اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السنة السابعة والأربعون15 نوفمبر 2019 - 5 هاتور 1736 ش     العدد كـــ PDFالعدد 43-44

اخر عدد

المغفرة - الجمعة 29 ديسمبر 2006–  العددان 35، 36

مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث

15 نوفمبر 2019 - 5 هاتور 1736 ش

الكل يطلب المغفرة، حتى كبار القديسين.

حتى الآباء سكان البرية، كانت النصيحة التي يقولونها لمن يطلب منهم كلمة منفعة، هي "اجلس في قلايتك وأبكِ على خطاياك". وفي الصلاة التي علمنا الرب إياها، ونرددها مرات كل يوم، في ختامها "اغفر لنا ذنوبنا، كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا".

وطلب المغفرة لازم، لأنه لا يوجد أحد لا يخطئ، ولو كانت حياته يومًا واحدًا على الأرض. والقديس يوحنا الرسول يقول «إن قلنا إننا لم نخطئ، نضل أنفسنا وليس الحق فينا» (1يو1: 8)، كما يقول القديس يعقوب الرسول «.. لأننا في أشياء كثيرة نعثر جميعنا» (يع3: 2). وما أعجب قول القديس بولس الرسول «.. الخطاة الذين أولهم أنا» (1تي1: 15).

فمادامت هناك خطية، إذًا يلزم أن نطلب المغفرة لكي تتداركنا مراحم الله ويغفر لنا خطايانا..

+        +         +

إن الله رحيم بطبعه وغفور.

قيل عنه في المزمور إنه صالح وغفور وكثير الرحمة (مز86: 5). ولا شك أن مغفرته نابعة من رحمته، ومن معرفته بضعف طبيعتنا البشرية التي لها جسد مادي وتعيش في عالم مادي. يقول داود النبي في ذلك «لأنه يعرف جبلتنا يذكر أننا تراب نحن» (مز103: 14). وهكذا يتغنى في نفس المزمور ويقول «باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل إحساناته: الذي يغفر جميع ذنوبك، الذي يفدي من الحفرة حياتك» (مز103: 2). وقال موسى النبي عن الرب «الرب إله رحيم ورؤوف بطيء الغضب وكثير الإحسان.. غافر الإثم والمعصية والخطية» (خر34: 6، 7).

+        +        +

الله يغفر. ولكنّ للمغفرة شروطًا وأسبابًا:

1- الشرط الأول للمغفرة هو التوبة.

وهو شرط أساسي، وبدونه لا يمكن أن تحدث مغفرة. ويركز السيد المسيح على هذا الشروط فيقول «.. إن لم تتوبوا، فجميعكم كذلك تهلكون» (لو13: 3، 5).

وهكذا اهتم له المجد أن يدعو الخطاة إلى التوبة (مت9: 13). وفي أول كرازته، كان يقول للناس «توبوا وآمنوا بالإنجيل» (مر1: 15)، وأيضًا كان يوحنا المعمدان يقول للفريسيين والصدوقيين «من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي؟! فاصنعوا ثمارًا تليق بالتوبة» (مت3: 7، 8)...

والتوبة تعنىي الندم والانسحاق، كما رأينا في توبة داود النبي، الذي قال في توبته «في كل ليلة أعوّم سريري، وبدموعي أبلّ فراشي» (مز6). وقال «لصقت بالتراب نفسي» (مز119: 25).

والتوبة الحقيقية تعني في مضمونها عدم الرجوع إلى الخطية مرة أخرى. بل إن التائبين الذين حدثنا التاريخ عنهم، لم يكتفوا فقط بالامتناع عن الخطية، بل نموا في حياة البر حتى صاروا قديسين. كما أن التوبة الحقيقية – إذا نمت – تصل إلى محبة الله، وقد قال الرب عن التائبة التي بلّلت قدميه بدموعها إن خطاياها الكثيرة قد غُفرت لها لأنها أحبت كثيرًا (لو7: 47). كما أضاف – من الناحية الأخرى – إن «الذي يُغفر له قليل، يحب قليلاً».

+     +      +

2- ومع التوبة، يعمل التائب على معالجة نتائج الخطية، بقدر ما يستطيع..

وأبرز مثال لذلك قول زكا العشار في توبته «.. وإن كنت قد وشيت بأحد، أرد أربعة أضعاف» (لو19: 8)، لهذا استحق قول السيد الرب عنه «اليوم حصل خلاص لهذا البيت..».

لذلك إن حدث أن ظلمَ إنسان شخصًا آخر، لا يكفي أن يأتي إلى أب الاعتراف، ويعترف ويطلب الحِل لتُغفر خطيته، إنما يجب عليه بالضرورة أن يرفع ظلمه عن هذا المظلوم، ويرد له حقه.. وكذلك من يسرق، عليه أن يرد الذي سرقه إلى صاحبه.. وبالمثل في باقي الخطايا – على قدر الإمكان – لكي ينال المغفرة...

+     +      +

3- ومن شروط مغفرة الرب لك، أن تغفر أنت أيضًا لمن قد أخطأ إليك..

وواضح هذا من قول السيد المسيح «اغفروا، يُغفر لكم» (لو6: 37). هنا شرط. وقد شدّد الرب على هذا الشرط بالذات، في الصلاة الربية التي علمنا إياها. فقال بعدها «فإنه إن غفرتم للناس زلاتهم، يغفر لكم أبوكم السماوي. وإن لم تغفروا للناس زلاتهم، لا يغفر لكم أبوكم أيضًا زلاتكم» (مت6: 14، 15).. إنه يكرّر الشرط، ويمتنع عن المغفرة إن لم نغفر. وهكذا علمنا أن نقول في صلاتنا «واغفر لنا ذنوبنا، كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا» (مت6: 12). ويشرح ذلك بقوله «لأنه بنفس الكيل الذي به تكيلون، يُكال لكم» (لو6: 38).

وقد سأل بطرس الرسول السيد الرب قائلاً «كم مرة يخطئ إلىّ أخري، وأنا أغفر له؟ هل إلى سبع مرات؟»، فأجابه «لا أقول لك إلى سبع مرات. بل إلى سبعين مرة سبع مرات» (مت18: 21، 22)، أي إلى ما لا يُحصى من المرات. ثم ضرب لهم مثلاً بالعبد الذى كان مديونًا لسيده بعشرة آلاف وزنه، وإذا لم يكن له ما يوفي ترك له الدين الذي عليه. ولما خرج ذلك العبد، وكان له مدين عليه مائة دينار ولم يسامحه.. عاد سيد ذلك العبد وأمر بمعاقبته لأنه لم يرحم أخاه، فأصبح لا يستحق الرحمة.

+   +   +

4- وشرط آخر هو عدم إدانة الآخرين.

وفي ذلك يقول السيد الرب «لا تدينوا لكي لا تدانوا. لأنكم بالدينونة التي بها تدينون، تُدانون..» (مت7: 1، 2).. أي أنه لكي لا يحكم الله عليك، بل يغفر لك، هو أنك لا تدين غيرك، ولا تحكم عليه...

عَمل الله في المغفرة:

ننتقل إلى نقطة أخرى،

1- إنه لا يُعاقب عليها:

وفي ذلك يقول المرتل في المزمور عن مغفرة الله: «لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا» (مز103: 10). ويقول الرب في سفر حزقيال النبي عن التائب «إن رجع الشرير عن جميع خطاياه التي عملها.. حياة يحيا، لا يموت» (حز18: 21). والمقصود بعدم المعاقبة، هو عدم المعاقبة في الأبدية، لأنه يمكن أن ينال التائب عقوبة على الأرض، مثلما حدث لداود على الرغم من مغفرة خطيته (2صم12: 7-13).

2- الرب أيضًا في مغفرته، يستر على الخطية، ولا يحاسب عليها.

وفي ذلك يقول داود النبي في المزمور «طوبى للذي غُفر إثمه وسُتِرت خطيته. طوبى للإنسان الذي لا يحسب له الرب خطية» (مز32: 1، 2). وقد كرر بولس الرسول هاتين الآيتين في رسالته إلى رومية (رو4: 7، 8). وقال «إن الله كان في المسيح مصالحًا العالم لنفسه، غير حاسب لهم خطاياهم» (2كو5: 19).. إذًا في المعفرة أيضًا مصالحة مع الله.

3- بل إن الله في مغفرته للخطايا، لا يعود يذكرها.

كما قال عن ذلك – في سفر ارميا النبي – «لأني أصفح عن إثمهم، ولا أذكر خطيتهم بعد» (أر31: 34). وقال عن التائب – في سفر حزقيال النبي – «كل معاصيه التي فعلها، لا تذكر عليه» (حز18: 22).

+ وهكذا في المغفرة، يبعد الخطية عن الإنسان، كما قيل في المزمور «كبعد المشرق عن المغرب، أبعد عنا معاصينا» (مز103: 12).

+ وفي هذا الإبعاد، ينقلها إلى صليب السيد المسيح، حسب الوعد الذي قيل لداود «الرب نقل عنك خطيئتك. لا تموت» (2صم12: 13).

وقال في ذلك إشعياء النبي «كلنا كغنم ضللنا. مِلنا كل واحد إلى طريقه، والرب وضع عليه إثم جميعنا» (إش53: 6).

+        +        +

4- ومن أعمق ما قيل في مغفرة الخطايا، إن الله يمحوها.

وهذا هو الذي طلبه داود في المزمور الخمسين – حينما قال للرب – «ومثل كثرة رأفاتك، أمحُ كثرة رأفاتك، أمحُ إثمي» (مز51: 2).

+ بل إن الله أيضًا يغسل التائب يطهّره. وهكذا يقول له داود في نفس المزمور «اِغسلني كثيرًا من إثمي، ومن خطيئتي طهّرني». وأكثر من هذا يقول «اِغسلني فأبيّض أكثر من الثلج... ومن خطيئتي طهّرني».

+        +       +

النقطة التالية هي الخطايا التي يغفرها الله:

إنها جميع الخطايا التي يتوب عنها الإنسان، سواء خطايا العمل، أو الحواس، أو الفكر والقلب، أو النية.. ومنها أيضًا خطايا السهو، كما ورد في سفر اللاويين عن ذبيحة الخطية وذبيحة الإثم: «إذ أخطأت نفس سهوًا في شيء من جميع مناهي الرب التي لا ينبغي عملها، وعملت واحدة منها.. » (لا4: 1). يأتي بذبيحة.. «يكفرّ عنه الكاهن عن سهوه الذي سها وهو لا يعلم، فيصفح عنه» (لا5: 17، 18). الذبيحة للمغفرة، والتكفير للمغفرة. مع أن داود النبي قد قال «السهوات من يشعر بها؟! من الخطايا المستترة يا رب أبرئني» (مز19: 12). إذًا الخطايا المستترة تحتاج أيضًا إلى تبرئة، وإلى غفران.

+     +      +

نلاحظ أننا نصلي في الثلاثة تقديسات ونقول: "حِلّ واغفر واصفح لنا يا الله عن سيئاتنا التي صنعناها بإرادتنا والتي صنعناها بغير إرادتنا. التي فعلناها بمعرفة، والتي فعلناها بغير معرفة. الخفية والظاهرة. يا رب اغفرها لنا..". إذًا الخطايا الإرادية تحتاج إلى مغفرة، وكذلك خطايا الجهل التي فُعلت بغير معرفة، وأيضًا الخطايا الخفية.. ولا شك أن كل واحد من كل هذه تحتاج إلى شرح وتوضيح.

وأيضًا نقول في صلواتنا: "يا رب اغفر لنا خطايانا. يا رب اغفر لنا آثامنا. يا رب اغفر لنا زلاتنا". وهذه أيضًا تحتاج إلى توضيح...




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx