اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السابعة والأربعون28 يونيو 2019 - 21 بؤونه 1735 ش     العدد كـــ PDFالعدد 25-26

اخر عدد

موسى الأسود

الأنبا تكلا - اسقف دشنا

28 يونيو 2019 - 21 بؤونه 1735 ش

تحتفل الكنيسة في 24 بؤونه بعيد القديس موسى الأسود. ولعل شهرة هذا القديس ترجع إلى التحول الرهيب الذي حدث في حياته، وكيف أنه كان سارقًا وزانيًا، وزعيم عصابة تخطف وتسلب وتنهب، والأخطر من ذلك أنه كان يعبد الشمس ويظن أنها الإله الحقيقي.. ثم تحول كل ذلك إلى توبة جبارة وعدم عودة إلى الشر مرة أخرى، بل وارتفاع في الروحيات.. ولذلك نود أن نوضح عدة دروس نستفيدها من حياته:

(1) الخير والشر: عندما نحلّل حياة أي إنسان، لا بد أن نجد فيه الخير والشر، بنسب متفاوتة من شخص لآخر. فلا يمكن أن نجد إنسانًا بلا خطية أو شر، وكذلك لا يمكن أن نجد إنسانًا بلا خير أو بِرّ. لا بد أن نجد شيئًا شريرًا في حياة أبرّ الناس، فالكمال لله وحده. ولا بد أن نجد شيئًا صالحًا في حياة أشرّ الناس؛ لذلك علينا ألّا نُصدَم عندما نجد شرًّا في البارّ، وألّا نيأس من وجود البِرّ في الشرير. الأسرة والخدمة والمدرسة وكل جهة تربوية تتعامل مع الناس، عليها أن تبحث عن النقاط المضيئة وتحاول أن تزيد منها، ومثالنا في هذا الأنبا موسى؛ فعلى الرغم من أن حياته الأولى كانت شريرة جدًا، إلّا أنه كان فيها عنصر بارّ وهو أنه كان يبحث ويفتش عن الله، وكانت نفسه قلقة إلى أن وجد راحته في معرفته.

(2) أسود وأبيض: كانت لهذا القديس بشرة سوداء، وهكذا كانت حياته الأولى. ولكن التوبة حوّلت هذا السواد إلى بياض، وهو ما قاله له البابا ثيؤفيلس حينما رسمه كاهنًا: "ها قد صرت كلك أبيض... ورأينا كيف استطاعت التوبة أن تبيِّض لوح حياته الذي كان قد امتلأ عن آخره بالسواد، وكيف صارت حياته بيضاء تحيط به الملائكة. وهكذا نتعلم درسًا لا بد أن نضعه أمامنا دائمًا: أنه مهما كانت حياتنا سوداء قاتمة فلا نيأس، بل نتمسك بالرجاء قائلين إن الله الذي حوّل موسى الأسود إلى البياض، قادر أن يحول حياتنا نحن أيضًا.

(3) الإرادة: إنها العنصر الهام الذي حوّل حياة هذا القديس من الشر إلى الخير. حوّله مرة واحدة فقط ولم يعد للشر مرة أخرى. على الرغم من شدّة جاذبية الشر وطول المدة التي قضاها في الشر، إلّا أن إرادته القوية في التوبة جعلته لا يعود مرة أخرى للخطية. وهذا يعطينا درسًا أيضًا في كيفية الإصرار، والعزيمة القوية في عدم العودة للخطية مرة أخرى. يمكنك أن تبتعد عن الخطية، ولكن أن لا تعود إليها مرة أخرى فهذه هي التوبة الحقيقية التي فيها تكره الخطية من كل قلبك وتشعر بخطورتها على حياتك وعلى أبديتك، فهي تدمّر حياتك وتدمّر أبديتك. ضع أمامك دائمًا صورًا مضيئة مثل هذا القديس، لعلها تُشجِّعك على قوة الإرادة..

(4) تغيُّر الطباع: هناك من يخطئ ويبرّر خطأه بأن هذا هو طبعه، والطبع لا يمكن تغييره. وهنا نسوق له قصة هذا القديس، كيف تحوّلت طباعه وصفاته من الضد إلى الضد. فبعدما كان يسلب وينهب ويسرق، صار كريمًا ومضيافًا. وبعدما كان نهمًا في الأكل شرهًا، صار صوّامًا يأكل القليل. وبعدما كان قاسيًا عنيفًا مخيفًا، صار وديعًا لطيفًا بشوشًا. وبعدما كان مثالًا للشر، أصبح مثالًا للخير. حقًا ما أعجب هذا التحول! إنه لم يأتِ من فراغ، بل أتى من الجهاد العنيف ضد الحياة الأولى، ضد الشياطين والأفكار الشريرة، ضد الرغبات والشهوات، ضد الذات. إنه الجهاد الذي يستطيع أن يحوِّل طباعك ويغيّرها. ولي نصيحة أقولها لك: لا شيء يستطيع أن يغيرك إن لم تسعَ أنت لذلك وتجاهد فيه. إن لم تجاهد حتى تتغير، فلن تتغير.

(5) عقوبة وبركة: وقد انتهت الحياة المباركة لهذا القديس بالاستشهاد، ولاستشهاده قصة لطيفة إذ أنه قال لثلاثة من الرهبان إن البربر قادمون وأنهم سيقتلون وينهبون. فقالوا له: "اهرب يا أبانا". فقال لهم: "إنه لا بد أن يتم فيّ قول الكتاب «سافك دم الإنسان بالإنسان يُسفك دمه» (تك9: 6). وفعلًا أتى البربر وقتلوا هذا القديس، فصارت هذه العقوبة بركة له ولنا. صار من أوائل شهداء الرهبنة، وصارت له مكانة مرتفعة في السماء وعلى الأرض.

بركة شفاعة هذا القديس العظيم تكون معنا آمين.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx