أحد الشعانين هو عيد سيدي كبير، ولأهميته تقرأ فيه الكنيسة الحدث من الأربعة أناجيل...
1– يتميز طقس هذا اليوم:
في عشية هذا العيد تُزيَّن الكنيسة بالسعف وأغصان الزيتون، كما فعل الناس في استقبال السيد المسيح عند دخوله أورشليم. وهذه الطريقة كانت تستخدم في استقبال الملوك والقادة والجيوش عند عودتهم بعد انتصارهم، وإن كان اليهود قد استقبلوه هكذا لأنهم كانوا يتمنون قائدًا ينقذهم من الرومان، على الرغم من أن السيد المسيح له المجد كان دائمًا يؤكد لهم أن مملكته ليست من هذا العالم وأن كل عمله كان روحيًا: عظاته، وتحركاته، ومعجزاته.. كلها تقود الناس إلى معرفة الله والإيمان به والنمو في العلاقة معه والاتباط بالأبدية.. ولذلك حتى وإن قبل منهم أن يستقبلوه بهذه الطريقة إلّا أنه جاءهم راكبًا على أتان وجحش ابن آتان منفِّذًا النبوة التي تقول: «قولوا لابنة صهيون هوذا ملككِ يأتيكِ وديعًا، راكبًا على آتان وجحش ابن آتان» (زك 9: 9).
كذلك يتميز طقس هذا اليوم بالأناجيل الأربعة وهو القداس الوحيد الذي به هذه الظاهرة..
وكذلك بعد انتهاء القداس إقامة صلاة الجناز العام، تحسُّبًا لانتقال أحد في أسبوع الآلام والكنيسة متفرغة لأحداث هذا الأسبوع الخاصة بالسيد المسيح، فيكون قد تم الصلاة عليه مقدمًا. وفي صلاة التجنيز العام نحن نصلي من أجل الناس ونرشهم بالماء المصلى عليه.. لا من أجل السعف لذلك يجب أن لا ننشغل بالسعف ونهمل التركيز في القداس.. فالسعف انتهى دوره في رفع بخور باكر.. لأن استقبال السيد المسيح كان خارج الهيكل لا داخله.. لذلك نتمم هذه الدورة في رفع بخور باكر قبل دخول الحمل إلى الهيكل، وفي هذه الدورة نقرأ (12 إنجيلًا) في أرجاء الكنيسة لنقول أن الإنجيل انتشر في العالم كله وأن الرب جاء إلى العالم كله والخليقة كلها.
2– ملك مختلف:
دخل السيد المسيح له المجد في هذا اليوم أورشليم كملك، ولكنه ملك مختلف عن باقي الملوك، فهو ملك وديع لا يصرخ ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته.. متواضع وُلِد في مذود للبقر، وعاش لا يملك شيئًا، وليس له أين يسند رأسه، وحتى الركوبة التي لم تكن مثل باقي الملوك (من الخيل) لم تكن ملكه، ولكنه استعارها من أحد الأحباء..
ملك ولكن مملكته ليست من هذا العالم.. مملكته على الأرواح والقلوب والعقول.. مملكته في كل قلب.. عرشه كان الصليب (الرب قد عُلِّق على خشبة).. حرّرنا ليس من أعداء ولكن من الشيطان والخطية، يهبنا بركات مادية ولكنه يهبنا أولًا نعم ومواهب وبركات روحية لا تُقدَّر بالمال.
لم يعدنا بإغراءات مادية ولكن بالملكوت السماوي وما فيه من أفراح روحية «ما لم ترَ عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على بال إنسان» (1كو2: 9).
وهكذا حتى الهتاف كان روحيًا دون أن يدروا: «أوصنا (أو هوشعنا أي خلصنا)... أوصنا في الأعالي... الخلاص لإلهنا في الأعالي... مبارك الآتي باسم الرب... مباركة مملكة أبينا داود الآتية باسم الرب».
3– على أن الاستقبال كان حافلًا:
فالجمع الأكثر فرشوا ثيابهم في الطريق، وآخرون قطعوا أغصانًا من الشجر وفرشوا على الطريق.. مع الهتاف والفرح.. ولكن العجيب هو هذا التحول الذي حدث كيف يفرحون كل هذا الفرح ويرحبون كل هذا الترحيب يوم الأحد وينقلبون هكذا سريعًا في نهاية الأسبوع.. نفس الجموع تقول: «اصلبه اصلبه دمه علينا وعلى أولادنا». إنه فرح خارجي جسدي.. ولكن الرب يريدنا أن نفرح فرحًا روحيًا داخليًا.. فرح به، وبالتوبة والرجوع إليه وبالثبات فيه.. فرح بكلمته وبكنيسته والشبع بكل كلمة تخرج من فمه.. يريدنا لا أن نقدم عطايا خارجية والقلب بعيد حجري.. بل يريدنا أن نقدم من قلوب طاهرة نقية مملوءة بحبه.