اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السابعة والأربعون05 أبريل 2019 - 27 برمهات 1735 ش     العدد كـــ PDFالعدد 13-14

اخر عدد

لا هذا أخطأ ولا أبواه

القس إبراهيم القمص عازر

05 أبريل 2019 - 27 برمهات 1735 ش

عمل الرب يسوع الأساسي هو أن يستعيد خليقته، يُعيد لها بريقها وبهاءها، تمهيدًا لاستعلان مجدها في ملكوته، حينما سيسكن معنا ويشرق بنوره علينا. وتمثّل قصة المولود أعمى نموذجَا واضحًا للخليقة وقد سُلِب منها نورها، فصارت مظلمة وباهتة، فجاء الرب يسوع لكي يعيد إليها ما قد فُقد منها، يصلح ما قد شوّهته الخطية وأفسده الشيطان. لقد جاء الرب يسوع لكي يرد لخليقته المحبوبة ما قد سُلب منها بسبب الخطية. وهذا بالتأكيد عكس وضد تلك الفكرة التي يروِّج لها البعض، وهي أن الانسان قد خُلِق في حالة أدنى ثم تدرّج وتطور ليصل إلى ما هو أسمى وأرقى، فالإنسان قد تطوّر جينيًا ليكون هو الإنسان كما نراه الآن. وهذه الفكرة برغم جاذبيتها، إذ يراها البعض حلًا مُوفَّقًا لما يتصوره الكثيرون صراعًا بين العلم والإيمان. ولكنها لا تناسب روح الكتاب المقدس وإعلاناته فيما يخص خلق الإنسان وفداءه وأبديته. الرواية الكتابية للخليقة في سفر التكوين، تعلن عن عمل إلهي عظيم ومتكامل، حتى أن الله رآه جميلًا وحسنًا، هكذا كان منذ البداية. هذه الخليقة يقوم فيها الإنسان بدوره الإنساني بالتوافق مع العمل الإلهي. حتى دُعِي الإنسان "تاج الخليقة" و"كاهن الخليقة". حدّد الله الدور الإنساني في "حفظ الخليقة". والحفظ بلا شك، معناه هو أن يعمل الإنسان على اكتشاف الإمكانيات والطاقات الكامنة في الخليقة، وتنميتها. وذلك من خلال تلك العطية الإلهية التي ميّز بها الله الإنسان على سائر الخلائق، فهو الوحيد الخليقة الناطقة العاقلة والمبدعة في الكون. لقد خلق الله العقل الإنساني مشمولًا بقدرات إبداعية وإنتاجية لا حدود لها. فالعقل المبدع يحقق للإنسان نموًا في اكتشاف تميزه وفرادته وإمكانياته، وتطويرًا لخليقته من حوله. ولكن الحفظ يعتمد، في الإساس، على حفظ الإنسان نفسه في حال الشركة مع الله، إذ يأخذ من الله ويسكب النعمة على الخليقة كلها. فحفظ الإنسان لنفسه، ضمانًا لحفظه للكون من حوله. لذلك عندما أخطأ ولم يحفظ نفسه في النعمة، أضرّ بخليقته كلها. شوهها، أفسد قوانينها، وانتهك نظامها، فأتعبته وأنهكته.

إنجيل المولود أعمى يقدم لنا، المرض "كمثال". فمن البداية لم يكن المرض هو قصد الله بل الصحة، لم يكن الشقاء والألم هما خطة الله لخليقته بل الفرح والسعادة. ولكن الإنسان يمرض عندما ينتهك طبيعته الخاصة ويفسد قوانين الطبيعة أيضًا. ومن هنا جاء في الكتاب المقدس ذلك الربط بين المرض والخطية «لا تعود تخطئ لئلا يكون لك أشر». ليس بمعنى أن المرض نتيجة مباشرة لخطية يصنعها الإنسان، أو عقاب من الله نتيجة أفعاله. ولكن المقصود هنا أن المرض حلّ وساد، عندما أفسد الإنسان طبيعته، وأساء لنظام الكون من حوله. فتحولت الخليقة لتكون سببًا لشقائه وألمه، بدلًا من أن تكون مصدرًا لفرحه وسعادته. ولذلك تُخصّص الكنيسة صلاة خاصة (سر مسحة المرضى) لنصلي من أجل شفاء المرضى، ونطلب العلاج ليس فقط للجسد، ولكن رجوع الإنسان لله «إن كان قد فعل خطية تُغفَر له». ما نحتاجه بالأولى ليس هو شفاء وقتي للجسد (مرض الجسد)، ولكن شفاء كُليّ للكيان وأبديّ للإنسان. "تباركت أيها الرب إلهنا الصالح طبيب أنفسنا، بجراحاتك شُفينا أيها الراعي الصالح" (مسحة المرضى). لقد جاء الرب يسوع ليشفي الإنسان «أتى بصيرًا». عندها يصبح المرض والألم في العالم، مجرد أدوات تدفعنا نحو الطبيب الصالح، تهذب ما تمرّد من طبيعتنا، وتصلح حياتنا «من تألم بالجسد كُف عن الخطية»، وتكلل جهادنا (إكليل الحياة). فالعلاج الحقيقي ليس تخلُّصًا من الآم الجسد (العَرَض)، ولكن تجديدًا للكيان كله من الخطية (المرض) بالتوبة والرجوع لله، انتظارًا لفداء أجسادنا (رو23:8).




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx