اسم المستخدم

 

كلمة المرور

 

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السابعة والأربعون05 أبريل 2019 - 27 برمهات 1735 ش     العدد كـــ PDFالعدد 13-14

اخر عدد

هل تدرك عطية الله لك؟

05 أبريل 2019 - 27 برمهات 1735 ش

أحد السامرية هو أحد النصف، أي منتصف الصوم. والقصة معروفة.. لا نعرف اسم المرأة إذ لم يُذكر في الكتاب المقدس، فالله أراد أن يستر عليها، ولكنها قصة تصلح لنا جميعًا، فعندما يذكر الكتاب المقدس حدثًا باسم شخص، فهذا الحدث خاص، ولكن عندما يذكر حدثًا بدون اسم، يكون حدثًا عامًا لنا كلنا يستطيع كل منّا أن يطبّقه على كل نفسه.

أولًا السيد المسيح قد تعب: المسافة من أورشليم إلى السامرة 4. كيلو مترًا سيرًا على الأقدام، ولكنه قصد أن يتوقف في السامرة، ولو سألناه عن السبب، سيجيبنا: حتى أقابل هذه المرأة.. وظهر أنه عطشان، ليذكرنا بكلمته على الصليب عندما قال: «أنا عطشان»، والعطش هنا للنفوس التائبة، فالمسيح لا يروي عطشه إلا النفوس التائبة.

السيد المسيح عندما ذهب ليقابل السامرية، قابلها في الساعة الثانية عشرة ظهرًا، وهي تقابل الساعة السادسة التي نصليها في الأجبية. وهي ساعة الصليب. كما أن التلاميذ تركوه في هذه المقابلة كي يبتاعوا طعامًا، تمامًا مثلما تركوه ساعة الصلب. فكأن قصة لقاء السيد المسيح مع السامرية تقابل قصة الصليب ولقاء الله المخلص مع الإنسان الخاطئ.. هذه الأحداث تمهّد للصليب الذي سوف نحتفل به بعد أيام قليلة.

ثانيًا: هذه المرأة كانت تعرف الكتب: فقد كانت تعرف عن تاريخ العداوة بين اليهود والسامريين من بعد أيام سليمان الملك، حينما حدث انشقاق في المملكة وانقسمت إلى قسمين، وصارت قطيعة بين القسمين، فقالت السامرية للسيد المسيح «أنت رجل يهودي وأنا امرأة سامرية». وفي حوارها مع السيد المسيح قالت له: «أبينا يعقوب شرب هو وأولاده ومواشيه من هذا البئر..»، أي كان عندها معرفة دينية.

ثالثًا: كان يشغلها موضوع العبادة: هل السجود هنا في السامرة أم هناك في أورشليم؟

ولكن ما مشكلة المرأة السامرية؟ إنها لم تكن تدرك عطية الله للإنسان، لعمل الروح القدس فيه. مثل إنسان يختنق لو نزل إلى الماء دقائق معدودة، فهو يحيا بسبب الهواء الذي حوله وهو لا يراه ولا يشعر به. الإنسان يحيا في النعمة لكنه لا يدرك قيمتها. لذلك فالسؤال الذي أحب أن نقف أمامه اليوم ما يقوله لنا السيد المسيح: هل فعلا تدرك عطية الله؟ نعمة الله؟ هل فعلًا تلاحظها وتشعر بها؟

من الخطايا الجماعية مثلًا أننا نحن البشر نلوّث الهواء، والهواء هو سبب وجودنا، وكذلك الماء.. فهل ندرك العطية التي يعطيها الله لنا؟ الله يعطي الصحة للإنسان، فهل ندرك قيمة عطية الصحة؟ يوجد من يبدّد صحته بمشروبات ضارة، وهو غير مدرك انه يفسد هذه العطية.

هل تدرك عطية الخلاص فعليًا، أم هي مجرد معرفة نظرية؟ أذكّركم دائمًا بأيوب الصديق الذي لم يكن يدرك الله بصورة كاملة، وقال العبارة المشهورة في نهاية سفره: «بسمع الأذن قد سمعت عنك، والآن رأتك عيناي».

السامرية إنسانة مثل أي انسان فينا، لم تكن تدرك عطية الله. قال لها الرب: «لو كنتِ تعلمين عطية الله ومن يقول لك أعطيني لأشرب، لطلبتِ أنتِ منه فأعطاك ماءًا حيًا».

عندما تقابل السيد المسيح مع هذه المرأة، تدرّج في حواره معها حتى تعرف عطية الله. في البداية قابلته بنوع من الصدّ (أنت رجل وأنا امرأة.. أنت رجل يهودي وأنا امرأة سامرية)، ثم بدأت ترتفع في المعرفة فقالت له عبارة «يا سيد». ثم ارتقت اكثر حينما سألته إن كان "نبيًا"، ثم إن كان "المسيا".. وفي النهاية قالت له "أنت المسيح". ولما انطلقت لتبشر أهلها السامريين، قالوا للمسيح في نهاية زيارته: «أنت مخلص العالم»، وهي كانت في وسطهم بالطبع.

نلاحظ انها مرت بستة مراحل من أسفل إلى أعلى: (1) رجل، (2) يهودي، (3) سيد، (4) نبي، (5) المسيا، (6) المسيح مخلص العالم. وهذا نسميه بناء المعرفة حتى يستطيع الإنسان أن يدرك عطية الله.

(1) النفس البشرية غالية

ربما نتساءل هل السيد المسيح لديه متسع من الوقت لكي يسير هذا المشوار الطويل ويذهب وحده لامرأة لكي تتوب؟ أقول: بل لأنه يعرف تماما ما يفعل، رتّب هذا اللقاء مع السامرية، والتي من خلال توبتها تصير كارزة لمدينتها لتؤمن بالمسيح. فكأن المسيح يتواصل مع امرأة فيخلص مدينة. بمعنى آخر أن المرأة السامرية كانت المفتاح لمدينه السامرة وشعب السامرة.

النفس البشرية غالية جدا عند المسيح، وعندما قال المسيح على الصليب «أنا عطشان»، لم يكن عطشانًا للماء بقدر ما كان عطشانًا لكل نفس أن تتوب وتقبل عطية الخلاص. ولما قال المسيح «لأني كنت عطشانًا فسقيتموني»، لا تظن أن المقصود أننا سنحضر ماءً لنسقيه، بل نفوسًا تتوب وتأتي إلى المسيح. فالنفس غالية عند المسيح جدًا.

ولذلك فأكثر ما يجعل المسيح يتألم، هو ألمه من كل إنسان يحيا بعيدًا عنه غارقًا في الخطية، ويفرح جدًا بإنسان تائب، وكلكم تعرفون الآية «السماء تفرح بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين بارًا لا يحتاجون للتوبة»، في نفس الوقت يجب أن يعرف الإنسان أن باب التوبة مفتوح. فارجع لعقلك وصوابك وباب التوبة مفتوح لك وكذلك أحضان المسيح، فأشرّ إنسان موجود في أي مكان، ينتظر الله توبته وعودته، بل ويعطيه يومًا وراء يوم وسنة وراء سنة ربما يتوب وربما يرجع، تمامًا كالأب الذي انتظر ابنه الضال الذي تاه وضاع ولكنه رجع.

(2) رقّة السيد المسيح في التعامل:

لكي يدرك الإنسان عطية الله الكبيرة، يجب أن يعرف أن المسيح عندما يتعامل مع أي انسان، يتعامل بمنتهى الرقة. كان المسيح رقيقًا جدًا مع هذه المرأة، رغم أنها في بداية الحديث كانت جامدة ومتحفظة. ورقة المسيح تظهر من الآية التي قالها: «تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب»، فرقة المسيح نابعة من تواضعه الجم، ودائمًا ما يرتبط التواضع بالرقة.

السيد المسيح يقتحم النفس البشرية باتضاعه! ظهر أمام السامرية وكأنه محتاج، قال لها «أعطيني لأشرب»، وبدأ حواره عن الماء، يخبرها عن طبيعة الماء الذي عنده، وأنها مياه من يشرب منها لا يعطش أبدًا.. فتجيبه بأنها لا ترى معه دلوًا، فمن أين لك الماء؟ هل أنت أعظم من أبينا يعقوب؟! واستمر الحوار... قال لها: سأعطيكِ الماء لكن ادعي زوجك.. مع أنه كلي المعرفة. والسامرية ترد بالنفي «ليس لي زوج»، والمسيح يبحث عن شعاع النور في هذه النفس المظلمة، فيقول لها: «بالصواب قلتِ». ولكنها تحاول الهروب من الأمر، فتتكلم عن السجود وتسأل المسيح، وفي النهاية تقول له العبارة الجميلة: «أنا اعلم أن المسيا الذي يُقال له المسيح يأتي، فمتى جاء يخبرنا بكل شيء»، فقال لها يسوع: "أنا الذي أكلمك هو المسيح". المسيح رقيق جدًا في تعامله مع النفس، أحيانًا يتعامل معنا بخبطات رقيقة لكي نصحو وننتبه، وأحيانًا بخبطات شديدة لأن الإنسان يكون غارقًا في سباته غير منتبه.

(3) التدرج في المعرفة:

المرأة السامرية وهي تتعامل مع المسيح رأى ان عندها اشتياقًا للمعرفة، عندها رغبة أن تكون أفضل. وتبدأ المرأة في الحوار، ويساعدها السيد المسيح على التوبة، حتى تصل إلى درجة كمال المعرفة. ويقول الكتاب المقدس إن هذه المرأة تركت جرتها لما عرفت المسيح؛ تركت كل شيء، وذهبت للمدينة تقول للناس: «هلموا انظروا إنسانًا قال لي كل ما فعلت، ألعل هو المسيح؟!»... فخرجوا من المدينة وأتوا إليه، وآمن به كثيرون بسبب كلام المرأة، ثم آمن به أكثر عندما سمعوه، وقالوا للمرأة «إننا لسنا بعد بسبب كلامك نؤمن لأننا نحن قد سمعنا. إنه هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم».. هذه هي النقطة التي يريد المسيح ان يصل إليها، هذا هو الهدف النهائي. مقابلة السامرية كانت نقطة البداية، وهذه هي نهاية القصد، أن المسيح مخلص العالم. نلاحظ هنا التدرج، فيمكن أن تخدم إنسانًا واحدًا، يصبح مفتاحًا لمدينة وخلاصًا لشعوب.

كمان نلاحظ التدرج مع المرأة السامرية، بعد أن كانت امرأة مجهولة تذهب لتجلب الماء كل يوم وتعود لتحيا نفس الحياة كل يوم، أصبحنا ندعوها الآن القديسة السامرية وأنها كارزة بلاد السامرية، ونخصص لها يومًا نحتفل بها في أحد السامرية تعبيرًا عن التوبة، وفي الأحد الثالث من الخمسين تعبيرًا عن المياه، ونقرأه أيضًا في صلاة السجدة الثالثة تعبيرًا عن السجود.

المرأة السامرية تسأل وتطلب وتشتاق وترغب، وتنال في النهاية. تأخذ النعم الكبيرة وتدرك عطية الله لها. ونحن كلنا محتاجون للتجديد الروحي، كل إنسان يحتاج أن يجدد حياته. قصة المرأة السامرية تدفعنا لهذا التجديد. نحن لا نقرأ قصتها ثم ننساها، ولا نقرأها كما لقوم عادة، أو كعلامة على انتصاف فترة الصوم. لكن السامرية هي دعوة لكل إنسان منّا أن يقوم ويفتح قلبه. فافهم الكلمة المقدسة التي تقرأها، واعرف أنك تتقدم للتناول وتفتح فمك وتأخذ الأسرار المقدسة لكي ما تستنير، ولكي ما تدرك النعمة التي لك. لو أدركت النعمة التي أعطاها الله لك، لمكثت طوال ساعات اليوم الأربعة والعشرين تشكر الله. أمّا الإنسان المتذمر المعاند الذي لا يعجبه شيء، مثل الابن الأكبر في مثل الابن الضال، فإنه يخسر الكتير.

أصبحنا في منتصف فترة الصوم، ولكن إن فاتتك أيام الصوم الأولى، فابدأ من اليوم والمسيح يعينك.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق  
موضوع التعليق  

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx