اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السابعة والأربعون22 مارس 2019 - 13 برمهات 1735 ش     العدد كـــ PDFالعدد 11-12

اخر عدد

الصدقة.. محبتنا

قداسة البابا تواضروس الثانى

22 مارس 2019 - 13 برمهات 1735 ش

تحدثنا في العددين السابقين عن: الصلاة قوتنا، الصوم توبتنا، وفي هذا العدد نكمل مثلث أركان العبادة المسيحية كما شرحه لنا السيد المسيح في العظة على الجبل في الأصحاح السادس من إنجيل معلمنا متى البشير، حيث نقرأ هذا الأصحاح مُقسَّمًا إلى قسمين على التوالي: في إنجيل قداس أحد الرفاع، ثم إنجيل قداس الأحد الأول (أحد الكنوز).

وأهمية هذا الضلع: "الصدقة.. محبتنا"، أن السيد المسيح جعل له المكانة الأولى مُتقدِّمًا عن الصلاة والصوم (راجع متى 6: 1-18)، لأن الكلمة اليونانية للصدقة تعني عمل الرحمة، وعمل الرحمة لا يمكن أن يصدر إلّا من القلب الذي امتلأ بالمحبة الفيّاضة من قلب المسيح (رومية 5:5).

فإذا كانت الصلاة تعبير حبنا لله وبها ننال قوة حقيقية، وإذا كان الصوم تعبير حب نحو النفس حيث نتنقى بتوبة حقيقية، فإن الصدقة هي أيضًا تعبير حب نحو الآخر أو نحو الناس بلا تفرقة أو تمييز، بل هي الترجمة المسيحية للصلاة والصوم، حيث نقدم أعمال الرحمة العديدة تأكيدًا لعمل الصلاة والصوم فينا، فننطلق نحو الناس بالحب الصادق.

وكلمة "صدقة" تحوي معنى الصدق في العمل وفي الفكر وفي السلوك، ومن هنا جاء اهتمام السيد المسيح أن تكون "صدقتك" في الخفاء على قدر المستطاع (متى 6: 4)، لأن الاتضاع مع أعمال صغيرة أفضل جدًا من أعمال كبيرة وبدون اتضاع. وبمعنى آخر يجب أن تكون صدقتك بعيدة تمامًا عن الرياء والاعتداد بالذات أو عشق الذات والتظاهر بأي عمل لأن هذه كلها مظاهر الكبرياء، فلا يمكن الحصول على أجرين مقابل العمل؛ إمّا الأجر السماوي وإمّا الأجر الأرضي. "الخفاء" يعني أن يقدم الإنسان أعمال محبته ليراها الله وحده وليس سعيًا ليراها الناس، وبالتالي أقم علاقة شخصية معه أولًا من خلال صلاتك وصومك، وحينئذ تستطيع أن تقدم صدقتك أي محبتك في أيّة صورة من صور الرحمة.

ومن ناحية أخرى فإن الكمال الذي يطلبه المسيح منّا هو في إبداء الرحمة: «فَكُونُوا رُحَمَاءَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمْ أَيْضًا رَحِيمٌ» (لوقا 6: 36)، وهذا شرط أساسي لدخول ملكوت السموات (متى 5: 7).. وربما قصة السامري الصالح (لوقا 10: 30-37) تعبّر عن كيفية الرحمة؛ بأن تكون دائمًا قريبًا من الشخص البائس الذي تجمعني به الصُدف، وتكون أيضًا رحيمًا بمن أساء إليك (متى 18: 23-35) لأن الله منحني رحمته، وسوف نُدان بقدر الرحمة التي نكون أظهرناها لشخص المسيح ذاته في صورة الجائع والعطشان والمريض والمحبوس (متى 25).

ونحن كثيرًا عبر صلواتنا نردّد صلاة "كيرياليصون = يا رب ارحم" ثلاث مرات، وهذه تعني ثلاثة أبعاد:

1- يا رب ارحم: ارحمني يا الله من خطاياي وضعفاتي.

2- يا رب ارحم: انزع كل قساوة من قلبي ليكون رحيمًا.

3- يا رب ارحم: أعطني أن أصنع رحمة مع كل أحد وفي كل وقت.

إن التقدم المذهل في مسيرة العالم من ناحية اختراعاته ومصنوعاته جعل الإنسان يجف في مشاعره وإحساساته.. ورغم أن كل شيء أصبح في وفرة في حياة الإنسان، إلّا أن العنف زاد والجريمة زادت والنزاعات وتجارة السلاح التي تستنزف موارد الشعوب والأمم زادت، رغم أن الإنسان يحتاج هذه الموارد من أجل التنمية وحياة الناس الآمنة وتربية الأجيال القادمة لحياة أفضل.. ويأتي السؤال لماذا؟! والإجابة في كلمة واحدة: هي "قساوة القلب"، فالخطية التي عشّشت في القلب جعلته قاسيًا، بعيدًا عن أعمال الرحمة الحقيقية.

لذا أنتبه أيها القارئ العزيز، وأحرص أن تبدي المحبة والعطف (فيلبي 2: 1)، وأن يكون قلبك عامرًا بالشفقة (أفسس 4: 32)، حتى لو كانت كلمة طيبة أو ابتسامة هادئة أو مساعدة لازمة أو مشاركة واجبة... الخ. لا تغلق أحشاءك عن إنسان في عوز، لأن محبة الله لا تستقر إلا فيمن يمارسون الرحمة، «يَا أَوْلاَدِي، لاَ نُحِبَّ بِالْكَلاَمِ وَلاَ بِاللِّسَانِ، بَلْ بِالْعَمَلِ وَالْحَقِّ!» (1يوحنا 3: 17 و18).


  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx