يحدثنا سفر الملوك الأول في الأصحاح الحادي والعشرين، عن قصة أخاب ملك إسرائيل والذي اتخذ إيزابل ابنة ملك الصيدونين زوجة له. وكانت إيزابل سببًا في أن ينزلق أخاب في عبادة البعل ويعمل الشر في عيني الرب. وكانت خطية الزواج بأجنبيات هي أولى خطايا أخاب الملك، وكانت سببًا في زيغان الملك عن الرب وانحرافه وراء عبادة البعل. وفي قصة نابوت اليزرعيلي يحكي لنا الكتاب أن أخاب قد سقط في خطية أخرى وهي خطية اشتهاء حقل نابوت رغم كونه ملكًا وله كل المملكة! ورفض نابوت أن يتنازل عن حقله، ليس طمعًا في الأرض، ولكن بحسب وصية الناموس ألّا تنتقل ملكية الارض من سبط لآخر «حاشا لي من قِبَل الرب أن أعطيك ميراث آبائي» (1مل21: 3)؛ فما منحنا الرب إيّاه ينبغي ألّا نتنازل عنه.
وخطية اشتهاء ما للغير هي خطية الإنسان الذي يترك العنان لعينيه لتبصرا وتشتهيان، فالعينان لا تشبعان من النظر (جا1: 8).. لذلك ففي التدبير الرهباني الأصيل يوصى الراهب: :إذا دخلت قلاية أخيك فلا تنظر ما بها"، فعندما ينظر الإنسان يشتهي، ولو أتت له الفرصة يغتصب، وعندما يشتهي ربما يطمع في المزيد وربما يتذمر،لأنه لو تُرِك للإنسان العنان لاشتهى ما للآخرين حتى وإن كان بسيطًا.
وجزء كبير من مشكلات العائلات تتلخص في اشتهاء ما للآخرين، وهي خطية تظهر ربما في تقسيم الميراث والأنصبة. وربما نشتهي مقتناياتهم أو أملاكهم أو مواريثهم أو أبناءهم وأحيانًا أزواجهم أو زوجاتهم. لذلك أوصى الرب: «لا تشتهِ ما لقريبك...».
وفي رد فعل مختلف لعدم اشتهاء ما للغير، نجد القديس يوحنا المعمدان الذي عندما نظر إلى التفاف الجموع حول الرب يسوع وانصرافهم عنه، أنه تكلم بحب: «من له العروس فهو العريس، أمّا صديق العريس الذي يقف ويسمعه، فيفرح فرحًا من أجل صوت العريس» (يو3: 29)، فلم يشتهِ القديس يوحنا المعمدان حتى الكرامة أو الشهرة، لذلك شهد الرب يسوع عنه أنه اعظم مواليد النساء.
خطية اشتهاء ما للغير هي إحدى الخطايا الأمهات..
+ تقود لروح الخصومة وفقدان المحبة حتى بين الإخوة، وتقود للخصام والتقاضي في المحاكم، وربما الفرقة حتى الموت رغم أن الإنسان لا يأخذ معه شيئًا؛ فقد اغتصب أخاب الحقل بخصومة إلّا أنه مات وترك أملاكه.
+ تقود إلى التذمر والغضب والحزن والتخلي عن المسؤليات الشخصية أو الرسالة الخاصة بالإنسان. من أجل الانشغال بشهوة الإنسان، فأخاب ترك تدبير أمر مملكته وسلم ذاته للحزن من أجل الحقل.
+ تجعل الإنسان يخضع لمشورات غير أمينه تثير الغضب والحسد، فأخاب خضع لتأنيب زوجته ايزابل (1مل21: 7).. وهكذا ربما يزداد من يشتهي غضبًا، بسبب مشورات من حوله وتشجيعهم له في شهوته.
+ إساءة استخدام السلطة: فقد كتبت إيزابل رسائل وختمتها بخاتم الملك، ودبّرت محاكمة كاذبة لنابوت وحُكِم عليه بالموت.. هكذا كل من يشتهي ما لغيره يستقوي.
+ قد تدفع البعض إلى الحنق حتى القتل: وليس بالضروري قتلًا ماديًا، بل ربما قتل أدبي للآخرين، فنتكلم في حق إخوتنا بما ليس فيهم لكي ننال شهوتنا. فإيزابل دبّرت شهود زور لكي تقتل نابوت وترث حقله.
+ تُعرّض الإنسان لأن يجني ثمر ما فعله فترتد عليه شهوته. فكما قتل أخاب نابوت اليزرعيلي، هكذا قُتِل أخاب ومات، ولحست الكلاب دمه في نفس مكان قتل نابوت.
فكيف نسلك أمام هذه الخطية؟
- نصرخ أمام الله.. احفظني يا رب.. حتى نتجنب الوقوع في الخطايا المولودة منها.
- الحرص على حفظ وصية المحبة بين الإخوة، فالبعض يتنازل عن المحبة من أجل المقتنيات، والبعض يتنازل عن المقتنيات من أجل الاحتفاظ بمحبة الإخوة، فوصية لا تشتهِ في القديم يقابلها في العهد الجديد «المحبة لا تطلب ما لنفسها» (1كو13: 5)، فعندما تهاجمك خطية اشتهاء ما للآخرين افرح لأجلهم، واطلب إلى الرب أن يزيدهم من كل خير.
- وعندما تتعرض لأن يشتهي الآخرون ما لك، الجأ إلى التسليم الكامل لله الذي يجازي عن كل شر، فعيناه تخترقان أستار الظلام، وهو لا يرضى بظلم أولاده، فعندما يشتهي الآخرون ما لك لا تخاصم.. بل سلِّم أمرك لمن يقضي بعدل.
تذكر نتائج هذه الخطية فيثبت في قلبك خوف الله.
