اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السابعة والأربعون23 أغسطس 2019 - 17 مسرى 1735 ش     العدد كـــ PDFالعدد 31-32

اخر عدد

نوْعيَّـات - الجمعة 4 أغسطس 2006 العددان 25، 26

مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث

23 أغسطس 2019 - 17 مسرى 1735 ش

آباؤنا الرسل كانوا نوعيات كثيرة. كل رسول من نوع معين: فبطرس غير توما غير يوحنا الحبيب. وفي الواقع أن هذه النوعيات ليست بين الرسل فقط، بل هي في الكتاب المقدس كله، بل في محيط المجتمع الإنساني. لأن الناس في العالم أجمع ليسوا نفسية واحدة ولا عقلية واحدة.

لهذا فإن الله لم يحدد طريقًا واحدًا يوصّل إلى الملكوت، وإنما هناك طرق عدة، ولكن لابد أن تكون كلها طرقًا صالحة.

+   +   +

فبين الرسل نجد بطرس المندفع، الذي كلما يسأل الرب سؤلاً، ينبري هو للإجابة عنه. ونجد متى الذي كان في أصله عشارًا، وتوما الذي في طبعه الشك. وفيما بعد انضم إليهم شاول الطرسوسي (بولس الرسول) الذي كان في بدء حياته مضطهِدًا للكنيسة، ثم صار بعد إيمانه من أكبر المدافعين عنها، وقد خدم الكنيسة بكل قوة وانتشار..

هذا التنوع أيضًا نجده في قصة الميلاد وزيارة العذراء لأليصابات. ترى العذراء البتول، وأليصابات المتزوجة الحبلى، وزوجها زكريا الكاهن، وابنها يوحنا المعمدان، الذي من بطن أمه امتلأ من الروح القدس. وكلهم أعضاء قديسين. وفي نفس القصة نجد يوسف النجار، وسمعان الشيخ، وحنة الأرملة النبية وكلهم قديسون.

+   +   +

وعلى جبل التجلي، نجد مع السيد المسيح موسى وإيليا، وهما نوعيات أيضًا: إيليا يمثل الحياة على الجبل، وموسى يمثل الحياة في المدينة في الخدمة. إيليا يمثل العنف حيث قتل أنبياء البعل، وقال لقائديْ الجند تنزل نار من السماء وتأكل الخمسين.. أما موسى فكان وديعًا جدًا أكثر من جميع الشعب. إيليا يمثل البتولية، وموسىيمثل الزواج.. ومع اختلاف الاثنين في نوعيتهما، إلا أنهما كانا مقبولين أمام الله وقديسين.

فلا يقل أحد موسى صح وإيليا خطأ، إن كان يرتاح إلى الوداعة أكثر!! إن كان يروق لك الوديع فامتدحه. ولكن لا تقل على غير الوديع إنه لا يسير في طريق الله. فكل واحد له طبيعته وله أسلوبه.

+   +   +

النساء اللائي تبعن المسيح كُنَّ على نوعيات. فيهن مريم الخدومة أم مرقس الرسول التي صار بيتها أول كنيسة.

ومن بين هؤلاء النساء، نجد أيضًا مريم المجدلية التي أخرج منها الرب سبعة شياطين.

ونجد إحدى قريبات البيت الحاكم: زوجة خوزي وكيل هيرودس.

نجد أيضًا مريم ومرثا: مريم تمثل حياة التأمل، ومرثا تمثل حياة الخدمة. وكل منهما مقبولة أمام الله.

+     +      +

وعبر التاريخ نجد نوعيات أخري متنوعة في الثقافة والسن والنشأة والطباع. فمثلا من جهة نجد أثناسيوس رجل اللاهوت المعروف الذي هو العشرون من باباوات الإسكندرية. وأيضًا بولس الرسول المثقف المشهور بقراءة الكتب الكثيرة. ونجد لوقا الطبيب، وأرسانيوس معلم أولاد الملوك – وإلى جوار كل هؤلاء جماعة من الرسل الصيادين الذين قال عنهم الكتاب إنهم جهّال العالم الذين يخزي بهم الحكماء.

ومن حيث النشأة نجد دبورة القاضية (قض4، 5)، وراعوث التي كانت تجمع من زوايا الحقل ما تركه الحصادون.

ومن جهة السن نجد داود الفتى، ومرقس الشاب، وسمعان الشيخ وكلهم قد اختارهم الله وكلفهم بخدمات.

+   +   +

ومن جهة التوبة، نجد مجموعة من التائبين، لكل منهم قصة تختلف عن الآخر: فقصة أوغسطينوس تختلف عن قصة موسى الأسود، وقصة توبة مريم القبطية تختلف عنهما أيضًا.

ونجد – بين التائبين – أن البعض مضت عليه سنوات طويلة في الخطية حتى تاب. والبعض انتشلته النعمة مرة واحدة. والبعض وصل إلى التوبة بجهاد طويل. ونجد أشخاصًا لم يعرفوا إلا في الساعة الحادية عشرة، وربما في الثانية عشرة إلا ربع، مثل اللص اليمين.

+   +   +

نلاحظ في كل الخطاة الذين قبلهم الله، أنه يعرف ضعف طبيعتنا (مز103: 14). ويعرف أن الطبيعة أصبحت ميالة إلى الخطية منذ أيام أبينا آدم. ومع ذلك فإن هؤلاء الخطاة الذين قبلهم الله أمثال زكا وموسى الأسود، لم يستمروا خطاة بل قادهم إلى التوبة.

أما خطاياهم فلم يعيّرهم بها، بل لم يعد يذكرها بعد.

وهكذا قال في سفر إرميا النبي «لأني أصفح عن إثمهم ولا أذكر خطيتهم بعد» (إر31: 34). إنها آية معزية لكل إنسان ارتكب خطايا في حياته، وضميره يتعبه بسببها.

وقال عن التائب (في سفر حزقيال النبي): «فحياة يحيا لا يموت. كل معاصيه التي فعلها لا تُذكر عليه» (حز18: 22). ويقول في المزمور «طوبي للذي غُفر إثمه وسترت خطيته. طوبي لإنسان لا يحسب له الرب خطية» (مز32: 1). ومن إعجاب بولس الرسول بهذه الآية أنه اقتبسها في رسالته إلي رومية (4: 7، 8).

وداود يقول في مزمور التوبة «استر وجهك عن خطاياي، وامحُ كل آثامي» (مز51: 9). ويقول أيضًا: «حسب كثرة رأفاتك أمحُ إثمي» (مز51: 1).

كل هذه عبارات تدعو إلي الرجاء، وتشجع كل إنسان يحاول اليأس أن يقتله، إن الله ليس فقط يغفر الخطية، بل أيضًا يسترها ويمحوها ولا يعود يذكرها.. كلها عبارات معزية..

ومن جهة النساء اختار سارة العاقر، كما اختار ليئة المرأة الولود. ومن جهة الأطفال دعا صموئيل الطفل، واختار طفلاً وأقامه وسط التلاميذ وقال لهم: «إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأطفال، فلن تدخلوا ملكوت السموات» (مت18: 2، 3). ونقرأ عن طفل امتلأ من الروح القدس وهو في بطن أمه، أعني يوحنا المعمدان.

وهنا نلاحظ في كل ما ذكرناه من عينات أو نوعيات:

أولاً أن الله يعطي فرصة للكل، حتى لا ييأس أحد من دخول الملكوت. وثانيًا يضع أمامنا نوعيات كثيرة، وكل منّا يختار منها ما يناسبه.. فالذي يحب الوداعة، أمامه مثل موسى النبي (عدد12: 3). ومن في طبعه الشدة أمامه مثل إيليا النبي.

المهم أن الله يريد أن يقود الكل إلى الخلاص أيًا كانت نوعياتهم.

+       +       +

العجيب في كل ما ذكرناه، نجد مثال راحاب الزانية، وكيف ذكرها الكتاب ضمن سلسلة الأنساب (مت1: 5). لقد سمح الله بهذا، ليعطي رجاء لكل أحد. فحتى راحاب هذه كانت لها رجاء.

ولعلك تقول: أحسبني يا رب ضمن أي نوع من هؤلاء. المهم أن أصل إليك. أو أحسبني مجرد حصاة ملساء في مقلاع داود، تصيب بها هدفًا أنت تريده (1صم16).




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx