اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السنة السابعة والأربعون04 أكتوبر 2019 - 23 توت 1736 ش     العدد كـــ PDFالعدد 37-38

اخر عدد

التعليم الكنسي (5) - التاريخ أقوى مُعلِّم

قداسة البابا تواضروس الثانى

04 أكتوبر 2019 - 23 توت 1736 ش

بلا شك التاريخ هو أقوى معلم في حياة البشر، ولأن معرفة ودراسة وتسجيل التاريخ في كل زمان تُعتبَر من الواجبات الإنسانية التي يقوم بها كل جيل نحو الأجيال التالية. ومن خلال التاريخ تتواصل الحياة ويعيش البشر مراحل الزمن بمعرفه ويقين وفهم.

والتاريخ يعني: الجذور التي تمتد في الحياة الإنسانية لتجعل شجرة الإنسان ثابتة وشجرة الشعوب شامخة. كما أن التاريخ يعني أيضًا الخبرة المُستفادة من نواحي الحياة الإنسانية، لكي يسلّمها الأب لابنه ثم حفيدة، ثم تتوالى أجيال الخبرة والمعرفة، فتنشأ الحضارة والثقافة والتقاليد والفنون الشعبية والأدبية، وتعيش في الوجدان والمشاعر. إن خبره التاريخ مفيدة لكل قائد في مسيره الحياة، وهذه الخبرة قد تُختصر مثلًا في أمثال شعبية مُعبّرة تقدم خلاصة المعرفة والاختبار الإنساني، مثلما نقرأ في سفر الأمثال لسليمان الحكيم.

والتاريخ ليس فقط الجذور والخبرة، ولكنه أيضًا النظرة إلى المستقبل، فمن خلال التاريخ وأحداثه نستشرف آفاق المستقبل القريب والمتوسط والبعيد، وكأن التاريخ يقدم لنا رؤية للمستقبل، وكيف يتدبّر الإنسان أحواله وحياته وتقدّمه فيه، ويقول الشاعر:

"من وعى التاريخ في صدره                                                    أضاف أعمارًا إلى عمره"

و"التاريخ" كعلم يدخل في دراسة كافة العلوم والفنون والآداب واللغات والأديان، وهو بداية المعرفة لأي مجال من مجالات الحياة. وعلى المستوى الكنسي نحتاج دائمًا للدراسات التاريخية، وعلى سبيل المثال نحتاج:

- تاريخ العالم والحضارة الإنسانية.

- تاريخ وانتشار الكنيسة المسيحية.

- تاريخ مصر: الوطن والأرض والإنسان.

- تاريخ الكنيسة القبطية عقيدة وتراثًا.

- تاريخ الكتاب المقدس وأزمانه وأسفاره.

- تاريخ الكنيسة المحلية مكانًا وبشرًا بكل أشكالها.

وأودّ في هذا المقال أن ألفت النظر إلى بعض مظاهر الاهتمام بالمجالات التاريخية:

أولًا: المذكرات الشخصية

وهي وسيلة هامة في معرفة الحقائق والأحداث والظروف التي مرّت في حقبة زمنية معينة، من خلال حياة شخص تقلّد مكانًا أو منصبًا أو مسئولية معينة في الكنيسة. والواقع أن هذا المجال ضعيف جدًا في مسيره كنيستنا، رغم أنه ذو نفع كبير، ويُعتبر بمثابة أداة قوية ومؤثرة وصادقة في كتابة التاريخ ومعرفة الخلفيات، كما يُعتبر وسيلة تعليمية عبر الأجيال. وربما نذكر في هذا المجال كتاب "اعترافات أغسطينوس" وكيف أنه -أي الكتاب- صار مُلهِمًا في حياه الكثيرين حتى الآن، لأنه يُعتبر بمثابة مذكرات شخصية في صورة اعترافات وتأملات وفلسفة. وفي العصر الحديث مذكرات المتنيح الأنبا غريغوريوس، والمتنيح القمص صليب سوريال.

ثانيًا: السنكسار

وهو كتاب كنسي يُقرأ فى كل قداس خلال السنة كلها ماعدا فترة الآلام والخمسين المقدسة، وهو يسرد يوميًا سير قديسين مع أحداث كنسية محلية أو اقليمية أو عالمية، ويواكب رحلة الكنيسة. ودائمًا يُضاف إليه صفحات تمثّل تسجيلًا لأهم الأحداث التي تمرّ بالكنيسة، مثل عودة رفات مار مرقس، وافتتاح الكاتدرائية المرقسية بالعباسية (1968م)، ومثل عودة رفات أثناسيوس الرسولى (1973م)، ومثل واقعة شهداء ليبيا وعودة رفاتهم بعد 3 سنوات من الحادثة (2015-2018م)، ومثل تدشين الكاتدرائية المرقسية فى عيد تأسيسها الخمسين عام 2018م.

ولكل طائفة مسيحية سنكسار، فهناك السنكسار الإثيوبي، والسنكسار السرياني، والسنكسار الأرمني، والسنكسار الكاثوليكي... الخ.

ثالثًا: غرف الأرشيف

يجب أن توجد فى كل كنيسة أو مؤسسة كنسية غرفة للأرشيف، أي لحفظ الأوراق الهامة والمستندات وعقود الملكيات والعقارات، مع الاحتفاظ بالصور التذكارية للأحداث التي تمر في حياة المؤسسة مثل الزيارات الهامة من بعض الشخصيات وهكذا. ويجب أن تكون هذه الغرفة مُؤثّثة جيدًا، ومُرتّبة ومُصنفة. ويُحتفَظ بالمواد فيها بعيدًا عن التراب والحشرات، وتكون جيدة التهوية والإضاءة والصيانة.

وهذه الغرفة بمثابة "مركز المعلومات" تملكه المؤسسة. وحاليًا يتم الحفظ الإلكتروني Digital (الرقمي) بجوار الحفظ الورقي. وكلاهما هام للغاية... لأننا فى بعض الأحيان نبحث عن مستند ملكيه مثلًا أو حُجّة ملكية، ولا نجده بسبب الإهمال وعدم الاهتمام بمثل هذه الغرفة، التي يجب أن تكون مفاتيحها فى يد شخص أمين جدًا وموثوق فيه من المسئول عن الكنيسة أو المؤسسة. وأنا أناشد المطرانيات والإيبارشيات والمراكز التعليمية والاجتماعية بالاهتمام بهذا الأمر في كنائسنا، لأنه تراث وكنوز يجب أن نسلمها للأجيال بكل أمانة.

رابعًا: المتحف القبطي

وقد أُنشِئ على أرض البطريركية، وافتتحه البابا كيرلس الخامس عام 1910م، وانضم إلى متاحف الدولة عام 1933م، واعتنى به مرقس سميكة باشا كمتحف للآثار والمخطوطات القبطية، وهو يحوي عدة قاعات في مجالات التراث القبطي الغني.

وفكرة المتحف فكرة متعلقة بحفظ التاريخ، ونرى بعض الإيبارشيات والأديرة والكنائس بها متاحف محلية، مثلًا يوجد متحف قبطي برعاية سيدة قبطية في كاتدرائيه مارمرقس في تورنتو بكندا، ومتحف آخر في دير الأنبا أنطونيوس بالنمسا برعاية أسقفها نيافة الأنبا جبرييل، ونماذج أخرى في معظم الأديرة المصرية.

خامسًا: جمعية الآثار القبطية

وقد تأسست عام 1934م بهمّة السيد مريت بك بطرس غالي، وقد اهتمت الجمعية بنشر أكثر من خمسين كتابًا في التاريخ والتراث القبطي والفن والفهارس والحفريات، وتشتهر الجمعية في الأوساط العالمية بالاسم المختصر SAC. ومن خلالها تأسست الجمعية الدولية للدراسات القبطية، وتصدر مجله علمية سنوية هي أول مجلة في العالم تخص التراث القبطي، وقد صدر منها العدد 56 في عام 2017م، وتصل إلى أكثر من 15 دولة حول العالم، كما تملك الجمعية مكتبة رفيعة المستوى أغلبها باللغات الأوروبية بها أكثر من 20000 كتاب.

سادسًا: معهد الدراسات القبطية - قسم التاريخ

وقد تأسس عام 1954م في حبرية البابا يوساب الثاني، ويحوي أقسامًا عديدة من أقدمها قسم التاريخ الذي يهتم بالدراسات التاريخية المتعددة ، كما أنه يتكامل في العمل مع جمعية الآثار القبطية ومع المتحف القبطي لتكون مؤسسات فاعلة في خدمه العلماء والباحثين في كل ما يتعلق بالدراسات القبطية، كما يحاول المعهد حاليًا استعادة أنشطته مثل إصدار مجلته السنوية ومشاركته في بعض الفاعليات الوطنية، مع تطوير وتجديد العمل في كل أقسامه.

سابعًا: مؤسسة سان مارك للتاريخ القبطي

وقد تأسست منذ حوالي عشرين عامًا برعاية البابا شنوده الثالث، وقيادة الأستاذ الدكتور فوزي اسطفانوس، مع كوكبة من العلماء الأقباط والمهتمين بدراسات التاريخ القبطي، وتقيم مؤتمرًا دراسيًا كل عامين يشترك فيه أكثر من مائة عالم وباحث ودارس من مصر ومن الخارج، كما أصدرت عدة كتب مرجعية للمناطق الجغرافية المختلفة على ارض مصر، كما قامت بتصوير المواقع الأثرية الديرية بصورة خاصة بأرقى فنون التصوير في تسجيلها وحفظها. ولها نشاط واسع في مراجعة وترجمة دائرة المعارف القبطية التي صدرت أيضا منذ حوالي 20 عامًا، بجوار عدة أنشطة أخرى في حفظ التراث القبطي الغني. ومقرّها أيضًا في مبنى معهد الدراسات القبطية بالعباسية بالقاهرة.

حقًا التاريخ له مذاقة خاصة وأهمية بالغة في حياتنا، ونشكر الله على التكامل المثمر بين هذه الجهات والمؤسسات العريقة، والتي تتكامل في نشاطها وأعمالها لتكون بالحقيقة واجهة مشرقة ومشرّفة لكنيستنا القبطية الأرثوذكسية.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx