اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السنة السابعة والأربعون04 أكتوبر 2019 - 23 توت 1736 ش     العدد كـــ PDFالعدد 37-38

اخر عدد

الشَكّ - الجمعة 8 أكتوبر 2010 –  العددان 25، 26

مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث

04 أكتوبر 2019 - 23 توت 1736 ش

أود أن أحدثكم اليوم عن خطية معينة كثيرًا ما تحارب ربما جميع الناس، وهي خطية الشك، وأنواعه، وأسبابه، وخطورته، وأضراره، وعلاجه.

الناس في شكوكهم أنواع. هناك شك في الله، وشك في العقيدة والإيمان، وشك في الحقيقة، وشك في القيم، وشك في المبادئ، وشك في الآخرين، وشك الإنسان في نفسه هل يستطيع أم لا؟ هل الموضوع سهل عليه أم صعب؟ سوف أنجح في الامتحان أم لا؟ يشك في نفسه، وفي قدرته، وفي إمكانياته.

أكثر أناس لديهم هذا الشك هم الأطفال. فالطفل الصغير لا يعرف هل يستطيع أم لا، لذلك نحن بالنسبة للأطفال نشجعهم ونقويهم، ونقول لهم كلامًا طيبًا وحلوًا، لا تظن أنك بذلك توقعهم في خطية الكبرياء أو البر الذاتي، فالأطفال ليس لديهم كبرياء ولا بر ذاتي، لكنك تشجع الطفل لكي يثق في نفسه. فالذين يحبطون الأطفال بين الحين والآخر يزعزعون نفسيتهم وتسببون في الشك.

أحيانًا الإنسان يشك ويقول ما هي الحقيقة؟ وخصوصًا أنك ربما تجد جرائد تقول أخبارًا ضد بعضها البعض، فأحيانًا تقرأ الجريدة وتقول إن الدنيا خربت وتقول ربنا يعوض على مصر، وشخص آخر يقرأ جريدة فيجد كل الأشياء تسير بطريقة سليمة، فيريد أن يعرف أين توجد الحقيقة؟

أسبَاب الشك:

من ضمن أسباب الشك الخوف.

يخاف فيشك. مثل بطرس الرسول خاف عندما رأى الأمواج فبدأ يشك في أنه سيعيش، فأخذ يصرخ ويطلب المعونة من السيد المسيح، فقال له السيد المسيح «يا قليل الإيمان لماذا شككت؟». شك من قلة الإيمان، وشك من الخوف. فالخوف يولد الشك.

هناك إنسان عندما تأتي عليه ضيقة معينة، مثل الشعب أمام البحر الأحمر خافوا، فرعون وراءهم والبحر أمامهم فقالوا إننا ضعنا.

وفي الحقيقة أن هذا النوع من الشك يكون نتيجة أن الإنسان ينسى نعمة الله التي تحفظ ينسى ستر الله عليه في الماضي، لذلك إذا مشى شيطان الشك في طريقة يأخذ معه شيطان النسيان لكي ينسى الإنسان إحسانات الله ومعونته، ويجعل الإنسان يشك. إذا مشى الشك في طريق يأخذ معه شيطان التذمر أيضًا ويقول له أنت صاحبي ولا نعيش بدون بعضنا البعض. هناك شياطين بينهم صداقة وتعاون ووحدة في العمل.

وهناك شك يأتي من معاشرة الشكاكين.

من أمثال ذلك مريم المجدلية بعدما رأت السيد المسيح بعد القيامة شكّت، لأن كلام اليهود حولها أنهم سرقوه وأخذوه. فبدأت تشك من معاشرة الشكاكين. ولكن ليس كل من يعاشر الشكاكين يشك، فالذي قلبه ضعيف عندما يعاشر الشكاكين تنقل إليه العدوى.

هناك شك يأتي نتيجة الشائعات.

فذات مرة قال واحد للآخر إذا أردت أن تشعل نارًا في بلد تذهب وتلقي بإحدى الشائعات، والناس عندما يسمعون الشائعة يصدقون وتتسبب في إشعال النار، على رأى أحمد شوقي أمير الشعراء عندما كان الشعب يسير وراء الشائعات قال:

أثّر البهتان فيه    ...     وانطوى الزور عليه

يا له من ببغاء    ...     عقله في أذنيه

فالببغاء فعلًا عقله في أذنيه، يقول ما يسمعه ويردده.

فنتيجة الشائعات يمكن أن يقع الإنسان في الشك، والشائعات حاليًا أصبحت على أنواع وأشكال، في الماضي كانت الشائعات فردية، ولكن حاليًا تجد الشائعة عبارة عن خبر في الجرائد، أو في الانترنت، أو في الإذاعة، فالشيطان متعدد المواهب، يستطيع أن يتكلم هنا وهناك، لذلك نصيحة لا تصدق كل ما يُقال.

هناك شك يأتي نتيجة ضيق الفكر.

بمعنى أن شخصًا مثلًا يفترض سببًا واحدًا فقط لما يحدث، ويتعب، بينما يمكن أن تكون هناك أسباب كثيرة.. فالأم التي تتأخر ابنتها تشك في أنها قد خُطِفت، أو حدث لها مكروه، لأنها تفكر في سبب واحد فقط، ولا تفكر في أسباب أخرى.

هناك شك يأتي في طبيعة الشخص.

فهناك أشخاصًا بطبيعتهم شكاكين، مثل توما، إن لم أضع أصبعي في الجرح لم أصدق.

هناك إنسان يشك بالوراثة.

والده أو أمه أو جده شكاكين فيكون هو أيضًا شكاك.

أو نتيجة التربية الصعبة، واحد يقول لابنه لا تصدق كل الناس، ويحذره من هذا وذاك، فيصبح الابن شكاكًا.

هناك شك من قلة الإيمان ومن قلة الثقة.

فالذي إيمانه قوي لا يشك أبدًا، والذي يثق في الله لا يشك. والذي يثق في الناس لا يشك في الناس.

هناك شك يأتي نتيجة عمل الشيطان.

الشيطان يأتي بالشكوك، والشيطان من أول علاقته مع البشر في شكوك، قال لحواء «أحقًا قال لكما أن لا تأكلا؟...» فهو يشككها، ثم قال لها لأن الله يعرف أنه يوم أن تأكلا سوف يحدث كذا.. وكذا.

نفس طريقة الشك جاءت في تجربة الشيطان للسيد المسيح على الجبل عندما قال: "إن كنت ابن الله، تستطيع أن تحول الحجارة إلى خبز ولا تجوع". وعلى الصليب أيضًا قال السيد المسيح: "لو كنت ابن الله انزل عن الصليب". لذلك قال بولس الرسول «نحن لا نجهل أفكاره»، نحن نعرف الشيطان، ونعرف أفكاره.

أو مثلًا بنت يأتي لها عريس ثم يتركها، ويأتي ثان ويتركها، وثالث ويتركها، فالشيطان يقول لها لا يمكن أن يتركك كل هؤلاء العرسان وأنت جميلة، ربما يوجد عمل، لازم فيه سحر، وتقع في يد المشعوذين لفك العمل لكي يأتي عريس ولا يتركها.

من الجائز أن الشك يأتي من شهود زور.

يشهدون شهادة زور بالكذب تجعل الإنسان يشك. يشك في أصدقائه، ويمكن في زوجته أيضًا لمجرد أنها تتكلم في التليفون، والله وحده يعلم من هذا الشخص المتحدث معها في التليفون.

هناك نوع آخر من الناس يشكون في العقيدة لأنهم تعلموا تعليمًا غير سليم جعلهم يشكون.

فالقراءات الخاطئة تأتي بالشك. وأنا أعرف شخصًا في إنجلترا يقول ليس هناك عقوبة أبدًا، والله لا يعاقب، وبدأ ناس من عندنا يرددون نفس الكلام.

لذلك في بعض المعاهد الدينية بأوروبا وأمريكا وكليات اللاهوت مادة اسمها نقد الكتاب المقدس Biblical Criticism.

وربما يأتي الشك لبعض الناس نتيجة لطبيعة وظيفتهم.

فالقاضي يقول إن المتهم بريء إلى أن تثبت الجريمة عليه، ولكن رجل البولس يقول إنه مذنب حتى تثبت براءته، وأحيانًا النيابة أيضًا تعتبره مذنبًا حتى يثبت أنه بريء. فهم يقولون إذا لم نشك في الناس كيف نصل إلى الحقيقة؟!

الشك في التعليم يأتي من الذين ينشرون رأيهم الخاص حتى لو كان خاطئًا، يقول على الأقل أشتهر بهذا الرأي.

وهناك أناس يشكون من عقد نفسية عندهم، فيتأثرون بغلطة ارتكبها فرد، فيركبون هذا الخطأ على المجموعة، فمثلًا في عائلة من العائلات إذا انحرفت بنت، فتتسبب في أن أخواتها البنات لا يتزوجن أبدًا، كلما يأتيهن أحد يقول إن أختهم فلانة صفتها كذا وكذا. فما ذنب بقية أخواتها البنات؟ تطبيق الحادثة التي تحدث لأحداهن على الجميع. أو واحد يغيّر دينه فأخواته البنات لا يتزوجن.

الشك له أضرار كثيرة جدًا:

الشك يسبب القلق، ويسبب الاضطراب، الإنسانة التي تشك في زوجها أنه يتصرف غلط، لا تستطيع أن تنام، تُصاب بالقلق والأرق، ويصبح ذلك جحيمًا في قلبها.

وللأسف الشك بسهولة جدًا يدخل فكر الإنسان وبصعوبة يخرج منه، كلما يخرج منه الشك يعود مرة أخرى. فيسبب الحيرة والتردد، ماذا أفعل هذا أم ذاك، فتلك لها نتائج، والأخرى لها نتائج، فالإنسان الذي يشك يتردد. فإذا شك إنسان في زوجته يقول أطردها، أم أطلقها، أو أقتلها، يفكر بين أمور أحلاها مرًا.

الشك إذا زاد جدًا يمكن أن يتسبب في الوسوسة، فالناس بطبيعتهم أنواع، منهم الشخص البسيط لا يأتيه الشك أبدًا، وشخص آخر يأته الشك فينتصر على هذا الشك، وأحيانًا شك الإنسان يقهره ويتعبه.

الشك مِن جهَة الله:

طبعًا الذي يشك في وجود الله مجموعة بعيدة من الجائز أن يكون سببها معاشرة الجو الإلحادي.

ليس كل من يشك له هذا الشك في وجود الله، فالكل يؤمنون بوجود الله مثلًا، ولكن يمكن أن يأتي على الشخص وقت يشك في عناية الله، وفي حفظ الله، وفي تدخل الله في حياته، ويشك في فائدة الصلاة، فإذا صلى مرات كثيرة ولا استجابة، فيبدأ يدخله الشك، ويقول ما فائدة الصلاة؟

وأناس يشكَون في عناية الله واهتمامه مثل الماركسيين الذين يقولون أن الله غير مهتم بالدنيا، فالغني غني، والفقير فقير. وناس يشكون في محبة الله، وآخرون يشكون في وعود الله.

وآخرون يشكون في حكمة ربنا، فإذا وجدوا طفلًا صغيرًا عنده سرطان، يبدأ الناس يتساءلون لماذا يا رب؟

وبهذه المناسبة أتذكر أنني عندما كنت أسقفًا وعظت كثيرًا في الجنازات، وفي إحدى هذه الجنازات كان موضوع عظتي الآية التي تقول: «وضعت يدي على فمي وسكت لأنك أنت فعلت» فأنا يا رب لا أرى حكمتك، ومع ذلك فهناك حكمة ولكنني لا أراها.

وأحيانًا يأتي الشك من أجل الألم الذي يوجد في العالم.

واحد الشيطان يلقيه في الشك فيبدأ الفكر يأتي به شمالًا ويمينًا، والشياطين تقول لقد انتهى، فالكرة وقعت في الملعب، ويبدأون في اللعب بها، شيطان الخوف يلقيها لشيطان التذمر، وشيطان التذمر يلقيها لشيطان اليأس ويلعبون به كالكرة.

هناك شك آخر في المبادئ والقيم.

فالبعض يشك في الصوم، ولماذا نصوم؟ وآخرون في موقف معين يشكون يا ترى نتكلم بصراحة أم نصمت؟ وآخرون يشكون في العطاء هل نعطي كل أحد أم لا نعطي؟ كيف نفرق بين المحتاجين، والمحتالين؟ واحد يشك أيهما أفضل التواضع أم الجرأة. التواضع له مميزات ولكن هل يظنوني أنني ضعيف أم صغير؟ لازم أكون جريئًا والجرأة لها مشاكلها، ويدخل المعلب أيضًا ويتناقلوه الشياطين.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx