اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السنة السابعة والأربعون20 سبتمبر 2019 - 9 توت 1736 ش     العدد كـــ PDFالعدد 35-36

اخر عدد

فطرح رداءه

نيافة الانبا يوسف أسقف جنوب الولايات المتحدة الأمريكية

20 سبتمبر 2019 - 9 توت 1736 ش

يقص علينا القديس مرقس الرسول في إنجيله، أنه لما كان الرب يسوع خارجًا من أريحا، كان بارتيماوس الأعمى ابن تيماوس جالسًا على الطريق يستعطي، فلما سمع أن يسوع يمر على الطريق بدأ يصرخ طالبًا منه الرحمة، فلما وقف يسوع وأمر أن يُنادى، طرح رداءه وقام وجاء إلى يسوع (مر10: 46-50). والحقيقة أن القديس مرقس الإنجيلي اعتنى بشدة أن يصف الموقف بدقة شديدة، ويسجل لنا أن بارتيماوس الأعمى طرح رداءه قبل أن يقوم ويأتي إلى يسوع. ومن المعروف في ذلك الزمان أن الأشخاص الذين يستعطون كانوا يتميزون بلبس رداء خاص كانوا يفترشونه على الأرض لكي يجمعوا فيه الصدقات. بالتالي، لم يأتِ ذكر طرح بارتيماوس للرداء على سبيل الصدفة بدون قصد، وإنما لما تحمله هذه الحركة التي فعلها من معانٍ ودروس روحية عميقة.

لم يكن بارتيماوس شحاذًا فقط بل كان أيضًا أعمى. لقد كان يعتمد على الآخرين في أمرين: البصر، والحصول على ما يقوته. وكان رداؤه المفروش على الأرض هو علامة اعتماديته تلك. فلما التقى لقاءً شخصيًا بيسوع، فإن أول شيء فعله قبل أن يقوم ويأتي إلى يسوع، كان أن طرح عنه الرداء معلنًا بحركة إيمان عظيم انتقاله من مرحلة الاستعطاء والعيش على ما يفضل عن الآخرين، إلى مرحلة التمتع الشخصي بفيض الغنى. والحقيقة أن كل السائرين على الطريق الروحي لابد وأن يمروا بمرحلة أولى في نموهم الروحي تُعتبر مرحلة الطفولة الروحية، قبل أن يصلوا للنضج الروحي الذي تنفتح فيه بصيرتهم الروحية الشخصية. إنهم في تلك المرحلة يستمدّون رؤيتهم الروحية وطعامهم الروحي من آخرين، كما الطفل الذي يرضع اللبن المتكون في ثديي أمه. فهم يقرأون الكتب الروحية ويسمعون العظات التي تحوي خبرات الآخرين عن الله، دون أن تتكون لهم بعد خبرة شخصية حية مع الله. يذكّرنا ذلك بأهل السامرة الذين اعتمدوا في البداية على خبرة المرأة السامرية مع يسوع، ولكنهم فيما بعد إذ التقوا به على مستوى فردي شخصي وكوّنوا خبرتهم الشخصية معه قالوا لها: «إننا لسنا بعد بسبب كلامك نؤمن، لأننا نحن قد سمعنا ونعلم أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم» (يو4: 42).

لما كان بارتيماوس في مرحلة الطفولة الروحية تلك كان جالسًا على الطريق، لكنه لما طرح الرداء وجاء إلى يسوع وأبصر «تبع يسوع في الطريق» (مر10: 52). لماذا لم يكتفِ القديس مرقس بأن يقول أنه تبع يسوع، ولكنه قصد أن يضيف عبارة: في الطريق؟ تؤكد تلك العبارة بالطبع على أن كل من يريد النمو في المسيرة الروحية لن ينتقل من وضعية الجلوس على الطريق والاستعطاء، إلى وضعية السير في الطريق في تبعية للمسيح، ما لم يطرح رداءه أولًا ويلحّ بلجاجة طالبًا أن تنفتح عينه الروحية فيعاين مجد السماويات بنفسه. أما الذين يكتفون بالعيش على ما يقصّه الآخرون من خبرات شخصية فإنهم مخدوعون، إذ يتوهّمون أن سماعهم عن الفضيلة واستحسانهم لما يسمعونه يعني أنهم قد اقتنوها بالفعل في ذواتهم. ليس ملكوت الله هكذا! فالقاعدة تنص على أن: «كل مكان تدوسه بطون أقدامكم يكون لكم» (تث11: 24)، أي أننا لن نمتلك ما تدوسه بطون أقدام الآخرين، بل لابد أن نتشبّه ببارتيماوس فنطرح الرداء، ونقوم، ونمشي على الطريق بأنفسنا، فنأخذ المسيح لنا نصيبًا صالحًا. فهكذا كانت مكافأة السامرية التي تركت جرتها، ولاوي الذي ترك مكان جبايته، وبطرس وأندراوس اللذين تركا الشباك!


  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx