اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السابعة والأربعون22 فبراير 2019 - 15 امشير 1735 ش     العدد كـــ PDFالعدد 7-8

اخر عدد

ليكن كلامكم نعم نعم، لا لا

قداسة البابا تواضروس الثانى

22 فبراير 2019 - 15 امشير 1735 ش

بسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد آمين. تحل علينا نعمته وبركته من الآن وإلى الأبد آمين.

أرحب أولا بكل الآباء الأحباء: الآباء الأساقفة والآباء الكهنة والآباء الرهبان. أرحب بأحبائنا من الكنائس المسيحية في مصر، ومحبتنا التي نتبادلها باستمرار. أشكر كل الأحباء الذين تكلموا وكلمات البركه التي قالوها وقدموها من قلوبهم قبل أفواههم. نرحب أيضًا ببعض المشاركين في مؤتمر الأدب القبطي. نرحب أيضًا ببعض الأحباء من شباب إيبارشية النمسا الذين يقضون مؤتمر وخلوة روحية هنا. أرحب بالجميع في أول مرة نشترك جميعًا من خلال أسبوع الصلاه العالمي، الذي نشترك فيه في حضرة البرية المقدسة، برية وادي النطرون، برية شيهيت، ميزان القلوب؛ وهذا أعتقد أنه جيد، أي مشاركة الكنيسة ومشاركة الأديرة في هذه المناسبة التي نصلي فيها من أجل أن نكون واحدًا كما اشتهى ربنا يسوع المسيح قبل ساعات قليلة من الصليب.

وفي هذا اليوم -كما استمعنا في القراءات التي قُرئت- نتكلم عن اللسان والكلام...

يقولون إن الإنسان يقضي نصف حياته متكلمًا، بل يوجد من يتكلم وهو نايم، أو وهو يمشي، وكل واحد يطبق الشعار: "اتكلم براحتك، هو الكلام بفلوس؟"... موضوع الكلام موضوع خطير، ومثلما ذكر الأب بولس: الكلام أكبر تجاره رائجة في العالم من خلال وسائل كثيرة.. ولكن تأتي وصية السيد المسيح: «ليَكُنْ كلامُكُمْ: نَعَمْ نَعَمْ، لا لا» (مت5: 37). وأول ما يلفت الانتباه في هذه الوصية أنها قصيرة ومن كلمات معدودة. والملاحظة الثانية أنها واضحة يفهمها الكبير والصغير. وثالثًا أنها تنبهنا أن الإنسان كثيرًا ما يقع في خطية "اللف والدوران". يُقال إن اللسان -والذي يصفه الكتاب المقدس أنه نار تحرق- يرتكب أكثر من 100 خطية! النميمة خطية، إطلاق الشائعات خطية، الكذب خطيه، القسم خطية، الشتيمة خطية... وقيسوا على ذلك خطايا كثيرة يسقط فيها اللسان.

ومما يزيد خطورة الأمر، العبارة التحذيرية التي نقرأها في الكتاب المقدس: «لأنَّكَ بكلامِكَ تتَبَرَّرُ وبكلامِكَ تُدانُ» (مت12: 37)، فصار الكلام عملًا إنسانيًا مرتبطًا بيوم الدينونة! ستقف أمام الله وتُحاسَب على كل كلمة قلتها، وأرجوكم أن تلتفتوا معي أنه ليس المقصود الكلام الذي نقوله في العلن، ولكن أيضًا الكلام الذي نقوله سرًا سوف ندان عنه أو نتبرّر به. عندما تقف لتصلي في مخدعك، كلامك وصلواتك التي في المخدع يمكن أن تبررك. قد تكون جالسًا مع شخص وتتكلم معه كلامًا يدينك.. ولذلك هذا الأمر في غايه الخطورة عندما نتكلم عن موضوع اللسان وموضوع الكلام.

القاعده الذهبية في هذا الأمر نأخذها من آباء البرية.. سألوا أحد آباء البرية: "أيهما أفضل: الكلام أم الصمت؟"، فرد ردًّا حكيمًا: "إن كان الكلام من أجل الله فهو جيد، وإن كان الصمت من أجل الله فهو جيد". الموضوع إذًا ليس الكلام أو الصمت، ولكن الهدف من وراء الكلام والهدف وراء الصمت.

وهذا ينقلنا لقول آخر من أقوال آباء البرية، ونستخدمه كثيرًا في أيام الصوم: "سكِّت لسانك ليتكلم قلبك، وسكِّت قلبك ليتكلم الله". وهذه المراحل الثلاث (لسان-قلب-الله) مرتبطة ببعضها البعض. وهذه هي الحكمة في وجود فترات صمت في صلوات الكنيسة، في التسبحه مثلًا نصلي بطريقه المرابعة، فبينما يرتل الخورس البحري ربعًا يصمت الخورس القبلي، ثم العكس، وهذا السكوت للفائدة، لكي ما أكون في وسط الجموع قادرًا أن أكلمه وأناجيه وحدي.. حتى "كيرياليسون" نرددها بالمرابعة، لكي ما يصلي الإنسان هو صامت فيستمع لصوت الله. حتى في الصلاة الجماعية توجد فترات من الصمت كي ما يتعلم الإنسان ويصلي.

في قصص آباء البرية، يُحكى أن أحد البابوات زار البرية وأرشدوه لأحد الآباء ساكني البرية أنه أب قديس، وكانت عاده البرية الموجودة أن يطلب الزائر من الآباء كلمة منفعة، وهكذا جلس الأب البطريرك أمام هذا الناسك القديس فظلوا صامتين، ساعة واثنتين بل ثلاث ساعات انتظر كلمة منفعة، بينما الناسك صامت! أحد مرافقي البابا قال لهذا القديس: "قل كلمه منفعة للبابا حتى ينصرف"، فرد عليه بهذه العبارة الخالدة: "ما لم ينتفع من صمتي، فلن ينتفع من كلامي"، واعتبرها البابا الحاضر كنزًا وعاش بها وعلّم بها، ووصلت لنا لكي ما نتعلم منها.. ليكن كلامكم قليلًا وواضحًا وصريحًا ومحدَّدًا، ليس فيه خبث أو نفاق أو الدوران واللف بأيّة صورة من الصور، لأن الكتاب المقدس يقول لنا إن «كثرَةُ الكلامِ لا تخلو مِنْ مَعصيَةٍ» (أم10: 19)... لذلك أريد أن أقول لكم بعض النصائح لكي نطبق هذه الآية في حياتنا «ليَكُنْ كلامُكُمْ: نَعَمْ نَعَمْ، لا لا»، وانتبهوا لأن كلمة قد تطيح بالإنسان بعيدًا عن الملكوت، وتلك هي خطورة الأمر...

1) اضبط لسانك عن طريق العقل: أي أن تفكر جيدًا قبل أن تتكلم، لا داعي للكلام المتواصل. يقول الكتاب في رساله يعقوب: «ليَكُنْ كُلُّ إنسانٍ مُسرِعًا في الِاستِماعِ، مُبطِئًا في التَّكلُّمِ» (يع1: 19). فكّر لئلا تجرح إنسانًا بكلامك. كلمة قد تنقذ إنسانًا من بالوعة اليأس. اضبط لسانك، وكما يقول مثل شعبي "لسانك حصانك، إن صنته صانك".

2) اعرف متى تتكلم ومتى تصمت: الوصية تقول في سفر الأمثال: «تُفّاحٌ مِنْ ذَهَبٍ في مَصوغٍ مِنْ فِضَّةٍ، كلِمَةٌ مَقولَةٌ في مَحَلِّها» (أم25: 11)، في هذا التصوير االجميل يخبرنا سليمان الحكيم أن الكلمه التي تُقال في مكانها ووقتها ومحلها، هي مثل تفاحة جميلة من الذهب في طبق مشغول بالفضة. اعرف متى تتكلم...

لكي تحفظ وصية «ليكن كلامكم نعم نعم ولا لا»، حاول أن تحفظ آيات من الكتاب المقدس وأقوال الآباء تكون شاهدة على كلامك، "كل ما تعمله خذ له شاهدًا من الكتاب المقدس" وهذه إحدى عبارات القديس أنطونيوس. حاول أن تتعلم من الآخرين الذين يتكلمون، فإذا رأيت شخصًا يتكلم ويخطئ في الكلام، تعلم ألّا تفعل مثله، حتى المثل العامي يقول "الملافظ سعد". هناك من كلامه صعب وألفاظه قاسية، لا تكن مثل هذا...

اجعل كلامك "نعم نعم"، الكلمة الهادئة، الكلمة المشجعة، كلمات البركة التي تسند الآخر، كلمات فيها قوه تمنحها للآخر، كلمة تعزية، كلمة نصح، كلمة حكمة، كلمة تعليم، كلمة حق.. كل هذه وغيرها من الكلام الطيب.

كلمة التشجيع هي إحدى الكلمات التي يستخدمها الإنسان عندما يبحث عمّا هو إيجابي في الآخر، وأظنكم تعرفون القصة المشهورة للشركة التي كانت تخسر، فجمع رئيس الشركة جميع العاملين في الشركة، ولكي يشجعهم أحضر سبورة بيضاء ووضع في طرفها نقطه سوداء، دخل العاملون بالشركة ووجدوا السبورة أمامهم، فلما سألهم ماذا يرون؟ قالوا أنهم يرون نقطة سوداء، فقال لهم رئيسهم إن العيب هو انهم لم يروا سوى النقطة السوداء وتجاهلوا المساحة البيضاء الكبيرة. الإنسان الذي يريد أن يكون كلامه نعم نعم ولا لا، يستطيع أن يرى مساحة بيضاء في كل آخر وفي كل حدث وفي كل موقف، لكن النقطة السوداء تأخذ عيوننا.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx