اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السنة السابعة والأربعون04 أكتوبر 2019 - 23 توت 1736 ش     العدد كـــ PDFالعدد 37-38

اخر عدد

الاستشهاد بين الماضي والحاضر

نيافة الأنبا بولا مطران طنطا

04 أكتوبر 2019 - 23 توت 1736 ش

كلمة نيافة الأنبا بولا مطران طنطا، والتي ألقاها بمؤتمر مجموعة سانت إجيديو، ممثلًا للكنيسة القبطية الأرثوذكسية بهذا المؤتمر، والذي انعقد فى الفترة من 15-17 سبتمبر 2019 بمدريد – أسبانيا، وذلك  تحت عنوان "السلام بلا حدود Peace With No Borders".

أصحاب القداسة والنيافة، السيدات والسادة

يسعدني أن أكون معكم اليوم في هذا اللقاء الذي يضع اهتمامًا خاصًا بـ"شهداء عصرنا الحاضر". ويشرفني أن أمثل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بمصر، والتي هي من أقدم الكنائس في العالم. والبركة التي أحملها لكم اليوم هي بركة الشهداء المعاصرين، وأكثرهم أقباط، ومنهم أبناء لي في إيبارشية طنطا شهدوا للرب يسوع أثناء قداس أحد الشعانين عام 2017.

*****

في العهد القديم، كان الله يشجع شعبه ليشهدوا له.. ليكونون له شهودًا.. خاطب الله شعبه من خلال إشعياء النبي قائلا: «لاَ تَرْتَعِبُوا وَلاَ تَرْتَاعُوا. أَمَا أَعْلَمْتُكَ مُنْذُ الْقَدِيمِ وَأَخْبَرْتُكَ؟ فَأَنْتُمْ شُهُودِي. هَلْ يُوجَدُ إِلهٌ غَيْرِي؟ وَلاَ صَخْرَةَ لاَ أَعْلَمُ بِهَا؟» (إش44: 8). كان الله يريد أن يكون شعبه أناسًا غير خائفين، بل شجعان يستطيعون أن يقولوا بثبات: "نحن نعبد الله، نحن شعبه".

وهذا المفهوم لكلمة "شهيد" والتي هي باليونانية (martus) أو (martur) يتضح في العهد الجديد أيضًا، إذ قال الرب لتلاميذه قبيل صعوده: «لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ» (أع1: 8)، وهو هنا يريد أن يقول لنا جميعا أن نكون شهودًا له، أي شهداء له في كل أنحاء العالم.

*****

لقد بدأت الشهادة للمسيح من خلال الاستشهاد منذ أن وُلِدت الكنيسة في عصورها الأولى. لأن الرب يسوع المسيح نفسه قال لنا: «أَنَّ الأَعْمَالَ الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ لأُكَمِّلَهَا، هذِهِ الأَعْمَالُ بِعَيْنِهَا الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا هِيَ تَشْهَدُ لِي أَنَّ الآبَ قَدْ أَرْسَلَنِي» (يو5: 36). إن تلك الأعمال عينها أكملها الرب على الصليب، حيث شهد لكل العالم من خلال موته وقيامته. وهكذا علمنا بالمَثَل والقدوة أن نشهد لإيماننا به من خلال الأعمال، دون أن نخاف الموت، لأنه ليس بعد موت لعبيدك بل هو انتقال.. إذ صار الموت طريقًا للقيامة والحياة الأبدية.. هذا هو مفهومنا للاستشهاد في الكنيسة.

ولقد أعطتنا الكنيسة الأولى مثالًا شهيرًا لهذا المفهوم الذي يربط بين (الشهادة) و(الاستشهاد) في القديس إغناطيوس الأنطاكي. ففي عام 107م، كان هذا القديس يودّ أن يشهد للمسيح بالموت.. ولمّا حاول إخوته المسيحيون أن ينقذوه من الرومان المضطهدين، قال لهم: "إذا تركتموني، سأصير كلمة لله. أما إذا سمحتم لأنفسكم أن تغلبكم محبتكم لي فأظل في الجسد، فلن أكون سوى صوت بشري." لقد كانت رغبة القديس إغناطيوس أن تكون شهادته للمسيح أكثر قوة من خلال موته. وبعد ذلك بمائة عام، قال ترتليان مقولته الشهيرة: "إن دماء الشهداء هو بالتأكيد بذار الكنيسة." من الواضح إذًا أن الشهادة للمسيح كانت بشجاعة كبيرة حتى أن آباء الكنيسة الأولى كانوا يرحّبون بالموت ليشهدوا بإيمانهم القوي.

*****

هناك ثلاثة معانٍ للاستشهاد في كنيستنا الآن.. فالاستشهاد:

1- ربح لا ألم (A gain not pain)

2- انتصار وفرح (A victory and joy)

3- طريق للحياة الأبدية (A road to eternal life)

1) ربح لا ألم: (A gain not pain)

نقرأ بفهم، وأيضًا بصلاة مع القديس بولس ونقول: «لأَنَّ لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ وَالْمَوْتُ هُوَ رِبْحٌ» (في 1: 21).

نعم نحن نشعر ببعض الألم حين نفقد أحباءنا بالموت بطريقة وحشية، وحين تُهدَم كنائسنا بتفجيرات إرهابية. ولكننا نعلم أننا إنما نفقد أجسادًا أرضية لنربح قديسين في السماء، فنتعزّى. ونعلم أن دماءهم بذار الكنيسة، وأننا نعيد بناء مباني الكنيسة، ولكننا لم نفقدها أبدا، لأننا لا نفقد الكنيسة الروحية بل نرى كنيستنا تصير أكثر قوة.

2) إنتصار وفرح: (A victory and joy)

ماذا نقول في أسبوع الآلام والجمعة الكبيرة؟ نصلي بالألحان ونؤمن أن يسوع داس الموت بالموت. نحن أيضًا ندوس الشر والخوف والشك والموت الروحي بأن نحمل الصليب بكامل إرادتنا، ونصنع كما صنع ربنا ومخلصنا، ونقبل مثله موت الجسد لكي ما نحصل على النصرة. وعندئذ نقول بفرح عظيم وننشد أيضا مع بولس الرسول قائلين: «ابْتُلِعَ الْمَوْتُ إِلَى غَلَبَةٍ. أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟» (1كو15: 54–55).

3) طريق للحياة الأبدية: (A road to eternal life)

وكنتيجة لما سبق، تصير النصرة على الموت بفرح علامة الطريق للحياة الأبدية، التي هي هدف ومسكن كل مسيحي. انتصارنا وفرحنا ليس سياسيًا، ونحن لا نعرف المقاومة، ولا المقاومة السلبية.. فانتصارنا وفرحنا روحي فقط. وميراثنا ليس أرضيًا بل أورشليم سمائية..

«الَّذِي فِيهِ أَيْضًا نِلْنَا نَصِيبًا» (أف1: 11)، «مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي، كَمَا غَلَبْتُ أَنَا أَيْضًا وَجَلَسْتُ مَعَ أَبِي فِي عَرْشِهِ» (رؤ3: 21).

*****

في أحد الشعانين الموافق 9 ابريل عام 2017، رأينا في كنيستنا مارجرجس بطنطا، كل معاني الاستشهاد: الشهادة للمسيح، والربح، والفرح، والنصرة، والسماء المفتوحة..

كان الشمامسة بملابسهم البيضاء يحملون الصلبان وينشدون لحن "أوصنّا لملك الملوك، أوصنا لابن داود".. كانوا ينشدون بفرح حين انتقلت الكنيسة فجأة من الأرض إلى السماء ليكملوا ألحانهم أمام العرش وأمام الخروف..

فلنقرأ ما حدث بالضبط من الكتاب المقدس:

«بَعدَ هذا نَظَرتُ وإذا جَمعٌ كثيرٌ لَمْ يَستَطِعْ أحَدٌ أنْ يَعُدَّهُ، مِنْ كُلِّ الأُمَمِ والقَبائلِ والشُّعوبِ والألسِنَةِ، واقِفونَ أمامَ العَرشِ وأمامَ الخَروفِ، مُتَسَربِلينَ بثيابٍ بيضٍ وفي أيديهِمْ سعَفُ النَّخلِ وهُم يَصرُخونَ بصوتٍ عظيمٍ قائلينَ: «الخَلاصُ لإلهِنا الجالِسِ علَى العَرشِ ولِلخَروفِ». وجميعُ المَلائكَةِ كانوا واقِفينَ حَوْلَ العَرشِ، والشُّيوخِ والحَيَواناتِ الأربَعَةِ، وخَرّوا أمامَ العَرشِ علَى وُجوهِهِمْ وسَجَدوا للهِ قائلينَ: «آمينَ! البَرَكَةُ والمَجدُ والحِكمَةُ والشُّكرُ والكَرامَةُ والقُدرَةُ والقوَّةُ لإلهِنا إلَى أبدِ الآبِدينَ. آمينَ!». وأجابَ واحِدٌ مِنَ الشُّيوخِ قائلًا لي: «هؤُلاءِ المُتَسَربِلونَ بالثّيابِ البيضِ، مَنْ هُم؟ ومِنْ أين أتَوْا؟». فقُلتُ لهُ: «يا سيِّدُ، أنتَ تعلَمُ». فقالَ لي: «هؤُلاءِ هُمُ الّذينَ أتَوْا مِنَ الضّيقَةِ العظيمَةِ، وقَدْ غَسَّلوا ثيابَهُمْ وبَيَّضوا ثيابَهُمْ في دَمِ الخَروفِ مِنْ أجلِ ذلكَ هُم أمامَ عَرشِ اللهِ، ويَخدِمونَهُ نهارًا وليلًا في هَيكلِهِ، والجالِسُ علَى العَرشِ يَحِلُّ فوقَهُمْ. لن يَجوعوا بَعدُ، ولَنْ يَعطَشوا بَعدُ، ولا تقَعُ علَيهِمِ الشَّمسُ ولا شَيءٌ مِنَ الحَرِّ، لأنَّ الخَروفَ الّذي في وسَطِ العَرشِ يَرعاهُمْ، ويَقتادُهُمْ إلَى يَنابيعِ ماءٍ حَيَّةٍ، ويَمسَحُ اللهُ كُلَّ دَمعَةٍ مِنْ عُيونِهِمْ».» (رؤيا7: 9-17).

نحن نفتخر بهؤلاء القديسين، نفتخر بكنيستنا، ونفتخر بمسيحيتنا.

نحن أيضا نفتخر ببلدنا مصر.. لقد كانت مصر وما زالت وطن كنيستنا الكبيرة الممتدة.. لم يتمكن التطرف من أن يسود على بلادنا.. حتى حين نواجه تلك الأمثلة من المشكلات، لا نكف عن محبة القريب. بل نجد العون والسند من السلطات ومن الشعب المصري كله.

نحن لا نفقد الرجاء أبدًا في بلادنا، بل ندعم كل مساعي التعايش السلمي والتنمية الثقافية والتعليمية، حتى ما نحقق هدفنا ومهمتنا على الأرض وهي أن نكون ملحًا ونورًا لكل العالم.

أرجو منكم جميعا أن تصلوا من أجل السلام؛

أن تصلوا بقلب واحد حتى ما يجعل الله السلام في العالم كله؛

أن تصلوا قائلين:

"يا ملك السلام، أعطنا سلامك، قرر لنا سلامك، واغفر لنا خطايانا."




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx