسة. ويمتد توسيعه حتى يصل إلى أن يصبح دائرة معارف. فيعرف أشياء كثيرة الاستيعاب. وفيما توسع عقلك، تنمي أيضًا ذاكرتك بأن تحفظ وتداوم على استخدام المعلومات، وتتمرن على الاستنتاج. وإذا أمكنك تنمية مواهبك العقلية، حينئذ تتحول إلى درجة أعلى، وهي سرعة البديهة. أي أنك حينما تُسأل سؤلًا: تجاوب بسرعة إجابة صحيحة وممتازة.

إن كل هذه النتائج العقلية تأتي حينما تتاجر في وزنة العقل وتربحها مثل صاحب الخمس وزنات. وتقول للرب: إنك أعطيتني وزنة العقل فتاجرت بها واكتسبت كل هذا. واستطعت أن أصل إلى النجاح في الحياة، والإخلاص في العمل، والقدوة والأمثولة أمام الناس. وبموهبة العقل أيضًا استطعت أن أفهم الروحيات فلا أنغلب فيها واكتشف حيل الشياطين وما عدت أنخدع بها، كما أنني بالعقل أصبحت أتعمق في فهم وصاياك والتأمل في الكتاب.

الضَمير:

لقد أعطاك الرب ضميرًا فيجب أن تهتم به وتجعله ضميرًا صالحًا، لا هو يبلع الجمل، ولا يُصفّي عن الباعوضة. إنما يحكم حكمًا سليمًا.

وتقوي ضميرك بالقراءة في الكتاب المقدس وفي سير القديسين. وتنقي الضمير من المؤثرات الخارجية التي تؤثر عليه مثل العادات والتقاليد والحرص على إرضاء الناس. وينبغي عليك أن تجعل لضميرك سيطرة على شهواتك ورغباتك. لأني كما قلت في عظة أخرى: الضمير هو حاكم عادل لكنه يعجز عن تنفيذ أحكام!

فنيبغي عليك إذًا أن تدرّب ضميرك على أن تكون له سيطرة على تصرفاتك، وسيطرة على فكرك وحواسك ومشاعر قلبك. وأيضًا لا تجعل الضمير يتأثر بالمجاملات. فلا تجامل نفسك ولا تجامل أحباءك على حساب الضمير. فالضمير يحكم عليك وعليهم جميعًا. وإن وجدت صديقًا لك يخطئ أو يتصرف تصرفًا رديئًا يحكم عليه ضميرك بأنه مخطئ وتنقل ضميرك إلى إرادتك.

المسئولية:

من ضمن الوزنات التي يعطيها الله لمن هم في منصب رئاسة أو إدارة، وزنة المسئولية. على شرط أن يستعمل السلطة أو الإدارة بعدل لخير الناس. لأن السلطة التي في يدك أنت مجرد وكيل عليها من الله. فينبغي أن تستخدمها من أجل راحة الناس وإسعادهم. ولذلك يقول الله في (لو12) «يا تُرى من هو الوكيل الأمين الحكيم الذي يقيمه سيده على عبيده ليعطيهم طعامهم في حينه. طوبى لذلك العبد الذي إذا جاء سيده يجده يفعل هكذا...»

كذلك المسئول عن غيره لا ينبغي أن يُماطل غيره، ويقول له تعالَ باكرًا فأحل موضوعك لأنه مُعقد! ولذلك فأنا أتذكر في أول يوم اجتمعت فيه من لجنة البر التي عندنا في القاهرة كل يوم خميس، أنني قمت بتحفيظهم آيتين من سفر الأمثال إصحاح 3 إذ يقول: «لا تمنع الخير عن أهله حين يكون في طاقة يدك أن تفعله. لا تقل لصاحبك إذهب وتعالَ غدًا فأعطيك وموجود عندك». لذلك فالمتعاملون مع الفقراء يجب أن يكونوا رفقاء ولا يتعبوهم بالفحص والتأجيل.

وأتذكر أنني قلت مرة في اجتماع عام: "الموظف الطيب يجد حلًا لكل مشكلة. والموظف المُعقد يجد مشكلة لكل حل".

إن الله الذي أعطاك موهبة الإدارة، لا يقبل أن تستخدمها في تعقيد الأمور، ولا يقبل أن تكون لك قسوة في المعاملة. فاجعل الناس يحبونك بأن تحبهم. وتذكر أنه سيأتي يوم عليك تترك فيه المسئولية فماذا يقول الناس عنك وقتها؟ هل سيفرحون حينما تمضي، أم يحزنون عليك؟. إن الخير الذي تعمله لن يُنسى وظيفتك التي أعطتك الإدارة سوف تنساها، ولكن الخير الذي عملته فيها لن ينساه الناس، وكذلك تعقيداتك ومشاكلك لن ينساها الناس. وستعطي عنها حسابًا أمام الله فيما بعد.

إن تكلمنا عن المسئولية نتكلم أيضًا عن الكهنوت، فهو مسئولية أيضًا وليس مجرد رئاسة. نصيحة أقولها للآباء الكهنة: لا تهتموا بأنفسكم بل اهتموا بالرعية لأن الرب يقول في (حزقيال 34) "ها أنا ضد الرعاة الذين يرعون أنفسهم وليس الرعية. ويقول عنهم جعلوا غنمي غنيمة". وما أصدق قول الشاعر: ومن رعى غنمًا في أرض ماسدة... ونام عنها تولى رعيها الأسد.

فأنت أيها الآب الكاهن كنت مسئولًا عن نفسك فقط قبل الرسامة. أما الآن فأنت مسئول عن نفسك وعن الرعية أيضًا. وسوف يسألك الله عن كل واحد منها ويطالبك بدمه كما ورد أيضًا في سفر حزقيال النبي (إصحاح 3 وإصحاح 33). وعلى الكاهن أيضًا أن يكون حريصًا جدًا في استخدام الحِل والرَبط. فالبعض يستخدمه بلا مبالاة!. وعلى الكاهن في مسئوليته أن يتذكر قول السيد المسيح للآب «الذين أعطيتني عرّفتهم اسمك، وسأعرّفهم، ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به وأكون أنا فيهم» (يو17).

وشروط المسئولية وهدفها ووسيلتها، أقولها لكل مسئول. للأبوين في تربية أولادهم، وللخدام في نطاق خدمتهم.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx