اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السابعة والأربعون23 أغسطس 2019 - 17 مسرى 1735 ش     العدد كـــ PDFالعدد 31-32

اخر عدد

كلمة قداسة البابا في قداس الذكرى السنوية الأولى لنيافة الأنبا إبيفانيوس

قداسة البابا تواضروس الثانى

23 أغسطس 2019 - 17 مسرى 1735 ش

ذكرى الصديق تدوم إلى الأبد. أيها الاحباء نجتمع في هذا الصباح وحول الذبيحة المقدسة لكي ما نتذكر أبانا الحبيب نيافة الأنبا إبيفانيوس، أسقف ورئيس هذا الدير العامر، ونتذكر رحيله منذ عام، ولكننا على ملء رجاء القيامة أننا نعيش هذه الذكرى المباركة. ولنا أن نستعير كلمات القديس بولس الرسول الذي قال هذه الكلمات الخالدة: «شكرًا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين، ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان، لأننا رائحة المسيح الزكية في الذين يخلصون والذين يهلكون» (2كو2: 14، 15). هذه الكلمات كلمات صادقة، ويمكن أن نستعيرها ونطبّقها على حبيبنا هذا الذي رحل.

شكرًا لله: السائر في طريق الله، والذي يعيش في مسيرة حياته الروحية، يكون الشكر هو مبدأه، وهو العمل الذي يصنعه في كل يوم، بل وفي كل دقيقه من حياته. شكرًا لله.. ونحن كما تُعلمنا كنيستنا نبدأ صلواتنا سواء الخاصة أو العامة بصلاة الشكر: "نشكرك (يا رب) على كل حال ومن أجل كل حال وفي كل حال، لأنك سترتنا وأعنتنا وحفظتنا وقبلتنا إليك، وأشفقت علينا وعضدتنا، وأتيت بنا إلى هذه الساعة". والشكر يا إخوتي الأحباء يعني أن الإنسان يشعر بالنعمة الإلهية التي في حياته، فالذي لا يشكر لا يعرف مقدار عظمة النعمة المسكوبة في حياة الإنسان.

شكرا لله الذي يقودنا: الله هو الذي يقود حياتنا لأنه هو ضابط الكل، هو يقودنا كل يوم، وكما قال: «ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر» (مت28: 19). هو ليس معنا كرفقه الطريق فقط، ولكنه معنا كقائد لحياتنا ومدبّر لها، ليس كأفراد فقط، بل كمدبر لحياتنا ككنيسة، وكما استمعنا في قراءة البولس هذا الصباح «كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله» (رو8: 28)، ونحن نثق في الوعد الإلهي أن كل الأشياء تعمل دائمًا للخير للذين يحبون الله، حتى وإن كنّا لا ندرك هذا تمامًا.

في موكب نصرته: كلمة "موكب" من الكلمات الجميلة والتي نعيشها في الكنيسة باستمرار، موكب أو زفّة أو دورة، المهم أنه موكب النصرهة، نصرة القيامة التي يشعر بها الإنسان في حياته، فالمسيح أتى وتجسد وصُلِب ومات وقام من أجلنا لكي ما يمنحنا النصرة في حياتنا على الدوام، ولذالك هذا هو موكب المنتصرين الذين عاشوا على الأرض وجاهدوا وتعبوا واستحقوا أن يكون لهم إكليل، فيسيرون في هذا الموكب. وإن تخيلنا أيها الأحباء موكبًا ينطلق من بلادنا من مصر، بدأ بالقديس مرقس الرسول كاروز بلادنا، ويضم في هذا الموكب الطويل الذي يمتد عبر هذه الأجيال والقرون، كل القديسين الذين تعرفهم والذين لا تعرفهم. هذا الموكب الطويل جدًا هو موكب الذين نتشفّع بهم، الذين يصلون من أجلنا، موكب الذين يقدمون لنا نماذج نعيش بها.. وينضم لهذا الموكب حبيبنا الأنبا إبيفانيوس، وينضم كل يوم نفوس مُخلصة أمينة، نفوس تائبة.

في المسيح: موكب النصره في المسيح أو بالمسيح، ننظر كثيرًا إلى أتعاب الجسد وإلى أمراضه وإلى ضعفاته، ولكننا في ذات الوقت نثق في هذه النصره التي يمنحها المسيح لنا. منحها للآباء الرسل، ومنحها لكل الشهداء، ولكل النساك، ولكل الذين عاشوا في الأرض ولم تكن الأرض مستحقه لهم.. موكب النصره هذا يراه السيد المسيح ونراه نحن بعين الإيمان، وما أشهى أن ينضم الإنسان لهذا الموكب!

كل حين: أرجوا أن تتوقفوا معي عند هذه الكلمة.. ففي كل زمن مهما قصر هذا الزمن، يضم الله لهذا الموكب أناسًا ونفوسًا كثيرة، ونحن نعيش حياتنا، ونحن نودع أحباءنا الذين عاشوا في البر والتقوى وصاروا من الأبرار، نراهم في هذا الموكب الذي يمتد من الأرض إلى السماء، موكب بالنصره في المسيح كل حين.

ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان، لأننا رائحة المسيح الزكية: هذا الموكب لا يلتحق به أي إنسان، بل الإنسان الذي له رائحة المسيح الزكية، ومن هذه الرائحة يعرف الآخرون مَن هو المسيح الفادي والمخلّص.

رائحة المسيح الزكية: هذه الرائحة الزكية، رائحة المخلص الذي دُعِي اسمه علينا، هذه الرائحة الزكية تنتشر.. ليست رائحة مادية، ولكنها رائحة تنتشر عبر الأزمان والأجيال. وسير الأبرار تكون كالرائحه العطرية التي تنتشر وتفوح في كل المسكونة.

حبيبنا الأنبا إبيفانيوس تنطبق عليه هذه الكلمات..

أولًا كان دائمًا شاكرًا، لا أذكر مرة قابلته وأسأله عن أخباره، إلّا ويردّ بالشكر، ليس ككلمات مجاملة أو كلمات إنهاء الحديث، ولكن كلمات صادرة من القلب.. كان يشكر الله على كل ما يصنعه معه، وكان يرى كل الأمور أنها طيبة، ولكننا بعد نياحته واستشهاده اكتشفنا بعض الأمور التي كان يتحملها وحده، وكانت تسبب له ألمًا شديدًا، ولكنه كان دائمًا شاكرًا بحسب الوصية.

ثم شاكرًا لله الذي يقودنا في موكب نصرته، لقد انضم إلى هذا الموكب الفريد، موكب نصرة القيامة في المسيح، وأكمل حياته وانتهت أيامه على الأرض بحسب مشيئة الله، وانضمّ إلى هذا الموكب الذي نحتفل بقديسيه في كنيستنا من خلال السير المقدسة ومن خلال كتاب السنكسار. ولنا أن نفتخر لأنه عاش بيننا، وصار لنا شفيعًا في هذا الموكب، وصار لنا صديقًا، وصار فخرًا لنا أن يكون في موكب النصرة في شخص المسيح.

ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان، هذا الإنسان المبارك كان له رائحة المسيح الزكية في كل مكان حلّ فيه، وبالحقيقه نعاين ونشاهد هذه الرائحة في كل من تعاملوا وتقابلوا معه، سواء في مصر أو خارج مصر، سواء في الدير أو خارج الدير، ورائحه المسيح الزكية أحد النعم العظيمة التي يعطيها الله لنا أن تصدر منّا.

رائحة المسيح تظهر في حضورك، في شخصك، في كلامك، في أفعالك، في صمتك، في هدوءك. هذه الرائحة الزكية ظهرت في شخص نيافة الأنبا إبيفانيوس، ليس في موضع واحد، ولكنها امتدت إلى أماكن كثيرة، وكثيرون شهدوا عن مقابلتهم مع هذا الأسقف. تقابلوا معه في لقاءات كثيرة، سواء لقاءات خاصة أو لقاءات عامة، وتقابلوا معه لقاءات مشورة روحية، وتقابلوا معه في الاجتماعات التي كانت تتم سواء في مصر أو خارجها. دائمًا يحمل الرأي المعتدل، ودائمًا يحمل النظره الإيجابية، ودائمًا يتكلم وكأنه يستلهم كلماته من شخص المسيح، وهذا هو الذي تعبّر عنه الآية بأنه رائحة المسيح الزكية. صار محبوبًا، وصار معروفًا، وصار رائحة المسيح في كل مكان وفي كل زمن. عاش حياة التوبة الدائمة. كان دائما يبحث عن نقاوة قلبه، والبحث يا أحبائي عن نقاوه القلب هو حياة التوبة التي نعيشها كل يوم. كان يبحث عن هذا ولم تغيّره المناصب ولا الأقدمية في الدير، كانت له عشرات السنين في الرهبنة، وصار أسقفًا، ولم يتغير، وظل على طبيعته: إنسانًا كرّس حياته باحثًا عن توبة حقيقية أمام الله، ثم إنه عاش سيرة عطرة، سواء أكان راهبًا أو كاهنًا أو خادمًا أو أسقفًا. عاش بسيرة عطرة، وكل الذين تعاملوا معه تلامسوا مع هذا، إلّا من كانت قلوبهم قاسية فلم يشعروا بهذا.

وعاش أيضًا الحياة الأمينة بحسب تعبير الكتاب: «كن أمينًا إلى الموت»، وهذا أيضا ينطبق عليه، عاش أمينًا في حياته، تراه بعد أن تخرّج طبيبًا يعمل طبيبا حكيمًا، ثم يصير راهبًا عفيفًا في هذا الدير العامر، ثم كاهنًا خادمًا، ثم أسقفًا رقيقًا في مشاعره في حضوره، وأخيرًا شهيدًا أمينًا أدّى رسالته بأمانة، ويستحق أن يكون له إكليل الحياة. عاش أمينًا لكنيسته، أمينًا لديره، أمينًا لإيمانه، أمينًا لرهبنته، وأمينًا لحياته الداخلية في قلبه أمام الله. وعلى الرغم من أنه تبحّر في المعرفه كثيرًا، وصارت له صداقات عديده في كل مكان، وكثيرون ممن يزورنني يتذكرون حضوره وكلماته وشخصيته، حتى أن واحدًا زارني وقال لي: لا أجد هدية أقدمها غير الصور التي أخذتها معه في أكثر من موضع.. جمعها ووضعها في ألبوم صور رقيق وقدمها لنا.. أقصد بهذا أنه عبر كل هذه الحياه التي امتدت حتى نهايتها، كان أنسانًا أمينًا.

نتذكر هذا الأخ الحبيب، ونتذكر حياته التي صارت كمنارة في تاريخ الكنيسة، ننعم بما أنتجه وأثمره من كتابات ومخطوطات، وننعم بعظاته التي سُجِّلت له ونُشِرت، وننعم أيضًا بشخصيته الفريدة التي عاشها بيننا.. ولذلك نحن على يقين من أنه يشعر بنا، وأنه انتقل من الأرض إلى السماء. اكتسبناه صديقًا وشفيعًا مُصلّيًا من أجلنا ومن أجل الكنيسة ومن أجل الدير.

نجتمع يا إخوتي لكي نمجد اسم الله القدوس، الذي أعطانا هذه الثمرة المباركة. نمجّد أسرته المباركة التي تربى فيها، ونمجد خدمته التي خدم فيها قبل رهبنته، ونمجد هذا الدير الذي عاش فيه وتمتع بالحياة الرهبانية وسط آبائه وشيوخه، ونمجد خدمته كأسقف مبارك خدم كثيرًا رغم أن الله أعطاه عمرًا قصيرًا في الأسقفية. قدم لنا مثالًا حيًا يعيش بيننا لسنوات وسنوات. نشكر الله. ويشارك في هذه المشاعر كلها الآباء المطارنة والآباء الأساقفة والحضور معنا، وكل الآباء الكهنة والشمامسة وكل الشعب. نحن نعزّي هذا الدير، ونتعزّى معه، ونطلب تعزيه الله لنا الذي يرطّب قلوبنا ويشجعنا أن نستعد دائمًا وأن نشتهي أن يكون لنا موضع في موكب النصرة. ليعطنا الله جميعًا هذه الحياة النقية، وليعطنا هذا النموذج الرفيع في حياتنا، وأن نستعد إلى النهاية. لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد آمين.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx