اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السابعة والأربعون26 يوليه 2019 - 19 أبيب 1735 ش     العدد كـــ PDFالعدد 29-30

اخر عدد

حَتى مَتى تعَرّجون بَين الفرقتين؟ - الجمعة 26 أبريل 2002 –  العددان 17، 18

مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث

26 يوليه 2019 - 19 أبيب 1735 ش

هكذا قال إيليا النبي لأنبياء البعل ولجميع بني إسرائيل:

«حتى متى تعرّجون بين الفرقتين؟! إن كان الرب هو الله فاتبعوه. وإن كان هو البعل فاتبعوه» (1مل18: 21).

كانت عبادة البعل قد انتشرت وقتذاك، حتى وُجد 450 من أنبياء البعل في أيام آخاب الملك. وكانوا يأكلون على مائدة زوجته الملكة إيزابل (1مل18: 19). واختلطت عبادة الله بعبادة البعل، يعبدون الرب تارة، ويعبدون البعل تارة أخرى.

فقال لهم إيليا: حتى متى تعرجون بين الفرقتين.

فلا يمكن لإنسان أن يعبد إلهين في وقت واحد: فإمّا هذا، وإمّا ذاك (مت6: 24). لا يمكن أن يسلك بطريقة المراجيح "يوم في العالي، ويوم في الواطي". ولا أن يسير بذلك المثل العامي: "ساعة لقلبك، وساعة لربك"! فهذا المثل يدل على أن قلبك في اتجاه غير اتجاه ربك، وأنك لا تستطيع أن تجمعهما معًا. بل في الساعة التي تشبع بها قلبك، لا تكون فيها مع ربك. وأنك لا تعبد الله سوى بنصف قلب. أمّا النصف الآخر فتعطيه لملاذ العالم! بينما الرب الإله حينما قال «يا ابني أعطني قلبك» (أم23: 26) لم يكن يقصد جزءًا من هذا القلب، بل قال:

«تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل قوتك» (تث6: 5)

لذلك حينما قيل إن سليمان الملك في أيام شيخوخته «نساؤه أملن قلبه وراء آلهة أخرى» قيل أيضًا «إن قلبه لم يكن كاملًا مع الرب إلهه كقلب داود أبيه» (1مل11: 4). إذًا لا يكفي أن يكون قلبك مع الله، إنما يجب أن يكون كاملًا معه..

مشكلة كثير من الناس أنهم لا يعطون الله سوى حيّز محدود من قلوبهم، ومن عاطفتهم، ومن وقتهم واهتمامهم، بينما يتركون باقي القلب وغالبية الوقت لاهتمامات أخرى يحبونها وينشغلون بها!! وهكذا يعرّجون بين الفرقتين.

مثل شاول الملك كان يحب أن يطلب صموئيل النبي، ليسمع صوت الله من فمه. ومرة أخرى يطلب العرافة ليسمع منها صوت صموئيل (1صم28: 11).

إن الذي يعرج بين الفرقتين، إنما يبني ويهدم في نفس الوقت، بلا قيام. فعبادة البعل هي خيانة لله، وكذلك كل عبادة أخرى غيره. لا يستطيع أحد أن يقبض الثلاثين من الفضة من أيدي رؤساء الكهنة، ثم يقبّل معلمه المسيح في نفس الوقت!!

والآن فلنسأل: ما أسباب التعريج بين الفرقتين؟

أسباب التعريج:

1- أولًا: الذي يعرّج بين الفرقتين: ليس كل قلبه مع الله، ولا كل اقتناعه الفكري. وليس له هدف روحي ثابت.

لذلك فليست كل إرادته متجهة نحو الله.. وليس هدفه هو محبة الله. وإذ ليست محبة الله هي هدفه الوحيد، فإنه يسلك مع الله حينًا، ثم يعود بعد ذلك إلى شهوات العالم وملاذه. وينطبق عليه قول الرب على أحد الأنواع في مثل الزارع «وإذ لم يكن له أصل، جفّ» (مت13: 6). أي لم يكن له أصل من القيم يلتزم بها وتتركز في محبة الله.. فهل في قلب كل منا تلك القيم الروحية الراسخة التي لا يمكن أن نتزحزح عنها بسبب محبتنا لله؟ أم نعرف القيم، ولكن لا نلتزم بها؟!

+       +       +

2- السبب الثاني هو عدم الثبات في الله.

إن الله لا يريدك فقط أن تعرفه وأن تعبده، بل بالأكثر أن تثبت فيه، كما قال لنا في الإنجيل المقدس: «اثبتوا فيّ، وأنا فيكم» (يو15: 4). وقال لنا «أنا الكرمة، وأنتم الأغصان. الذي يثبت فيّ، وأنا فيه، هذا يأتي بثمر كثير» (يو15: 1-5). هذا الغصن الثابت في الكرمة، تجري عصارة الكرمة في عروقه، وفي فروعه وأوراقه وثماره. أما إذا انفصل عن الكرمة، فإنه يجف، ويطرح خارجًا، ويُحرق بالنار (يو15: 7). وعبارة "اثبتوا فيّ" ليس معناها أن تثبت فيه يومًا وتنفصل عنه في يوم آخر. أو تثبت فيه فترة من حياتك، وتنفصل بعدها. بل أن تظل ثابتًا إلى الدوام. وفسرّ الثبات فيه بقوله: «اثبتوا في محبتي» (يو15: 9)، فليس الأمر مجرد الثبات في الإيمان، أو في مظاهر العبادة، وإنما في المحبة التي هي أساس الإيمان والعبادة..

وهذا ينقلنا إلى النقطة الثالثة في أسباب التعريج بين الفرقتين.

+       +       +

3- السبب الثالث هو ممارسة الفضيلة خالية من الصلة بالله!

كإنسان يصلي، وليس بداخله شعور أنه في حضرة الله! فصلاته مجرد كلام بلا روح. وعلى رأي مار إسحق "إذا ما حوربت بهذا، فقل: أنا ما وقفت أمام الله لكي أعدّ ألفاظًا"!

+ وهو يصوم دون أن يدخل الله في صوته. فصومه هو مجرد علاقة مع الطعام: ماذا يأكل ومتى يأكل. وليس صومه علاقة مع الله!

كلها ممارسات منفصلة عن الله فكيف تُحسب فضائل؟!

+ كذلك في عشوره. هي في نظره مسألة حسابية يسدد بها ديونًا! وليست محبة نحو إخوة الرب الأصاغر وليست أمامه في عطائه العبارة التي قالها الرب «مهما فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر، فبي قد فعلتم» (مت25: 40).

وكأنها مجرد علاقة اجتماعية بالفقراء، وليست علاقة مع الله.

+ وهو أيضًا يقول الحق كفضيلة اجتماعية، وليس كوصية إلهية وليس إيمانًا بأن الحق هو الله (يو14: 6). فإذا انفصل عن الحق، يكون قد انفصل عن الله..

إن (الفضائل) المنفصلة عن الله، ليست هي فضائل بالحقيقة. وقد رفضها الله منذ العهد القديم.

+ إن الذي يفعل الفضيلة، لينال مديحًا، إنما يعرّج بين الفرقتين: يعرّج بين الخير والشر، وبين الفضيلة ومحبة المجد الباطل..

+       +       +

4- من أسباب التعريج بين الفرقتين أيضًا: الخطأ في مفهوم التوبة. كأن يظن الخاطئ أن التوبة مجرد اعتراف وتناول! وليست تغيير حياة!

فهو يعترف بخطاياه ويتناول، وظل كما هو بنفس طباعه، ونفس سلوكه، ونفس نقائصه وخطاياه. وهو يعترف بخطاياه، دون أن يتوب عنها! ويتناول من جسد الرب ودمه، وفي قلبه محبة الخطية وليس قلبه كاملًا مع الرب. إذًا ما هي التوبة؟

التوبة – كمال قال الآباء – هي استبدال شهوة بشهوة. أي إحلال شهوة البر والروحيات محل شهوة العالم والخطية. ونتيجة لهذا، يتقدم التائب إلى الأسرار المقدسة في محبة لله..

الذي يفعل هذا، لا يعرّج بين الفرقتين، بل يأخذ من الاعتراف اتضاعًا وانسحاق قلب. ويأخذ من التناول قوة وثباتًا في الرب (يو6: 56). ويأخذ من التوبة بدءًا لحياة جديدة ثابتة في الله.

+       +       +

5- من أسباب التعريج بين الفرقتين أيضًا أن الإنسان في توبته: يترك الخطية، ولكنه يستبقى أسبابها أو بعض أسبابها!

6- وقد يكون سبب التعريج بين الفرقتين أن الإنسان في توبته، يتوب فقط عن الخطايا الكبيرة، غير ملتفت إلى الخطايا (الصغيرة!).

+       +       +

7- من الجائز أن يكون سبب التعريج بين الفرقتين هو تأثير البيئة.

+ مثال ذلك: لوط في أرض سدوم.

مع أنه كان رجلًا بارًا، إلّا أن البيئة أثّرت عليه. فلما أراد السدوميون الشواذ أن يهجموا على ضيفيه (الملاكين)، قال لهم: «لا تفعلوا شرًا يا أخوتي. هوذا لي ابنتان لم تعرفا رجلًا، أخرجهما إليكم، فافعلوا بهما ما يحسن في عيونكم. وأما هذان الرجلان، فلا تفعلوا بهما شيئًا لأنهما قد دخلا تحت ظل سقفي» (تك19: 7).

وهكذا نرى لوط يتأرجح بين الفرقتين، بين الخير في حماية ضيفيه، والشر في تقديم ابنتيه للزنى!!

مثال آخر هو مريم المجدلية بعد القيامة. كانت مثالًا للتعريج بين الفرقتين: بين سجودها للمسيح القائم من الأموات، وقوله لها مع مريم الأخرى «اذهبا وقولا لإخوتي أن يذهبوا إلى الجليل وهناك يرونني» (مت28: 10) وفعلًا ذهبت وبشرتهم (مر16: 1). ولكنها – بتأثير البيئة والشكوك المنتشرة – عادت لتقول «أخذوا السيد من القبر ولسنا نعلم أين وضعوه» (يو20: 2، 13). وعادت تكرر هذا الكلام أمام الرب (يو20: 15).

كانت – بتأثير البيئة – تعرج بين الفرقتين، بين الإيمان والشك.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx