يقول معلمنا القديس بولس الرسول: المحبة تصدق كل شيء، فالمحبة تعطي للإنسان روح البساطة. لكن لا ينبغي أن يمسك الإنسان في فضيلة ويترك الأخرى، فمع فضيلة المحبة، التي هي أم الفضائل، ينبغي أن يتُقتني فضيلة التمييز أو الحكمة، يقول المتنيح قداسة البابا شنوده الثالث: [سُئِل القديس الأنبا أنطونيوس "ما هي أعظم الفضائل؟" فأجاب: "الإفراز هو بلا شك أعظم الفضائل". ومعنى الإفراز هو تمييز الإنسان الحق من الباطل. ويميز الخير من الشر... لأن كثيرًا من الناس يصومون، ويصلون، ويعترفون، ويتناولون، ويقرأون الكتاب المقدس، ومع ذلك يفشلون في حياتهم الروحية، لأنه ليس لديهم إفراز.. أي أنهم يمارسون كل ذلك بلا حكمة، بلا فهم، بلا تمييز] (معالم الطريق الروحي). ويقول القديس بولس الرسول: «امتحنوا كل شيء تمسكوا بالحسن»، فيجب أن نميز:
1– حيل عدو الخير الكثيرة والمتنوعة: الشياطين مخلوقة ملائكة نورانيين لذلك: «الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ مَلاَكِ نُورٍ» (2كو11: 14)، وله قدرة على الخداع، وهذه الصفة التي تجمع بينه وبين الحية، لذا اختارها منذ البدء لكي يعمل من خلالها. والذين يسعون نحو الرؤى والإعلانات، هم الأكثر هدفًا لحيل الشيطان. يقول الأب صفرونيوس: [أيها الأب الوقور ثبّت الإخوة، وأنذر الذين يظنون أنهم يعرفون الأمور السمائية بإعلانات، تُخالف ما هو مُسَلَّمٌ لنا في الأسفار المُقدسة، مُتذكرين كلمات الرسول بولس: «وَلَكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ «أَنَاثِيمَا» (غلا1: 8)] (الرسالة إلى القس يوسابيوس).
2 – المعلمون الكذبة: المعلمون الكذبة، هم الذين يأتون تحت اسم "المسيح" ويتسترون بكلمة "المحبة" ليخفوا اسمهم في بريق كلمات جذابة وفلسفة باطلة، لقد حذرنا السيد المسيح من هؤلاء قائلًا: «أنْظُرُوا لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: أَنَا هُوَ الْمَسِيحُ وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ» (مت24: 4، 5). كما يحذر القديس بولس الرسول تلميذه الأسقف تيموثيئوس: «لَهُمْ صُورَةُ التَّقْوَى وَلَكِنَّهُمْ مُنْكِرُونَ قُوَّتَهَا. فَأَعْرِضْ عَنْ هَؤُلاَءِ» (2تي3: 5). هؤلاء المعلمون الكذبة على مختلف أطيافهم من لا يعترف بوجود الله (الملحدون)، أو من يعبدون غير الله، أو الذين يخالفون التعليم الصحيح عن طبيعة الله وصفاته، أو من يعتقد بهرطقات حول طبيعة المسيح، يجب أن يكون الكتاب المقدس وشروحات الآباء الأولين هما مصدرا التعليم السليم.
فقد وهب الله الإنسان مقومات هذا الاختبار والتمييز، بموجب خلقته على صورة الله، لذلك تميز الإنسان بالآتي:
1– العقل: منح الله للإنسان روحًا عاقلة، على صورة الله خالقه، والعقل يبين سمو الإنسان ورفعته، فيقول القديس أغسطينوس: [صنع الله الإنسان على صورته، إذ خلق له نفسًا ميزها بالعقل والذكاء، حتى يتفوق بها على جميع المخلوقات الأرضية] (مدينة الله12: 23). ويقول القديس باسيليوس الكبير: [الإنسان العاقل (المتزن) لا يستجيب تلقائيًا ولا انفعاليًا، بل بعقل وتفكير وتقرير واستجابة خاصة لكل قرار أو أمر] (العظة الأولى على خلق الإنسان 11).
2– الضمير: هو صوت وضعه الله في الإنسان، والضمير السليم غير خاضع للإرادة أو العقل. هو عضو الشعور الأدبي في الإنسان؛ يدعوه إلى الخير، ويبكته على الشر. يميز بين ما يوافق وما لا يوافق. ولا يستطيع الإنسان أن يتحرر منه. يقول القديس أغسطينوس: [إذا نصبت محكمة يكون العقل فيها القاضي، والضمير هو المدعي والفكر شاهدًا..]، بالضمير الصالح نستطيع أن نمتحن الأرواح.
3- روح الحكمة: عندما ننال مسحة الروح القدس، حسب ما يقول القديس يوحنا: «وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَكُمْ مَسْحَةٌ مِنَ الْقُدُّوسِ وَتَعْلَمُونَ كُلَّ شَيْء»ٍ (1يو2: 20)، بهذه المعرفة الإلهية نستطيع أن نميز الأرواح، والتعليم، فالروح القدس يملأنا من كل [معرفة، وكل فهم، وكل حكمة روحية].