اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السابعة والأربعون05 أبريل 2019 - 27 برمهات 1735 ش     العدد كـــ PDFالعدد 13-14

اخر عدد

حَيـــَـــاة السَّـــلام الدَائــِــم - الجمعة 3 أبريل 2009 –  العددان 9، 10

مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث

05 أبريل 2019 - 27 برمهات 1735 ش

أولاد الله يعيشون دائمًا في سلام، مطمئنين إلى عمل الله معهم، مهما كانت الظروف المحيطة بهم.

بل يقول الكتاب إنه «سلام يفوق كل عقل». ليس هو سلامًا عالميًا أو نفسيًا، أو سلامًا مخادعًا، ولا هو تخدير للأعصاب، إنما هو سلام من الروح القدس.

هذا السلام هو ثمر من ثمار الروح القدس (غل5: 22).

الذي يسكن الروح القدس في قلبه، يعيش في سلام..

ليس هو سلامًا ناتجًا من اعتداد بالذات، أو بالنفس، أو بقوة الشخصية، إنما هو سلام داخلي من الروح القدس.

لما تجسد رب المجد غنّت الملائكة «.. وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة»، مُبشِّرة بالسلام والفرح. وقبل صعود الرب قال لتلاميذه: «سلامي أترك لكم، سلامي أنا أعطيكم. ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا، لا تضطرب قلوبكم ولا تجزع».

ما كان أولاد الله يضطربون إطلاقـــًـا، بل كان أعداؤهم يضطربون حينما يرونهم في سلام، على الرغم من كل متاعبهم.

وأكثر عبارة يكررها الكاهن في الكنيسة هي "السلام لجميعكم" لأن الكنيسة تريد أن تزود أولادها بالسلام في كل وقت.

ولما أرسل المسيح تلاميذه السبعين، قال لهم: «وأي بيت دخلتموه فقولوا سلام لهذا البيت. فإن كان ابنًا للسلام، يحل سلامكم عليه». من هنا حينما يتقابل الناس، يبدأون بعبارة السلام.

هذا السلام، إذا فقده الناس، يتعبون روحيًا ونفسيًا وجسديًا.. ويقعون في الخوف والاضطراب والانزعاج والقلق والشك، وفي أمراض عصبية وجسدية كثيرة.

ولهذا تريدنا الكنيسة أن نمتلئ بالسلام الداخلي، ونعيش في فرح تملك علينا البشاشة «افرحوا في الرب كل حين».

الشهداء في السجون، كانوا يرتلون ويغنون. بولس الرسول كان يسبّح الله، ورجلاه في المقطرة، في السجن الداخلي. بطرس وهو مسجون، كان نائمًا إلى أعماقه، في سلام كامل.. السلام الذي لم يفارق الشهداء، حتى وهم ذاهبون إلى الموت، وحتى في أماكن آلات التعذيب الرهيبة.

كذلك في البرية، وسط الوحوش والدبيب وحروب الشياطين، كان القديسون يعيشون في سلام وفرح. قال القديس أثناسيوس الرسولي عن الأنبا أنطونيوس "مَن كان مضطربًا أو مُرّ النفس، ويرى وجه الأنبا أنطونيوس، إلا ويمتلئ بالسلام"!

الممتلئون بالسلام تجدهم دائمًا أشخاصًا مريحين، يريحون الآخرين. إن جاءهم شخص متعب، يخرج وهو مبتهج القلب، وقد ملأ السلام قلبه، دون أن يتملقوه أو يخدعوه، قد يتبكت على على خطيته، ومع ذلك يمتلئ بالسلام.

سلام لأنه عرف نفسه، وسلام في الله المحب الذي يغفر.

ما أجمل أن يعيش الإنسان في سلام، وسط المتاعب..

كان داود يطارده شاول الملك، ومع ذلك كان سعيدًا بمزماره، يغني للرب أغنية جديدة، في وسط متاعبه وآلامه.

شاول الملك يحاول قتله، وهو يغني للرب، دون أن يفقد سلامه، إنه يقول عن أعدائه «أحاطوا بي مثل النحل حول الشهد والتهبوا كنار في شوك». فهل فقدت بذلك سلامك؟ يجيب داود: كلّا! «دُفِعت لأسقط، والرب عضدني... قوتي وتسبحتي هو الرب، وقد صار لي خلاصًا»، إنها خبرة السلام التي جعلته يقول: «يسقط عن يسارك ألوف، وعن يمينك ربوات. وأما أنت فلا يقتربون إليك، بل يعينك تتأمل، ومجازاة الخطاة تبصر». إن داود لا ينظر إلى الأخطار، إنما إلى الله. وفي سلسلة اختباراته يقول «نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين. الفخ انكسر ونحن نجونا»، «لولا أن الرب كان معنا، حيث قام الناس علينا، لابتلعونا ونحن أحياء».

إن ذكر اسم الرب في وسط الضيق، يمنح سلامًا «اسم الرب برج حصين، يركض إليه الصديق، ويتمنّع» (أم18: 10). لا جليات الجبار يفقده سلامه، ولا شاول الذي يطارده بالموت.

أولاد الله في حياة السلام، لا يعرفون خوفـــًـا على الإطلاق. «إن سرت في وادي ظل الموت، لا أخاف».. لماذا؟ لأن «الساكن في ستر العلي، في ظل القدير يبيت»، ينجيه الرب من سهم الصياد، ومن أمر يسلك في الظلمة. لا تضربه الشمس بالنهار، ولا القمر بالليل.. يحيا في الحفظ الإلهي.

القلب المملوء سلامًا، يقول في كل ضيقة، "كله للخير".

أما الفاقد السلام فيتخيل متاعب، حيث لا توجد متاعب..

هناك قوة تحيط به، ومشكلته الكبرى أنه لا يراها.

جيحزي رأى جيوش الأعداء فقط، تحيط بالمدينة، ففقد سلامه. أمّا أليشع فكان يرى القوة الإلهية تدافع عن المدينة، فقال عبارته الخالدة: «إن الذين معنا، أكثر من الذين علينا». وهكذا امتلأ سلامًا. وطلب من الرب أن يفتح عينى الغلام جيحزي، ليرى فيطمئن.

إن كنت ترى فقط الذين عليك، دون أن ترى الذين معك وجند الرب المدافعة عنك، حينئذ تفقد سلامك. آمن أن الله معك، وأنه لا يتركك، فتمتلئ سلامًا.

إن الذي يفقد إيمانه، يفقد سلامه، والمؤمن يعيش في سلام بإيمانه أن الله موجود: وأنه يعمل، وأنه "يحكم للمظلومين" وأن الرب يحفظ الأطفال، وأنه ضابط للكل، يرى كل شيء، ويدبر كل شيء.

آمن أن حياتك في يد الله، تمتلئ سلامًا، أما إن شعرت أن حياتك في أيدى الناس، فحينئذ ستفقد سلامك.

إن الله وحده هو الذي يملك حياتنا ومصائرنا، هو الذي بيده مفاتيح الموت والحياة. هو الذي يفتح ولا أحد يغلق، ويغلق ولا أحد يفتح. أما الناس فلا يملكون شيئـــًـا.

نحن إن عشنا، فللرب نعيش، وإن متنا فللرب نموت، إن عشنا أو متنا، فللرب نحن. لا سلطان للناس علينا.

إبراهيم أبو الآباء، لم يفقد سلامه حينما أمره الرب بتقديم ابنه وحيده إسحق محرقة للرب، ولا إسحق فقد سلامه. إن أولاد الله لا يفقدون سلامهم. حتى إن وُضِع إسحق فوق الحطب، وارتفعت فوق رأسه السكين، مادام الله يمسك باليد التي تمسك السكين. حينئذ نطمئن ولا نفقد سلامنا.. لابد أن الله سيقول «لا تمس الغلام، ولا تصنع به شرًا».

أهل العالم عندما يرون سلام أولاد الله، يقولون: هؤلاء الناس فيهم سر. يُعجبون من سلامهم، ولا يدركون أن مصدره هو الروح المعزي، مصدر كل عزاء.

المهم، لكى نحتفظ بسلامنا، أن تكون قلوبنا بلا لوم أمام الله. لأنه «لا سلام، قال الرب للأشرار».

إن اهتزت علاقتك بالله، تفقد سلامك. إن سيطرت عليك الرغبات والشهوات، تفقد سلامك أيضًا، وتظل عبدًا للرغبة، متى تتحقق؟ وكيف؟ وتتعب بالرغبة والانتظار، وتحتك بالناس بسبب اصطدام مصلحتك بمصالحهم، وقد صدق القديس الذي قال: "ازهد في ما في أيدي الناس، يحبك الناس".

لكي تعيش في السلام. لا تحمل هموم الغد.. لا تقل ماذا يحدث في الغد؟ إن الغد له إله، هو يهتم به «لا تهتموا بما للغد. فالغد يهتم بما لنفسه». إن أردت أن تعيش في سلام، لا تحمل همومك، إنما ألقها على الله الذي قال «تعالوا إلىّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم».

حياتك إن وضعتها في يدك ستتعب، وإن وضعتها في أيدي الناس ستتعب. وإن وضعتها في يد الله فإنك تستريح.

لا تقف وحدك، بعيدًا عن الله. لا تحاول أن تحل مشاكلك بنفسك، ناسيًا أن الله هو الذي يحل المشاكل.. قل له أنا يا رب تعبت الليل كله ولم أصطد شيئـــًـا. أو قل له كما قال القديس أوغسطينوس: "ستظل قلوبنا مضطربة إلى أن تجد راحتها فيك".

إنك لا يمكن أن تجد سلامك، إلا إذا عرفت الله، ومشيت معه، وألقيت عليه كل همومك، ولم تفكر في الغد، ولا في المتاعب، وإنما حصرت فكرك في الله.

إن أولاد الله لا يقلقون أبدًا. القلق كلمة لا توجد مطلقــًـا في قاموسهم الروحي. لا يعرفونه، ولم يختبروه.. ولا في أحلك اللحظات، ولا في أتعب الأمور.. إنهم يعيشون حياة الفرح الدائم، وحياة السلام الدائم، اليوم وغدًا، وبعد غد، وإلى أبد الآبدين آمين.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx