اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السابعة والأربعون08 مارس 2019 - 29 امشير 1735 ش     العدد كـــ PDFالعدد 9-10

اخر عدد

الصوم.. توبتنا

قداسة البابا تواضروس الثانى

08 مارس 2019 - 29 امشير 1735 ش

يحتل الصوم مكانًا هامًا بين الوسائط الروحية العديدة في حياتنا الروحية الكنسية، لأنه أحد الأركان الأساسية التي تعبّر عن تواضع الإنسان ورجائه ومحبته أمام الله. وإذ تمتد أصوامنا في كنيستنا إلى أكثر من نصف العام، حيث نصوم في أوقات مُعينة من السنة جماعيًا، وننقطع عن الطعام فترة من الزمن مع تناول أطعمة غير حيوانية المنشأ تمثُّلاً بحالة الفردوس التي عاشها آدم وحواء قبل السقوط والمعصية.

وللصوم تاريخ ممتد في أسفار الكتاب المقدس، ولعل أشهرها صوم الأربعين يومًا التي قضاها موسى النبي (خروج 34 :28)، وإيليا النبي (1ملوك 19: 8)، والسيد المسيح (متى 4، ولوقا 4). ورغم أن الطعام هو نعمة وهبة من الله، إلا إن الامتناع يومًا أو أيامًا هو شكل من أشكال إذلال النفس بقصد التوبة أولاً وأخيرًا. وقد أفرد الكتاب المقدس بين أسفاره أصحاحات أو أجزاء من أصحاح عن الصوم ومآثره مثل (إشعياء 58؛ يوئيل 2: 12-20؛ متى 6: 1-18).

وتتجلى صفات وممارسات الصوم الجماعي في سفر يوئيل في سبع خطوات يذكرها كتاب الصوم المسيحي للمتنيح القس يوسف أسعد وهي:

1- الضرب بالبوق في صهيون = حياة التسبيح في الكنيسة.

2- تقديس الصوم = تخصيص هذه الأيام للرب قبل أي شيء.

3- المناداة بالاعتكاف = أي الانقطاع عن الناس من أجل التوبة.

4- اجمعوا الشعب = بالنهضات الروحية والصلوات المنعشة.

5- قدسوا الجماعة = طهروا الشعب بتنقية القلب من الخطية.

6- التعفف عن الشهوة = الامتناع عن العلاقات الزوجية بموافقة.

7- بكاء الكهنة = كقادة وقدوة يقدمون صلواتهم بدموعهم.

هذا هو "الصوم المتواضع" الذي يفتح القلب للبر فيحيا الإنسان بشعور الندم والنوح على خطاياه ويبتعد عن أيّة مسرّات يتوه فيها.

كما أن "الصوم المتواضع" هو الذي يمسّ مشاعرنا وأفكارنا وأيضًا ضمائرنا، وليس بطوننا فقط، لكي نطهرها وننقيها من الخصومات والنزاعات والخواطر الشريرة.

لقد وُهِب لنا أن نكون في حضرة المسيح على الأرض، أحيانًا منتصرين وأحيانًا مصلوبين، ولكن يجب أن نكون دائمًا مستعدين ولا نهرب منه. والصوم المتواضع يساعدنا كثيرًا في هذا المجال أن نكون مستعدين لملاقاة الله (خروج 34: 28؛ دانيال 9: 3).

وأحيانًا تكون ممارسة الصوم عديمة الفائدة حيث يتمسك الإنسان بالشكليات وتغيير نوعيات الطعام فقط، أو يصوم بضجر وضيق، أو يصوم ليظهر للناس صائمًا (متى 6: 16) فيقع في خطايا الكبرياء والتظاهر والاكتفاء بالشكل دون الجوهر أو العمق.

الصوم الحقيقي يكوم مقرونًا بحب القريب، ولا يمكن فصله أبدًا عن الصلاة التي تغذّي الصوم. وفي ذلك يقول المرتل داود النبي: «لَيْتَ لِي جَنَاحًا كَالْحَمَامَةِ، فَأَطِيرَ وَأَسْتَرِيحَ!» (مزمور 55: 6، 7) فالصلاة الحقيقية والصوم الحقيقي يجعلان النفس تسمو مثل الحمامة في نقاوتها وطهارتها وطيرانها نحو الله، وبالتالي راحتها وفرحها : (أَطِيرَ وَأَسْتَرِيحَ = أصلي وَأَسْتَرِيحَ = أصوم وَأَسْتَرِيحَ).

تقول إحدى القصص إن إنسانًا زار كاهنًا وسأله: "أرني الله"، فأجابه الكاهن: "إنني لا أستطيع أن أريك الله، كما أنني مقتنع بأنك في حالة لا تؤهّلك لأن تراه!!". فاندهش الإنسان لهذه الإجابة وقال: "كيف تعرف ذلك؟!"، فأجابه الكاهن: "سوف أثبت لك؛ هل هناك نصّ في الإنجيل له أثر خاص عليك فيخترق قلبك؟!" أجاب الإنسان: "نعم؛ قصة المرأة التي أُمسِكت في ذات الفعل". فسأله الكاهن: "لماذا؟"، فأجاب الإنسان ".. أظن أنني أنا الوحيد الذي ما كنت لأنسحب من غير أن أرميها بحجر!!".. وعلى الفور قاله له الكاهن: "إنك أجبت على نفسك بنفسك، فأنت لا تستطيع أن ترى الله لأنه غريب عنك تمامًا، أنت لم تعرف بعد أن تصوم عن ذاتك".

لتصلِّ معي أيها القارئ العزيز:

"أشكرك يا رب لأنك أعطيتني نعمة الصوم، وأتيت بي إلى هذه الساعة. أتوسل إليك يا رب أن تساعدني لأرى خطاياي وأعرف ضعفاتي وما اختفى في قلبي من شر أو شبه شر، ولتكن أيام الصوم فرصة حقيقية لأدخل إلى عمق قلبي ومخدعي وأغلق بابي عن الكلام والطعام، وأراك أنت فرحي وقوتي وعوني في توبة حقيقية بدموع وندم... ولا أكون غريبًا عنك. آمين".




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx