اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السنة السابعة والأربعون18 أكتوبر 2019 - 7 بابه 1736 ش     العدد كـــ PDFالعدد 39-40

اخر عدد

نعمة الحياة

قداسة البابا تواضروس الثانى

18 أكتوبر 2019 - 7 بابه 1736 ش

تكلمنا خلال الأسابيع الماضية عن النعم السبع التي يعطيها الله لنا جميعًا، والتي نذكرها في صلاة الشكر: (1) نعمة الستر – (2) نعمة المعونة – (3) نعمة الحفظ – (4) نعمة القبول – (5) نعمة الشفقة – (6) نعمة التعضيد. واليوم ختام هذه النعم السبع التي نصليها في صلاة الشكر، ونصليها بالصيغة الجماعية وبشكل فردي، وفي صلواتنا العامة والخاصة، والأب الكاهن يصليها بالصيغة الطقسية في مناسبات الكنيسة، ونفتتح بها كل صلواتنا بدون استثناء.. النعمة الأخيرة "أتى بنا إلى هذه الساعة"، وهي نعمة الحياة.

نعمة الحياة هي النعمة التي أعطانا أياها الله، و"هذه الساعة" أي الساعة التي نصلي فيها. وجودنا هو نعمة من الله، وأنه أعطانا أننا نعيش لهذه الساعة هو نعمة آخرى.

نعمة الوجود

الله أوجدنا وأعطانا أن نعيش لهذه الساعة، وهذه النعمة هي نعمة الوجود. لقد خلقنا الله لأنه يحبنا، ومحبته لنا جعلته يوجدنا لكي نشترك في هذه الحياة، وأعطانا أن تمتد بنا الحياة لهذه الساعة. هناك نفوس في هذه الساعة انتهت إقامتها على الأرض وانتلقت إلى السماء. في صباح كل يوم نشكرك يا رب لأنك أعطيتنا نهارًا جديدًا وعمرًا جديدًا. كل يوم يعطيه الله لنا هو نعمة في حد ذاته. أول شيء يجب أن تعرفه هو أن محبة الله هي سبب وجودك، لأن الله يحبك بصورة خاصة، وقد أوجدك في هذه الحياة ليكون لك هدف، ولخطة ولعمل ولقصد. عندما خلق الله الإنسان خلقه بقصد.. صحيح أن الإنسان اشترك مع الله في الخلقة وفي وجود الإنسان من خلال سر الزيجة، ولكن الله يعطي الحياة؛ وهذا هو التكوين الجميل للبشرية: أن آدم ومن مثله، وحواء ومن مثلها، عندما يرتبطان ينتج ابن أو ابنة، وهذا الابن أو الابنة يبدأ جنينًا صغيرًا جدًا من خلايا قليلة، ثم ينمو لمدة ٩ أشهر حتى يأتي هذا الطفلن وعندما يأتي تكون فرحة كبيرة للأب والأم وللأسرة وللمجتمع، ويصير إنسانًا معدودًا، موجودًا، وتبدأ الكنيسة تمارس دورها بصلاة الحميم والمعمودية وممارسة الأسرار، وتبدأ مراحل حياة الإنسان، وتظهر خطة الله في حياته وماذا يصنع.

عندما يخلق الله الإنسان يكون هدفه الأساسي والوحيد هو المحبة، لذلك نقول إن الله محبة، ومن هذه المحبة أوجد الإنسان، والإنسان لا يستطيع أن يعيش إلّا من خلال هذه المحبة. الله عندما يخلق الإنسان لا ينسى إي إنسان «هل تنسى المرأة رضيعها، فلا ترحم ابن بطنها؟» (إش49: 15)، ومثل النعامة التي ترعي البيضة وتظل تنظر إليها، وبيضة النعام تظهر عناية الله بالإنسان «الرب راعيَّ فلا يعوزني شيء» (مز23: 1). وعلى الرغم من كل هذا يقول البعض: إن وجودي غير مهم.. وكأنه يعتدي على نعمة الله! قديمًا رفض شعب مملكة يهوذا كلام إرميا ونبواته ورفضوا التوبة فأكتأب إرميا وقال: «ملعون اليوم الذي وُلِدت فيه، لماذا خرجت من الرحم لأرى تعبًا وحزنًا؟» (إر20: 14)، ويونان النبي عندما ذبلت اليقطينة يقول: «موتي خير من حياتي» (يون4: 3). أيوب الصديق مثال آخر تعرض لتجارب وآلام شديدة جدًا، يقول: «ليته هلك اليوم الذي وُلِدت فيه» (أي3:3)، هناك من يعترض على وجوده، لكن أيوب بعد ما دخل التجربة وتعلم كانت النتيجة أنه عاش ١٤٠ سنة، وأعطاه الله نعمة الوجود، ويمكن أن يقف ويقول: أشكرك يا رب لأنك أتيت بي إلى هذه الساعة.. وكثيرون يتعرضون لهذه المواقف.

الحياة نعمة، ولذلك الاعتداء على الحياة يُعتبر خطية، لذلك الإدمان خطية، والانتحار خطية لأنه اعتداء على نعمة الحياة. يعقوب أبو الأباء عندما عرف أن يوسف حيّ، يقول الكتاب «جَمَدَ قلبه لأنه لم يصدقهم، وقال لهم: يوسف ابني حيّ بعد، أذهب وأراه قبل أن أموت» (تك45: 28)، فعندما تاه يوسف كان يعقوب مثل الميت، ولكن عندما علم أن ابنه حي ردّت فيه الحياة مرة ثانية، فقال يعقوب ليوسف «أموت الآن بعدما رأيت وجهك أنك حيّ بعد» (تك46: 30)، وفي هذه اللحظة وقف وقال: أشكرك يا رب لأنك أتيت بي إلى هذه الساعة. وفي العهد الجديد سمعان الشيخ وُلِد قبل المسيح، واشترك في ترجمة العهد القديم لليونانية، وتوقف عند كلمة "عذراء تحبل وتلد"، فوضع بدل كلمة عذراء كلمة فتاة، فقال له ملاك أنه سوف يعيش إلى أن تتحقق هذه النبوة، وعندما عاش لأنه علم أنه «لا يرى الموت قبل أن يعاين مسيح الرب» (لو2: 26)، وعندما دخلت العذراء مريم وهي تحمل الطفل يسوع قال: "أشكرك يا رب أنك أتيت بنا لهذه الساعة"... مجرد أن يأتي بك الله لهذه الساعة فهذه فرصة، لأن في نفس هذه الساعة انتهت هذه الفرصة عند آخرين... وهذه الساعة فرصة لـ...:

١- فرصة توبة: ربما لم يقدر الإنسان على التوبة بالأمس، ولكن اليوم هناك فرصة للتوبة وتنقية القلب، وهذه الفرصة قد تضيع أن لم ينتهز الإنسان الفرصة. لو كان القديس موسى الأسود قد عاند، كان سوف يظل في خطيته ولا أحد يسمع عنه، ولكنه استغل فرصة التوبة وتحول من إنسان قلبه أسود إلى قلب أبيض وقديس نتشفع به، ويقف ويقول: أشكرك يا رب لأنك أتيت بي إلى هذه الساعة، ساعة التوبة.

٢- فرصة مصالحة: ربما تكون متخاصمًا مع أحد، لماذا تسمح أن تنتهي حياتك وأنت تحمل هذه الأشياء؟ هناك فرصة للمصالحة، وعندما تتقدم للمصالحة أنت تصنع عملًا سمائيًا. أشكرك يا رب لأنك أتيت بنا لهذه الساعة، فهي فرصة للمصالحة ولصنع السلام مع الآخرين، ولنبدأ صفحة جديدة. تخيل أبو الابن الضال لم يقبله، فسوف يعود الابن لخطيته.

٣- فرصة عمل وخدمة: «الكسلان يقول الأسد في الطريق» (أم22: 13)، الكسلان يضع معوِّقات ولا يستطيع أن يقول كلمة "أخطأت" من قلبه.. أتيت بنا إلى هذه الساعة فرصة عمل، «أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل» (يو5: 17). الرب يسوع في سنوات الخدمة كان في عمل مستمر.. لا تؤجل عملًا أو خدمة، استخدم إيّة ساعة في عمل الخدمة.

٤- فرصة للنمو: تنمو روحيًا، معرفيًا، دراسيًا.. نمو على كل الأصعدة لتكون شخصيتك متكاملة.

٥- فرصة صلاة: فرصة لعلاقة روحية أكثر، فيكون لك نصيب في السماء، وتعرف طريقك. ومن تقليد الكنيسة لدينا الصلاة السهمية (الدائمة). استغل الوقت في الصلاة وفي قراءة الكتاب المقدس، وكل ما تتأجج فيك روح الصلاة، كل ما تكون حياتك أكثر استنارة، وتكون ابن السماء، ويكون في قلبك نور.

نشكرك يا رب لأنك أتيت بنا إلى هذه الساعة.. نعمة الحياة التي يعطيها الله للإنسان.

هذه النعم السبع نشكر الله عليها أنه يعطيها لنا، والقصد من طرح هذه المجموعة من الموضوعات أن تُقدّر النعم الكبيرة التي يعطيها الله لنا كلنا، ونحن نصليها بصيغة الجماعة وكأننا نصلي حتى عن الذين لا يصلو،. ليحفظكم الرب جميعًا ويكون معكم. لإلهنا كل مجد وكرامة من الأن وإلى الأبد. آمين.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx